قمة العرب في الأردن

تنعقد اليوم في منطقة البحر الميت بالأردن القمة العربية الثامنة والعشرون، وذلك وسط توقعات إعلامية وديبلوماسية بنجاح عمان في إقناع الأغلبية الساحقة من القادة العرب بالحضور والمشاركة، ولكن من حيث مضمون القرارات المرتقب الإعلان عنها من غير المتوقع أن تخرج قمة الشونة عن “المعتاد”، وستكتفي بتكرار المواقف السياسية المعروفة ضمن معجم بيانات القمم الرسمية العربية.
ليس هذا ترويجا لتشاؤم غير موجود أو بلا مبرر واقعي، ولكنه إقرار بأن المطلوب اليوم، ومنذ عقود مضت، هو إحداث التغيير الجذري في كامل منظومة وعقلية وبنية العمل العربي المشترك، ومن ثم التفاعل مع ما يشهده عالم اليوم من تحولات، وما تتطلع إليه الشعوب العربية وتنادي به من آمال ومطالب في مختلف المجالات.
قمة الأردن، بالنسبة لنا هنا في المغرب، ستتميز بحضور جلالة الملك ومشاركته في مؤتمر القادة العرب، ومن المرتقب أن تلفت كلمة المملكة الانتباه من حيث تركيزها على أهم التحديات المطروحة على المنطقة.
حضور جلالة الملك في قمة الأردن يأتي عقب الزيارة الكبيرة التي قام بها منذ أيام العاهل الأردني الملك عبد الله إلى بلادنا، وهو يجسد أيضا متانة العلاقات الأخوية العريقة القائمة بين المملكتين.
وقمة الأردن كذلك هي، في نظر عديد مراقبين، تجسد اليوم دقة أوضاع المنطقة، ذلك أنها تقام في محيط النقاط الساخنة والمشتعلة، سواء في سوريا أو في العراق أو في اليمن، بالإضافة إلى أوضاع ليبيا، وهذه الجغرافيا المضمخة بالدماء والنيران ومآسي القتل والعنف، ترخي بتداعياتها الضاغطة على المملكة الأردنية الهاشمية، التي “اعتادت” ذلك منذ زمن النزوح الفلسطيني، وأيضا بسبب كل حروب العراق منذ عقود، ثم حاليا بسبب نتائج الحراكات العربية، وما نتج بالخصوص عن المأساة السورية…، وهذه المعاناة الأردنية لوحدها يمكن أن تمثل درسا يحث الدول العربية على البحث عن حلول لما تشهده المنطقة من مآسي واشتعالات، تتسرب آثارها وتداعياتها السلبية إلى بلدان مجاورة، وإلى كامل المنطقة.
القمة العربية، مع ذلك، هي مدعوة لتأمل واقع بلدان المنطقة وأوضاع شعوبها، واستحضار ما يعيشه عالم اليوم من تقلبات وصراعات وبحث عن الاصطفافات والمصالح، ومن ثم العمل بوعي وعقلانية وبعد نظر من أجل صياغة نظام عربي إقليمي جديد يتفاعل مع التحديات الدولية والانتظارات الداخلية، ويتقدم نحو تعاون استراتيجي وتنموي أكثر فاعلية ونجاعة، وينجح في بلورة عمل عربي وحدوي مشترك يؤسس لذاته موقعا فعليا في عالم اليوم، حيث تتقدم التكتلات الإقليمية والجهوية القوية، وحيث تعرف العلاقات الدولية المعاصرة بروز فاعلين جدد وقوى صاعدة، وتغير معادلات ووضعيات.
القمة العربية الثامنة والعشرون، وفضلا عن كل ما سلف، تتميز أولا  بكونها تقام في ضيافة المملكة الأردنية الهاشمية التي تلفها نقاط الاشتعال العربي من جهتي سوريا والعراق، علاوة على الوضع الفلسطيني وواقع لبنان، وأيضا اليمن الذي ليس بعيدا على كل حال، ثم هناك كذلك السياقات الإقليمية والدولية المحيطة بزمنية القمة، وما يعنيه ذلك من تحديات تطرح نفسها اليوم على دول المنطقة (مواجهة الإرهاب، التهديد الإيراني، الأزمات الاقتصادية، تبعات الحراكات العربية، تغير القيادات السياسية في أمريكا وأوروبا، استمرار التعنت الإسرائيلي…)، وكل هذا يفرض على العرب مهام وتغييرات في العقلية والأهداف والاستراتيجيات، علاوة على منظومات السياسات الداخلية وعلاقة الحكام بالشعوب والمجتمعات.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top