مدخل :
حسب ما هو ملاحظ في المشهد الثقافي الأدبي المغربي أن للكتابة النسائية مكانة نوعية جد متميزة، لقد فرضت المرأة نفسها، وبصمت بصمتها بشموخ وقوة، بعدما اكتسبت تجارب جد متفردة، فأصبحت حاضرة في كل المحافل الإبداعية لا تكف عن المشاركة إلى جانب إخوانها الشعراء، موظفة قلمها الناعم بما يغرق الجوانح والكيان نشوة وغناء بأروع التغريدات الدالة والمترجمة لدواخلها من هموم وما يرتبط بالحياة بأسمى تجلياتها، وأدق صور شعرية شاعرية زئبقية فياضة بالمشاعر والأحاسيس الرقيقة والدافئة والعواطف والمواويل الساحرة، زاخرة بحكم وازنة، متشبعة بقيم المحبة والجمال ذات البعد الروحي والإنساني مستقاة من الواقع المعيشي وما شابه ذلك، ومن بين النساء أو الشاعرات الشاعرة الفريدة صاحبة القلم الدافىء (حليمة حريري).
التعريف بالمبدعة:
من هي حليمة حريري؟
حليمة حريري شاعرة من موالد الدار البيضاء، مستواها جامعي، تشتغل بالقطاع العام، كما أنها رئيسة الجمعية المغربية للإبداع، معدة ومقدمه لبرنامج إطلالة على التراث وكذا برنامج طريز الحروف بإذاعة صوت ورزازات ..
لها كتابات متنوعة حيث صدر لها ما يلي :
– غربة الروح ديوان شعري عن منشورات دار آفاق بمراكش 2018
– حواس الليل ديوان شعري عن مطبعة بلال فاس 2020
– ظلال الهبوب مجموعة شعرية عن دار ومضة للترجمة والنشر 2021
– شي كلام ف شوني مجموعة زجلية عن مطبعة بلال فاس 2023
– على حافة الصراخ ديوان شعري مؤسسات أفرا للدراسات والأبحاث خنيفرة 2024
– نشرت مقالات تراثية بمجلات بالوطن العربي وكذلك بجرائد وطنية …. الخ.
دلالة الغلاف :
على ظهر الغلاف بدت صورة أو طيف امرأة غير واضحة، بمثابة خيال أو شبح، تلطم وجهها وهي تصرخ، يغلب على الصورة طابع لون البني الداكن، وهذا اللون هو لون حيادي وطبيعي يتسم بالدفء، يطفي مشاعر الأمان. هو لون أرضي يثير بسلاسة عناصر من الطبيعة، كما يعتبر اللون البني رائعا لتضمينه :
– أولا الاستقرار :
لكونه يطفي شعورا بالراحة والاطمئنان لغالبية من الناس، ذلك كون باطن الأرض لونه بنيا .
– ثانيا الهيكلة :
كثيراً ما يرتبط هذا اللون على النظام والتنظيم .
– ثالثا الأمن :
يمثل الأمان والحماية وملجأ من فوضى العالم الخارجي، ويزيد الشعور بالانتماء
وخلاصة القول فاللون البني هو لون التراب والبادية، ذاك يعكس بقوة مدى الارتباط بالبيئة والأرض والوطن .
دلالة العنوان :
غالباً ما يكون العنوان عتبة شاعرية تراود فضول المتصفح لولوج لنصوص الديوان، إنه المفتاح الذي يساعد على فك شفرة المضمون والموضوع. لقد جاء هنا شبه جملة (على حافة الصراخ). عنوان عميق الإيحاء، يحمل عدة دلالات، يشد الانتباه ترغيبا للقراءة بشغف وامتاع .
وحافة اسم جمع حافات: وهي الناحية أو الجانب ونقول :
– على الحافة في وضع مزعزع أو غير ثابت .
– حاجة وشدة في العيش، أصابتهم حافة منذ مات والدهم .
– حافة الشيء: حافته طرفه وجانبه .
– على حافة الخراب: يكاد الخراب ينزل به .
– على حافة الهاوية: على وشك السقوط فيها، في وضع خطير أو قريب من الهلاك.
– يجره إلى حافة الهاوية: يؤدي به إلى الدمار .
والمرادفات هي: جانب، حد حرف، شفا، طرف …..
أنا كلمة الصراخ :
صراخ مصدر صرخ
الصراخ: صوت المستغيث
صرخ الخائف: صاح صياحا شديدا
صرخ في القوم: صاح فيهم
صرخ لصاحبه: ناداه
صرخ المظلوم: استغاث
صرخ الغريق: أغاثه .
ومرادف كلمة صراخ: إغوال، بكاء، تأوه، جلبة، جلجلة، دوي، صخب، صريخ، صوت، صدام، صباح، ضجيج، ضجة، ضوضاء، عجيج، عويل، نحيب، نواح، هرج، هتاف…
فالعنوان غالبا ما يجسد فكر ورقة أحاسيس الشاعرة حليمة حريري والمرأة المغربية بصفة عامة، كما يشي بالكثير من الواقع النفسي والثقافي والإنساني…
المشهد اللساني :
يحتوي الديوان على نصوص شعرية جامحة، كتبت بشغف القلب، مطروزة بعشق ديدنها تستجيب لنداءات الذات. نصوص شامخة على وهج رؤى عميقة، تفيض بالأناقة، وازنة، تجسد صراخات دواخل الشاعرة، وتعانق حلما ساحرا مما يؤكد أن الشاعرة لها دراية رائدة في الكتابة عن جدارة واستحقاق. لقد فاضت حروفها بأجمل المعاني ذات المنحى الوجداني الذي منها ولجت ساحة الإبداع من بابه الواسع، وأكدت حضورها بامتياز مكسرة بذلك الصورة الخجولة للمرأة المغربية في المحافل الأدبية.
بكل موضوعية فالشاعرة حليمة حريري حاولت قدر الإمكان تلوين نصوصها بكلمات شعرية صادقة ومشاعر جد راقية ونبيلة ولو أنها مطروزة بالشجن والهواجس كل هذا نعتبره اجتهادا مأتاه الصفاء والطهر يناغي سكينة الذات بما يناسب شموخ المرأة العصامية وأنفتها بكبرياء ونخوة .
اللغة :
شعر أنيق، كتب بلغة شبه متمردة غير معتادة بصرخة عميقة، وبمقومات جمالية الإيقاع والموسيقى، وهذا كفيل باجتذاب المتلقي المتعطش للشعر الأنيق الهادف، أليست اللغة الشعرية ديدن الإبداع؟ وقلب القصيد النابض؟ لقد جابت عباب المتعة بشكل كبير على مدى نصوص الديوان بأسلوب منسجم مع الذات الشاعرة وأبعاد المعنى مستنطقة أعماق اللغة متفردة بولادة جديدة تثمن تجربتها الأدبية الرائدة.
نعم هناك علاقة وطيدة بين الكتابة الشعرية الشاعرية الممتعة والجميلة والعمل الإبداعي الذي يمكن اعتباره ترجمة للحياة بمختلف التجليات البناءة .
ومما تقدم يمكن القول: أن الشاعرة حليمة حريري أثبت حضورها في الساحة الثقافية عن جدارة واستحقاق، وبصمت بصمتها كعنوان جذاب ببلاغة تلامس الحياة، وبرؤى مخملية رشيقة الظل قوية الأبعاد، مؤججة الإحساس بروعة صياغة الكتابة …
الموسيقى الشعرية :
وأنت تقرأ نصوص الديوان الشعري، يشدك انتباه الإيقاع بإعجاب لامتناهي بفضل الرنة الموسيقية والنوتات الراقية، بحيث تغرق مسامع المتلقي في متعة كبيرة فنية غامرة تعكس الصورة الجمالية لمحتوى القصائد، كما تزيد الإيقاع قوة وجلجلة، تعانق أحلاما ثملة، وتزيد المشاعر والأحاسيس سحر رومانسي كقيمة مضافة تناغي الروح والعاطفة، تغري المتلقي بسحر لا يقاوم.
ختاما :
لا يسع في غمرة هذا الإبداع إلا أن نعتبر حليمة حريري مبدعة من المبدعين في زمان الحداثة . نتمنى لها التوفيق والنجاح الدائم والمستمر .
بقلم: علال الجعدوني
شاعر ناقد / بني وليد تاونات المغرب