عين الرئيس التونسي قيس سعيد، الأحد المنصرم، أربعة وعشرين واليا جديدا لكل ولايات البلاد، تسعة منهم في ولايات كان المنصب فيها شاغرا، وخمسة عشر واليا بولايات أخرى، استعدادا لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في السادس من أكتوبر المقبل.
وتأتي التعيينات بعد أسابيع قليلة على تعديل حكومي واسع كرس توجه السلطة نحو تفعيل دور اجتماعي وتنموي ظل مفقودا لسنوات، وقبل نحو شهر على موعد الاستحقاق الانتخابي المرتقب.
وتقول أوساط سياسية، “وإن كانت لا توجد أبعاد سياسية كبيرة ترجى من هذه الخطوة في علاقة بالانتخابات المرتقبة، فإنها أكدت أن الرئيس سعيّد سعى لتدارك خطأ مرتكب في تعيين الولاة بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021، على أساس الولاء السياسي”.
وتضيف تلك الأوساط أنه بدا واضحا أن الرئيس التونسي تجاوز موعد السادس من أكتوبر وأيقن أن طبيعة المرحلة تقتضي اختيار ولاة على أساس الكفاءة والمردود لتنفيذ سياسات الدولة وتوجهاتها في المرحلة القادمة.
وأعلنت الرئاسة التونسية ليل الأحد – الاثنين في بيان عبر صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك أن “قيس سعيد قرر إجراء حركة في سلك الولاة”، بعد نحو أسبوعين على تعديل حكومي واسع، وقبل نحو شهر على الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر.
وتم تعيين 9 ولاة جدد في ولايات (محافظات) لم يكن فيها ولاة منذ أشهر، وهي العاصمة تونس وأريانة وباجة والكاف (شمال) والقيروان (وسط) والمنستير والمهدية وصفاقس (شرق) وقابس (جنوب).
كما شملت التعيينات الجديدة تغيير ولاة 15 ولاية تونسية أخرى (من إجمالي 24)، وفق البيان.
ولم توضح الرئاسة التونسية في بيانها أسباب التغيير الذي أجراه سعيد في مناصب أغلب الولايات.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة بأن “الرئيس سعيد بصدد التصرف وكأنه تجاوز لحظة السادس من أكتوبر، وهو يبني ما بعدها، وهذه خطوة غير مسبوقة لأنه غيّر كل الولاة دون استثناء”.
وقال: “هذه عملية جراحية كبيرة، أغلق بها الباب أمام الجدل المتواصل بشأن الولاة والمناصب الشاغرة، ويبدو أن هناك ثقة في ما بعد السادس من أكتوبر، وحتى الأسماء التي كانت موجودة تم استبعادها، وصراحة لا يمكن القول إن هؤلاء جاؤوا خدمة للانتخابات الرئاسية”.
وأكد مراد علاّلة أن “ما يحسب للرئيس أن هذا التعيين ليس لتحسين نتائج الانتخابات، لكنه يتصرّف وكأن كل الأمور محسومة”.
وبقيت كل من ولايات تونس منذ مارس 2023 والكاف منذ أكتوبر 2022، وصفاقس منذ يناير 2023، وباجة منذ غشت 2022 والقيروان منذ غشت 2023 وقابس منذ مارس 2023، دون وال.
وبقيت أيضا في ذات الوضع كل من المهدية والمنستير منذ مارس الماضي، وأريانة منذ يونيو الماضي، حيث أعفى الرئيس سعيّد كل ولاة الولايات التسع.
وبحسب المادة 106 من دستور الخامس والعشرين من يوليو 2022 “يسند رئيس الجمهورية باقتراح من رئيس الحكومة الوظائف العليا المدنية والعسكرية” بما فيها تعيين وإعفاء الولاة.
والخمسة عشر واليا الذين تم تعيينهم هم: وسام المرايدي واليا لبن عروس خلفا لعزالدين شلبي، ومحمود شعيب لمنّوبة خلفا لمحمد شيخ روحو، وتولت هناء شوشاني ولاية نابل (شمال شرق) خلفا لصباح ملاك، وسالم بن يعقوب لبنزرت خلفا لسمير عبداللاوي، وكريم البرنجي لزغوان خلفا لمحمد العش.
وفي ولايات الشمال الغربي، تولى هشام الحسومي جندوبة خلفا لسمير كوكة، وخالد الواعري لسليانة خلفا لوليد العباسي، بينما عُين سعيد فيصل بالسعودي لسيدي بوزيد خلفا لعبدالحليم حمدي، وزياد الطرابلسي للقصرين خلفا لرضا الركباني.
كما عُيّن سفيان التنفوري واليا على سوسة خلفا لنبيل الفرجاني، وسليم فروجة لقفصة خلفا لنادر الحمدوني.
وشمل التغيير في الولاة التونسيين أيضا كل ولايات الجنوب باستثناء صفاقس، حيث عُين شاهين الزريبي واليا لتوزر خلفا لأيمن البجاوي ومعز العبيدي لقبلي خلفا لمحمد الطيب خليفي، ووليد الطبوبي لمدنين خلفا لسعيد بن زايد، وأمير القابسي لتطاوين خلفا لحافظ الفيتوري.
وأكد الناشط السياسي حاتم المليكي أن “الأوضاع كانت صعبة في عدد من الولايات التي تعاني شغورا وأبرزها تونس وصفاقس وقابس والكاف، وأعتقد أن الرئيس تدارك هذا الخطأ الآن وأيقن أنه لا يمكن أن تدار أمور الجهات دون ولاة”.
وفي سؤاله حول علاقة هذا التعيين بموعد الانتخابات الرئاسية، قال المليكي “من المؤكد أن هناك إشارات سياسية قبل الانتخابات، لأن غياب الولاة أثّر بشكل سلبي على سير العمل، والاختيارات على أساس الولاء كانت مفيدة في فترة ما، لكن سرعان ما ظهرت سلبياتها”.
وفي الخامس والعشرين من غشت الماضي، أجرى سعيّد تعديلا موسّعا على الحكومة شمل 19 وزيرا و3 كتّاب دولة، استثنى منه 5 وزارات هي: الداخلية والعدل والصناعة والمالية والتجهيز.
وجاء التعديل الحكومي الشامل قبل انتخابات رئاسية مقررة في السادس من أكتوبر المقبل، ويخوضها 3 مرشحين بينهم سعيّد.
وفي الثامن من غشت الماضي أعلن سعيّد تكليف وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري برئاسة الحكومة خلفا لأحمد الحشاني، الذي عينه رئيسا للحكومة في الأول من أغسطس 2023، بعد إنهاء مهام رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن.
وفرض سعيّد إجراءات استثنائية في الخامس والعشرين من يوليوز 2021، شملت حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.