قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية يقدم ورقته للمؤتمر الوطني الثاني عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي

تنظم النقابة الوطنية للتعليم العالي مؤتمرها الوطني الثاني عشر تحت شعار “جميعا من أجل توحيد ودمقرطة وتجويد منظومة التعليم العالي خدمة للتنمية الشاملة لبلادنا”، أيام 18/19/20 أكتوبر 2024، ببوزنيقة. وبالنظر لأهمية هذه المحطة التنظيمية في حياة إطارنا النقابي العتيد ولمسار إصلاح قطاع التعليم العالي ببلادنا، ومساهمة منهم في نقاش مشاريع الوثائق المعروضة على المؤتمر ومختلف القضايا المرتبطة بالتعليم العالي، يتقدم أستاذات وأساتذة قطاع التعليم العالي بحزب التقدم والاشتراكية بهذه الورقة معبرين من خلالها عن آرائهم وملاحظاتهم واقتراحاتهم المنطلقة من وثائق الحزب وتقاريره وتحاليله، والرامية بالأساس إلى تجويد مشاريع الوثائق المعروضة رسميا على أنظار المؤتمر من قبل الأجهزة النقابية المختصة. آملين أن تتكلل أشغال المؤتمر الوطني بالنجاح وأن تراعي في جميع مراحله الشفافية المطلقة والقيم والمبادئ الديمقراطية بعيدا عن أي شكل من أشكال النزعات الهيمنية والحسابات الحزبية الضيقة وثقافة الإنزالات البائدة. وضرورة العمل بنفس إيجابي على تَحَمُّل المسؤولية الجماعية في أن تكون النقابة الوطنية للتعليم العالي نقابة عتيدة موحدة مستقلة وصوتا لكل الأستاذات والأساتذة بصرف النظر عن الانتماءات والحساسيات.
يلتئم المؤتمر الوطني الثاني عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي في ظل تطورات ومستجدات عميقة تهم الساحتين الوطنية والدولية، وفي سياق يتسم بصعوبة وتعقد التحديات ا لاجتماعية والاقتصادية، ما ينبغي معه على وجه الخصوص استحضار ورش بناء المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي والتقدمي الذي ينطلق من ضرورة كسب رهان إصلاح منظومة التعليم العالي والنهوض الحقيقي بالبحث العلمي، مع الارتكاز على الرأسمال اللامادي من حيث الارتقاء بالاستثمار في التكوين والبحث العلمي وربطهما بالحاجيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإيكولوجية، و ذلك عبر جعل الإنسان في صلب السياسات التنموية، كما أوصى بذلك النموذج التنموي الجديد:
01ـ عرف ملف الوحدة الترابية المغربية باعتبارها القضية الوطنية الأولى تطورات عميقة من حيث المستجدات وطبيعة المقاربة بدءا من التنامي المطرد لعدد الدول المقتنعة بمغربية أقاليمنا الجنوبية وبجدية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي المغربي، في إطار مسار سياسي، يفضي إلى حل نهائي لهذه القضية، في إطار السيادة المغربية؛ إذ تعزز الموقف المغربي بدعم ومساندة قوى فاعلة ومؤثرة في الساحة الدولية ومتمتعة بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن. وتأتت هذه التطورات الإيجابية بفعل انتقال بلادنا إلى نهج مقاربة ترتكز على “المبادرة” عوض “رد الفعل” والمرور من مرحلة “التدبير” إلى مرحلة “التغيير”، بفعل الحرص والسهر الدائم لمؤسساتنا الدستورية والمكونات المجتمعية والتنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية ببلادنا وضمنها النقابة الوطنية للتعليم العالي والتي ينبغي أن تواصل جهودها وترفع من إيقاع وحجم مساهمتها عبر الواجهات النضالية المتاحة في إطار الدبلوماسية الموازية. مع ضرورة التأكيد على أهمية تقوية الجبهة الداخلية كصمام أمان لملف الوحدة الترابية المغربية، والانخراط الجماعي لكل المكونات الاجتماعية في الجهود المتواصلة في اتجاه الطي النهائي لهذا الملف.
02ـ إن حرب الإبادة التي تشنُّها قواتُ الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني والسياسات العنصرية والاستيطانية للكيان الصهيوني الغاصب مدعاة للإدانة الشديدة والقوية. كما أن تطور الأحداث في فلسطين وفي لبنان تُـــسَــائِلُ، في العمق، الضمير العالمي. إذ لم يعد مقبولاً الحيادُ السلبي للمنتظم الدولي، وخاصة للدول دائمة العضوية، إزاء التقتيل الذي يتعرض له الشعبان الفلسطيني واللبناني. كما أنه ليس مُستساغاً طُغيانُ مقاربةٍ دولية، على العموم، تُــعَــادِلُ بين الضحية والجَلاَّد، وتتعاطى مع الوضع وكأنه ينطوي على تساوي المسؤوليات فيما يُرتكَــبُ من انتهاكاتٍ جسيمة على الأرض!
على هذا الأساس، وإلى جانب التعبير الصريح والواضح للمواقف الثابتة والمسؤولة لوطننا وشعبنا من القضية الفلسطينية من خلال التأكيد على عدم المساس بالالتزام الدائم والمستمر   بنصرة القضية الفلسطينية ذات المرتبة نفسها مع قضية الوحدة الترابية المغربية، تستوجب مواصلة جميع أنواع الضغوط الممكنة من أجل أن يحترمَ الكيان الإسرائيلي الشرعية الدولية وأن يتوقف عن عدوانه في حق الشعبين الفلسطيني واللبناني الشقيقين. وفي ظل استمرار هذا العدوان الصهيوني الغاشم لابد من التأكيد على أنه لا تستقيم أي علاقات سوية مع الكيان الإسرائيلي، وبالتالي القطع الصريح مع كل أشكال التعامل والتطبيع مع هذا الكيان، مع ضرورة الاستمرار في النضال والمضي قدما بالحفاظ على الأمل ومواصلة العمل دون كلل حتى نطوي نهائيا ملف القضية الفلسطينية، وينال الشعب الفلسطيني الشقيق كافة حقوقه العادلة والمشروعة بدءا بحق العودة ويحصل على استقلاله ويتمكن من استرجاع أراضيه المغتصبة وإقامة دولته فلسطين بعاصمتها القدس الشريف.
03ـ يتطلب استكمال بناء الدولة الوطنية القوية المزيد من الجهود من أجل الخروج النهائي من حالة الانحباس الحقوقي عبر الدفع بنفس حقوقي جديد وخلق حالة انفراج حقوقي سياسي عام وتوفير الأجواء الإيجابية الضرورية المساعدة على مواصلة البناء الديمقراطي المؤسساتي للدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة بدءا بالطي النهائي والشامل لملفات حقوق الإنسان ومواصلة إطلاق سراح كافة المعتقلين وإيقاف المتابعين في القضايا ذات الصلة وإلغاء قرارات العزل المتخذة في حق الموظفات والموظفين بسبب نشاطهم النقابي؛
كما أن احترام حرية العمل النقابي والسماح بحرية الاحتجاج والتجمهر السلمي شكلت دائما إحدى نقط القوة التي ميزت بلادنا بفعل ثقافة الاحتجاج الحضاري والمسؤول التي تم ترسيخها بشكل جماعي من خلال تراكم نضالات الشعب المغربي التواق إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ما يتطلب ضرورة المزيد من التفهم وضبط النفس من قبل القوات العمومية في التعامل مع المحتجين وتفادي أشكال التدخل العنيف التي لا تؤدي سوى إلى المزيد من الاحتقان وتعقيد الوضع. وهي مناسبة للتعبير عن الرفض والإدانة القوية للتدخلات العنيفة غير المسبوقة في حق الأساتذة الباحثين المشاركين في تعبيرات احتجاجية من أجل مطالب عادلة ومشروعة، والتضامن المطلق واللامشروط معهم جراء ما تعرضوا له.
والتعامل نفسه، للأسف، تم مع احتجاجات طلبة كليات الطب؛ في تدبير كارثي من قبل الحكومة لهذا الملف، إذ نهجت “سياسة الآذان الصماء والهروب إلى الأمام وخلق أجواء التوتر”، ولجأت لأساليب التهديد والوعيد والتعنيف والاعتقال عوض اعتماد الأساليب الحضارية عبر التواصل الهادئ والحوار ومحاولة إيجاد صيغ وحلول توافقية تنقذ السنة الجامعية وتأخذ بعين الاعتبار، وفي الوقت نفسه، المصلحة الوطنية العليا وحقوق الطالبات والطلبة المعنيين.
04ـ “إن الاستثمار في اقتصاد المعرفة والبحث العلمي، خلافًا للاعتقاد السائد، هو استثمار مُـــنتِـــج بامتياز. فهو لا يُــتيحُ للمواطنات والمواطنين فرص الازدهار وتطوير قدراتهم فحسب، بل إنه يتيح أيضًا للاقتصاد أن يكون أكثر تنافسية، بالنظر الى ما يُفضي إليه ذلك من تحسينٍ لإنتاجية العمل من خلال الجودة والابتكار والمهارة. فمن خلال كسب تحدي التكوين، سيرتقي اقتصادنا إلى مرتبة الاقتصادات الصاعدة والتنافسية، القادرة على الارتقاء في سلاسل القيمة، وجلب المزيد من القيمة المضافة، وكسب مكانةٍ أفضل على المستوى الدولي”. وهو ما يتطلب ضرورة الرفع من نسبة الناتج الداخلي الخام المخصص للبحث العلمي، وإعفاء التعويضات الخاصة به من الضريبة على الدخل، والاهتمام والعناية بالباحثين المغاربة وتحفيزهم وتثمين الخبرة والكفاءة الوطنية ومواجهة موجات هجرة الأدمغة، وتوفير الشروط الضرورية لتجويد أداء مختبرات البحث ومختلف مراكز ومؤسسات البحث العلمي.
05ـ إن النهوض بواقع التعليم العالي لن يتأتى إلا بمقاربة واضحة تقوم على الاستقلالية الفعالة والمسؤولة للجامعة، مع إرساء قواعد الحكامة الجيدة وفق معايير الجودة والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وترتكز على الأسس والقيم الديمقراطية. وتعزيــز مبـادئ الاستحقاق وقيم المساواة وتكافـؤ الفـرص فـي الفضـاء الــجامعي.
06ـ يتجسد الإصلاح الناجع للنظام البيداغوجي بالجامعة المغربية في اعتماد “إصلاح نوعي، يجسد تنويع وتوسيع العرض التكويني، بما ينسجم مع مِهن المستقبل، وتحديات السيادة في مختلف المجالات”. إصلاح تتبلور معالمه وفق مقاربة تشاركية حقيقية يساهم عبرها مختلف المتدخلين ويضطلع فيها الأساتذة الباحثون بالدور المحوري من خلال إطارهم النقابي العتيد ومختلف أجهزتهم التمثيلية المؤسساتية الأخرى، بعيدا عن كل أشكال التسرع والارتجالية والتهور والتخبط وسياسة الأمر الواقع والحسابات الحكومية أو الذاتية القائمة على رهانات حزبية وسياسية ضيقة.
07ـ إن القاعدة الأساس هي التعليم العالي العمومي والمجاني في إطار احترام الحق في الولوج لجميع المواطنات والمواطنين على قدم المساواة، ومعالجة ناجعة للتفاوتات المجالية التي تعترض تحقيق هذه الغاية. غير أنه، وبالنظر للتحديات المرتبطة بالتعليم العالي الخصوصي، يتعين اتخاذ المبادرة الوطنية الضرورية لتقييم هذا التوجه، وإجراء دراسة الأثر، والتحقق من مدى مراعاته للمصلحة الوطنية العليا، وذلك وفق آليات ومعايير صارمة في المراقبة، خاصة فيما يتعلق بالفضاءات والتجهيزات والوسائل والمحتوى والتوصيفات وهيأة التأطير البيداغوجي، والمصداقية العلمية والقيمة الإدارية للشهادات التي تسلمها المؤسسات الخصوصية.
08ـ إن تطور وقوة التعليم العالي ببلادنا رهين بمكانة الأستاذ الباحث ووضعه الاعتباري والاجتماعي، وذلك عبر الاهتمام بالأساتذة الباحثين، والعناية بأوضاعهم المادية والمهنية. ولن يستقيم ذلك إلا بتسوية عدد من الملفات والاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة من بينها على وجه الخصوص احتساب الأقدمية العامة في الوظيفة العمومية وجعلها على رأس الملف المطلبي واعتمادها كتوصية عليا للمؤتمر ملزمة لأجهزة النقابة المنبثقة عنه، والمعالجة النهائية لملف حاملي الدكتوراه الفرنسية وملف وضع رهن الإشارة وتعديل المادة 9 من النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين، وذلك على وجه الاستعجال قبل مباشرة تسوية ملفات الترقية في الدرجة والولوج إلى إطار أستاذ التعليم العالي. ويندرج كذلك ضمن المطالب الملحة والمستعجلة ضرورة الشروع في تسوية ملف المراكز الجهوية للتربية والتكوين، ومراجعة جدول الأرقام الاستدلالية، ومراجعة شروط اجتياز مباراة الولوج إلى إطار أستاذ التعليم العالي، وكذا شروط الترقي من درجة إلى أخرى، واحتساب سنتي التدريب عند إعادة ترتيب الأساتذة الباحثين، واحتساب سنوات اعتبارية لحملة دكتوراه الدولة، وضمان وحدة المسار لكل الأساتذة الباحثين العاملين بمؤسسات التعليم العالي.
09ـ لضمان نجاح ورش اصلاح التعليم العالي لابد من إيلاء كل العناية لتحسين فضاءات التعليم العالي والسهر على توفرها على الشروط والمعايير الأساسية للتحصيل العلمي، بما في ذلك الوسائل والعدة البيداغوجية التي تواكب متطلبات العصر المستجدة، والعناية والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية للطلبة من خلال توفير الشروط الأساسية المراعية لكرامة الإنسان بدءا بالمنح الجامعية والسكن الجامعي والمطاعم الجامعية، والنقل وغيرها، وهو ما يتطلب بذل ومضاعفة الجهود من أجل تحقيق ذلك في ظل تدهور القدرة الشرائية للأسر أمام الارتفاع المهول للأسعار ولكلفة المعيشة.
10ـ ينطلق إصلاح أنظمة التقاعد القائمة من مبدأ لا محيد عنه، ويتعلق الأمر بمبدأ التوسيع، وحتى يمكن أن يحقق النتائج المرجوة لابد أن يقوم على أساس التوحيد والتجانس، وذلك “باعتماد قطبين: قطب مخصص لكل القطاع العمومي، يجمع بين الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد؛ وقطب مخصص لكل القطاع الخصوصي متمحور حول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
كما أنه لا يمكن أن يقتصر إصلاح منظومة التقاعد على مجرد تعديل تقني ومعياري. بل ينبغي أن يكون إصلاحاً عميقاً يشمل جميع الجوانب، بدءً بالمراجعة العميقة للمعاشات التقاعدية الصغيرة، والتدبير الأفضل لصناديق التقاعد التي تُستثمر حاليًا بمعدلات منخفضة، ومراجعة الجبايات التي تخضع لها معاشات التقاعد”.
11ـ استثمار فرصة انعقاد المؤتمر الوطني الثاني عشر لتطوير وتجديد الهياكل التنظيمية للنقابة الوطنية للتعليم العالي وتجويد منظومتها القانونية في اتجاه ضمان وحدة واستقلالية إطارنا النقابي العتيد، والحرص على إعمال معايير الحكامة والقيم الديمقراطية واعتماد مبدا الاقتراع السري الحر الشفاف والنزيه في انتخاب الأجهزة، بما في ذلك عدم السماح بالعضوية في مختلف الأجهزة محليا وجهويا ووطنيا لأكثر من فترتين انتدابيتين متتاليتين. والسقوط التلقائي للعضوية في أجهزة النقابة فور الإحالة على التقاعد.

عاشت النقابة الوطنية للتعليم العالي نقابة حرة موحدة مستقلة
من أجل توحيد ودمقرطة وتجويد منظومة التعليم العالي
خدمة للتنمية الشاملة لبلادنا

Top