خلال فترة العطل السنوية، خصوصا الطويلة منها، يجد المعني بها نفسه أمام فراغ يومي قد يحتار في ملئه، سيما إذا كان يعيش حياة غير منظمة، عشوائية، حياة لا يعطي فيها الاعتبار لأهمية الزمن.
نتيجة لذلك تصير فترة العطلة مهما طالت، مجرد يوم واحد يتكرر، إلى حد أن صاحب هذه العطلة قد يستغرب في نهايتها كونها مضت بسرعة، لم يشعر بها، لقد مرت في رمشة عين، في حين أن عدد ساعات اليوم هي نفسها، وعدد أيام الأسبوع هي ذاتها دائما، الفرق يكمن في كيفية استفادتنا من هذه العطلة وفي كيفية استغلالنا للمساحة الزمنية التي نعبرها والتي تقتطع من عمرنا.
خلال فترة العطلة، ينتفي ما يسمى الوقت الثالث، على اعتبار أن العطلة في حد ذاتها هي بمثابة وقت ثالث، وقت فراغ من العمل، والتخلص من إكراهات الانضباط للمواعيد المفروضة التي قد يحاسب عليها إذا أخلفها.
إن لديه مواعيده الخاصة التي اختارها بنفسه والتي قبل بها، نظرا لأنها تخلق لديه متعة، من حقه أن يفي بها أو لا يفي، فهو في عطلة، فترة المصالحة مع الذات، هناك من ينظم برنامجا خاصا للاستمتاع بهذه الفترة المنتظرة بفارغ الصبر، وهناك من يمقت أن يلزم نفسه بأي برنامج، بل يجد متعته في الاستمتاع بالعطلة بشكل عشوائي، غير أن هذه الفئة المعنية بالعطلة، غالبا ما تأسف في نهاية المطاف على الزمن الذي أهدرته في اللاشيء.
أعرف العديد من الأصدقاء الذين يعشقون قراءة الكتب ولا يجدون الوقت خلال فترة عملهم لممارسة هوايتهم المفضلة هاته، علما بأن قراءة الكتب هي أكثر من هواية، إنها فعل ضروري لاكتساب مزيد من المعارف لمواجهة متطلبات الحياة.
من هؤلاء الأصدقاء من عين مجموعة من عناوين الكتب التي يود قراءتها خلال عطلته السنوية، عشرات العناوين، لكن هل بإمكانه أن يحقق رغبته هاته؟ قد يبدو الأمر ممكنا، ما دام أن زمنا غير يسير في متناوله، له الحق في أن يستغله كما يشاء، بمقدوره أن يقرأ عشرات الصفحات كل يوم، خصوصا إذا عرف كيف ينظم أوقات القراءة.
صحيح أن تعيين عشرات الكتب والتعبير عن الرغبة في قراءتها، لا يجمعها إلا الفم، حسب تعبيرنا الدارج، لكن بالإمكان تنفيذ هذه الرغبة.
أصادف بين الحين والآخر بعض الأدباء في معارض الكتب، وأنتبه إلى أنهم يزورون مختلف الأروقة دون أن يقتنوا في النهاية أي كتاب، أي شيء على الإطلاق، وحين أسأل البعض منهم، يجيبون أن الكثير من الكتب تراكمت في خزانته دون أن يجد الوقت لقراءتها وأنه عليه أن ينتهي من قراءة تلك الكتب قبل أن يفكر في شراء المزيد منها.
الاصطياف إذن، لا يعقل أن يمر دون استغلال فترات منه للقراءة وللاطلاع على كتب من شتى المعارف والعلوم والإبداع، لكن كيف؟ تلك هي المشكلة.
عبد العالي بركات