كورونا والجماعات المسـلحة يهددان أمن إفريقيا

قال رشيد الحديكي، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إن المركز أصدر منذ مارس الماضي، أكثر من 2000 منشور ذي صلة بجائحة كوفيد-19، مشيرا إلى أن فيروس كورونا أحدث تحولات كبيرة على مستوى الأمن البشري، داعيا إلى إقرار أمن إفريقي مستدام مع مراعاة الخصائص الوطنية والإقليمية والقارية.
من جهته، كشف يوناس أداي أديتو، مدير معهد دراسات السلام والأمن بإثيوبيا، خلال الندوة التي تطرقت إلى “قطاع الأمن في إفريقيا إبان وبعد الأزمة الصحية لجائحة كوفيد-19″، (كشف) أن حكومة بلاده لم تختر مسار الحجر الصحي، مشيرا إلى أنها عملت على نهج المقاربة الاجتماعية في مواجهة الفيروس، استنادا إلى تشجيع النظام التقليدي المبني على التضامن المجتمعي الذي يتجلى في تقاسم الطعام بين الجيران.
وأبرز يوناس أداي أديتو، أن الحكومة أقرت هذه المقاربة من خلال تشجيع مبادرات المجتمع المدني، من أجل التضامن فيما بينهم لاسيما وأن الشعب الإثيوبي يدبر قوته بشكل يومي، وهو ما أعطى نتائج إيجابية بحسبه.
وبخصوص الوضع السياسي بإثيوبيا خلال فترة الجائحة، أفاد أداي أديتو أن الجانب السياسي تميز بطابع خاص، ملمحا إلى إمكانية إعادة جدولة الانتخابات بالبلاد، وهو ما من شأنه أن يخلق توترات بين الحكومات الوطنية والجهوية.

الأمن الصحي

من جانبه، أفاد جيوفاني فالج، المسؤول عن التحليل والبحث في إفريقيا جنوب الصحراء بالمعهد الأوروبي للدراسات الأمنية، أن طبيعة التهديد تغيرت بالعالم ككل بفعل وباء كورونا الذي لا زال ينتشر كل يوم، وهو ما يمثل نقطة تحول في الأمن الدولي.
وأوضح جيوفاني فالج، أنه مع هذه الجائحة تم تجاوز المفاهيم التقليدية للأمن العسكري أو القومي، وباتت الأزمة الصحية تشكل تهديدا أمنيا جوهريا للجنس البشري، لاسيما وأن الوباء رافقته أيضا السياسات المتطرفة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك إفريقيا، خصوصا بمنطقة الساحل وبحيرة تشاد وموزمبيق، بالرغم من النداءات المتكررة للأمم المتحدة الداعية إلى وقف إطلاق النار عبر العالم.
وذكر فالج أن التداعيات الاقتصادية لكورونا أفضت إلى مزيد من الضغط على بعض الدول، وذلك إلى جانب تقلص الميزانيات الخاصة بالأمن وحظر السفر وتراجع المساعدات الدولية، محذرا من أن تؤدي قضايا الأمن الغذائي والسكان النازحين إلى مفاقمة عدم الاستقرار الاجتماعي، سواء في المناطق الحضرية أو على طول الحدود.
وأبرز المسؤول عن التحليل والبحث في إفريقيا جنوب الصحراء بالمعهد الأوروبي للدراسات الأمنية، أن إجراءات الحجر الصحي وما رافقها من اضطرابات اجتماعية أدت إلى الضغط على السلطات الحكومية التي استعملت العنف في بعض الدول، مما قلص من ديمقراطيتها التي كانت ضعيفة من قبل، مقدما مثال استعمال الشرطة لأسلوب المواجهة في احتواء الحركات الاجتماعية بكل من باماكو وأبيدجان وواجادوجو.
ونتيجة هذا الوضع خلص المتحدث ذاته إلى أن الثقة بين السكان والسلطات غابت بفعل الممارسات القمعية من قبل قوات الأمن، وذلك إلى جانب مساهمة جائحة كوفيد-19 في مفاقمة حالات الهشاشة الموجودة سلفا.
وتساءل في الأخير عن الآفاق المستقبلية لإفريقيا ما بعد كورونا؟، مشددا على دور ومكانة الشباب الإفريقي، الذي يمثل 70٪ من الساكنة، والذي يمكن أن يلعب دور حاجز ضد آثار جائحة كوفيد-19، داعيا أيضا إلى الاستثمار في منظومة الصحة والتعليم اللذان يعتبران أمرا مهما في تحقيق الأمن والسلام.

استمرار القتال

وفي سياق متصل، ذكر سعيد عباس أحمد، مديرThinking Africa ، أن أزمة جائحة كوفيد-19 كان لها بالفعل تأثير قوي على الدول الضعيفة، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقال سعيد عباس أحمد إن جائحة كوفيد-19 أدت إلى انخفاض الميزانية الضرورية لمواصلة مشاريع الإصلاحات الأمنية الجارية، منذ أوائل عام 2000 في منطقة البحيرات العظمى، وينضاف إلى هذا، تراجع الجهات المانحة في تقديم الدعم، مما أثر سلبا على الإصلاح الأمني ​​بشكل عام، والذي مس الادارة والقضاء كذلك، بالإضافة إلى الجيش والشرطة، وهي القطاعات التي يتوقف عليها حل النزاعات المتكررة التي تحدث في المنطقة.
وقدم عباس أحمد نموذج جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي لا زال بها القتال مستمرا كل يوم في منطقة مالييما جراء بزوغ حركات التمرد بشكل تصاعدي، وبسبب هذه الأوضاع، سيتعين على هذا البلد أن يعتمد على أمواله الخاصة لتنفيذ برنامجه ومواصلة مشاريعه الإصلاحية، على حد تعبيره.
وأشار مديرThinking Africa إلى أنه لا تزال هناك حاجة لفتح الباب أمام حوار واسع النطاق حول السلام، يشمل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك ميليشيا “ماي ماي” في جمهورية الكونغو الديمقراطية على سبيل المثال، مبينا إلى أنه بفضل الرجوع إلى اتخاذ القرار على المستوى الوطني يمكن ضمان نجاح مجهودات أكثر استدامة من أجل السلام.

إدارة الأزمة

وشهدت الندوة الالكترونية، مساهمة خالد الشكراوي، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، الذي أكد أن الأوضاع لا تزال مختلفة للغاية بعضها عن بعض في إفريقيا، مما يدل على ضعف عام للدولة، وغياب سياسات فعالة لمواجهة الآثار السلبية على الاستقرار.
وأفاد خالد الشكراوي أن أزمة جائحة كوفيد-19 كشفت أن مهمة الأمن لا زالت أكثر صعوبة في إفريقيا، مع وجود تفاوتات كبيرة بين البلدان، بالنظر إلى درجة احتدام الصراع وقضايا الحكامة التي سبقت الوباء، مشيرا إلى أن تطور الوباء هو شأن يرتبط بخصوصيات كل بلد، ويجب البحث في مسألة التشابه بين دول شمال وجنوب القارة الإفريقية.
وقال الشكراوي، إن العديد من البلدان لم تعد تنشر البيانات الخاصة بجائحة كوفيد-19 في إفريقيا، علاوة على أن النظم والاستراتيجيات الصحية غير متجانسة، فضلا عن مظاهر المرض، وهي مسألة يصعب التعليق عليها في غياب البحث، حيث لا يوجد نقاش في إفريقيا حول الانتشار والطفرات المحتملة للفيروس، على حد وصفه.
وأفاد الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد أن إدارة الأزمة تظل معقدة للغاية بالنسبة للدول، ولكن هذه المأساة الإنسانية هي أيضا فرصة للدول لحماية السكان بدلا من فرض القوة، وفرصة للتصالح والتفاعل مع السكان، من خلال المؤسسات الاجتماعية والثقافية، والإقناع بفاعلية وشرعية الإجراءات المتخذة.
ونبه المتحدث إلى أن الاستراتيجيات الأمنية ما تزال تفتقر إلى البعد الإقليمي والقاري، من أجل استشراف تطور الأزمة الصحية في المستقبل والاستجابات اللازمة، مقدما مثال انتظار دول ضعيفة لدول قوية إنتاج اللقاح ضد كوفيد-19، حيث ستقدم الحكومات على ابرام اتفاقيات مع دول بعينها، بدل شرائه بسعر أرخص من الصين أو روسيا.

انسداد الأفق

قالت آفوا بواطيما ياكوهيني، الباحثة في مركز ليجون للشؤون الدولية والدبلوماسية بغانا، إن “الخارجين عن نطاق الدولة” في إشارة إلى مجموعات الإرهابيين المتطرفين وعصابات الجريمة المنظمة.. تستغل غياب البنيات التحتية وعدم امتثال الدولة لتقديم الخدمات الأساسية، من أجل سلوك طريق العنف كوسيلة لتسوية المشاكل المرتبطة بانعدام الأمن، والتهميش، وصعوبة الولوج إلى المدارس، فضلا عن الفقر المدقع، وغياب الدعم للقطاع الخاص، وانسداد الأفق بالنسبة للشباب، هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسبة العطالة.
وأكدت آفوا بواطيما ياكوهيني خلال جلسة “خوصصة العنف في إفريقيا: المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة، والأمن الخاص”، أن هذا الوضع يفضي في الأخير إلى استهداف بعض المجموعات للمناطق الغنية داخل بلدانهم، كما هو الشأن بالنسبة للمجموعات الإسلامية التي تقاتل لتأسيس دولها المستقلة، كما هو الحال بمنطقة “كابو ديلغادو” بغانا.
وكشفت بواطيما ياكوهيني أن اللجوء إلى العنف ينتشر أيضا وسط الأحزاب المعارضة التي تستأجر “فتيان الأحزاب party boys ” ليقاتلوا بالنيابة عن الكوادر الحزبية، مرجعة سبب ذلك إلى عدم ثقة هذه الأحزاب في القوات النظامية للأمن.
وذكرت الباحثة في مركز ليجون للشؤون الدولية والدبلوماسية بغانا أن السياق الاجتماعي الراهن قد أفضى إلى نشوء منصة لتجنيد الشباب، وازدياد التعاطف من قبل الساكنة مع الجماعات الإرهابية خصوصا ما بعد فترة جائحة كورونا.

تنامي التطرف

من جهته، ذكر رضى لياموري، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن منطقة الساحل عرفت سنة 2019 أثقل حصيلة من العنف والموت، وبأنها ما زالت تمر في سنة 2020 من منعطف لا يختلف كثيرا عما واجهته السنة الماضية، ويكمن السبب وراء المنحى التصاعدي للعنف في الصراع المتعدد الأبعاد والذي يشمل العديد من الفاعلين.
وأرجع رضى لياموري عامل عدم الاستقرار في منطقة الساحل إلى المجموعات الجهادية المنتسبة لتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، والحاضرة في مالي، والنيجر، وبوركينفاسو، مع تكتل لهذين التنظيمين على  منطقة “ليبتاكو غورما LiptakoGourma” الحدودية، ولقد امتد العنف الذي بدأ في مالي سنة 2012، إلى مناطق أُخرى مثل ساحل العاج، وشمال البنين، وشمال غرب نيجيريا.
وإلى جانب عامل الجماعات المسلحة، أشار لياموري إلى عامل آخر وهو تزايد عدد القتلى والمفقودين، بسبب الجيوش الإقليمية والوطنية والمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، المتهمة بارتكابها لعمليات قتل خارج نطاق القانون، فضلا عن عملية “برخان” الفرنسة التي تقوم بها القوات الفرنسية الخاصة، وهناك كذلك مجموعات الدفاع الذات التي تنشط في كل من مالي وبوركينا فاسو، حيث يتم تسليح المدنيين من طرف الدولة، بهدف توفير الأمن شمال البلاد.
واعتبر الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن ذلك يمثل خطرا على المنطقة، لأن بعض المجموعات مكونة على أساس عرقي وتحمل في طياتها أجندات تتجاوز مجرد الدفاع عن الجماعات التي تمثِّلها، ويتجلى ذلك في نزوع تلك المجموعات للقيام بعمليات انتقامية، أو في إظهار اهتمامها بالولوج إلى بعض المصالح الاقتصادية.
ويرى المتحدث ذاته، أنه لحل هذه المشاكل المرتبطة بالعنف والتطرف، يجب إنشاء مناخ سياسي واجتماعي مواتي، وذلك بدعم من المؤسسات المحلية مع توفير الإمكانيات والقدرات على رصد وتحليل المعلومات، مشددا على أنه يمكن للشركاء الوطنيين والدوليين التركيز على عمليات تهميش الأفراد، أو على الشبكات الإجرامية التي تساهم في زعزعة الاستقرار بالمنطقة.

تجارة العنف

ووفق مداخلة دانكن إ. أوموندي غومبا، الباحث بمركز الدراسات الأمنية بساحل العاج، فإن إفريقيا تعاني من وجود أشخاص فاسدين داخل بعض الحكومات، موضحا أنهم متورطين في بعض الأنشطة المشبوهة التي تديرها الشبكات المحلية أو الخارجية لعصابات المافيا.
وأكد دانكن إ. أوموندي غومبا أن التأثير سلبي لعصابات الجريمة المنظَّمة في دول مثل جنوب إفريقيا، والصومال، ونيجيريا، ومالي، مشيرا إلى أنه إلى جانب التعاون مع المؤسسات التابعة للدولة، يلمس نوع من التنافس القائم بين الهيئات الحكومية وبعض الجهات التي ترى في نفسها هيئات أكثر فعالية في تقديم الخدمات للسكان.
وأبرز أوموندي غومبا أنه نتيجة هذا الوضع توجد بعض مظاهر الاستغلال الاقتصادي المنظَّم من طرف بعض الجهات، حيث يمثل ذلك ظاهرة مألوفة في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بينما يوجد في نيجيريا تنظيم المشاريع بشكل إجرامي على مستوى كل ولاية من الولايات المكونة للاتحاد الفيدرالي.
وقال الباحث بمركز الدراسات الأمنية بساحل العاج إنه من المألوف رصد مظاهر الفساد والزبونية في دول مثل مالي والصومال، كما أن بعض الفاعلين الأساسيين في تجارة العنف قد أصبحوا من الفاعلين الرئيسيين للعنف “التابع للقطاع الخاص” حيث امتدت أنشطتهم لتجعل منهم مقاولين سياسيين في دول مثل التشاد، والموزمبيق، وأوغندة، وجنوب إفريقيا، وكينيا. ويستنتج المتحدث عينه، أن مع استمرار وجود مثل هذه المجموعات في الدول السالفة الذكر يزداد الوضع قتامة، بفعل اختلال العمل داخل دواليب الدولة، بل إفلاسها.
وبحسب المصطفى الرزرازي، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، فإن تزايد العنف في إفريقيا يرجع إلى فرضتين، الأولى تقول إنه لا يوجد أي أثرٍ لـ “كوفيد 19” على العنف المتواصل، حيث يزداد هذا الأخير بوثيرة تناهز 170 هجمة شهريا، أما الفرضية الثانية فتتحدث عن أن المجموعة الإرهابية قد استغلت استشراء الوباء لإعادة تنظيم استراتيجيتها وتموقعها.
وأشار المصطفى الرزرازي إلى أنه تم إرسال بعض الرسائل التحذيرية في وسائل الإعلام العنيفة والمتطرفة، والتي يجب تتبعها ورصدها، علما بأن المجموعات المشار إليها تتابع عن كتب التحليلات التي يتم إنجازها عنها، وهذه الرسائل تظهر إذا ما كانت تلك المجموعات ما زالت تمثل خطرا أم لا، وإذا ما كان ذلك سيفضي للاعتقالات، على حد تعبيره.

الأزمة الليبية

قال محمد صلاح النظيف رئيس بعثة الأمم المتحدة في مالي ووزير خارجية تشاد السابق، إن الأزمة تفاقمت في مالي بعد أزمة 2011 في ليبيا، مؤكدا أنه حين قرر حلف الشمال الأطلسي التدخل واغتيال العقيد القذافي، عارض الاتحاد الإفريقي ذلك، ولكن أحدا لم ينصت إليه.
وأشار محمد صلاح النظيف خلال ورشة “مؤشر الأمن البشري الإفريقي ومؤشر السلام العالمي”، أن الساحل تحول إلى ترسانة سلاح تحت السماء العارية، حيث يتداول هناك نحو 60 مليون سلاح صغير، موضحا أن 80 في المائة من الأزمة في مالي ترجع إلى وجود أفراد مسلحين غادروا ليبيا أثناء تدخل حلف الشمال الأطلسي.
وأوضح النظيف أنه كان هناك اتفاق للسماح لكل هؤلاء الناس (الفيلق الإفريقي من الجيش الليبي، مذكرة المحرر) بالتدفق إلى منطقة الساحل والنيجر ومالي، مشددا على أنه حينما كان مسؤولا في تشاد، تم إغلاق الحدود في وجه 3 ملايين تشادي كانوا يعيشون في ليبيا، وهو ما أدى بالتشاد إلى النجاة من التهديدات الإرهابية، بيد أن دولة مالي عرفت تدفق موجة الآلاف من المقاتلين المسلحين، والإرهابيين الذين شاركوا في هذه الحرب، والتي ما زالت مستمرة.
وبحسب رئيس بعثة الأمم المتحدة في مالي فإنه إذا لم ينظر إلى مصدر الصراعات في إفريقيا، فإن هذه التدخلات لن تتوقف، ومن ثم لن يكون سلام.
وبخصوص دولة البنين أبرز المتحدث ذاته، أنها البلد الإفريقي الذي عرف تراجعا كبيرا في مؤشر السلام العالمي، وهي التي اعتادت أن تكون “الحي اللاتيني” لإفريقيا وأكثر البلدان تشبثا بالسلم، في تصنيف مؤشر السلام العالمي.
وأرجع سبب هذا التراجع إلى أن الإصلاحات التي اتخذت لم تكن شاملة، واتسمت باستبعاد العديد من الجهات الفاعلة من المشهد السياسي، موضحا أن الصراعات تنشأ عندما تكون هناك قطيعة في توافق الآراء داخل البلدان حول تقاسم الثروة وقواعد اللعبة السياسية، مع انتخابات مزورة أو مرشحين مستبعدين في كوت ديفوار وغينيا وبوركينا فاسو وغانا والنيجر، حيث من المحتمل أن تؤدي الانتخابات القادمة إلى صراعات جديدة، على اعتبار قواعد لعبة الديمقراطية لا تحترم.
وخلص إلى أنه إذا كانت الغاية من الانتخابات مبدئيا حل المشاكل، فإنه في إفريقيا تجرى الانتخابات لخلق المشاكل لأنه لا يتم تطبيق قواعد اللعبة بشكل جيد.

مؤشرات مقلقة

من جهته، قدم سيرج ستروبنتس، مدير أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الاقتصاد والسلام ببروكسل، المؤشر العالمي للسلام الذي نشرته منظمته، والذي قدم الخطوط العريضة لنتائج عام 2019.
وأشار سيرج ستروبنتس إلى أن السلام العالمي تراجع بنسبة 0.34% كما جاء في التقرير، وهو الانخفاض التاسع منذ عام 2008، بيد أنه وفق التقرير اتخفض تأثير الإرهاب بنسبة 75% في عام 2019.
وفسر ستروبنتس سبب انخفاض السلم بزيادة عدد المشردين بسبب الصراع، فضلا عن حدة الصراعات الداخلية، موضحا أن أيسلندا أتت في المرتبة الأولى بين أكثر الدول سلما قبل نيوزيلندا والدول الأوروبية مثل البرتغال والنمسا والدنمرك، في حين تحتل أفغانستان آخر مرتبة بين المجموعة الأولى، لتتجاوز العراق من حيث مؤشر الإرهاب العالمي، وتظل أوروبا المنطقة الأكثر سلاما في العالم، ولكنها ليست محصنة ضد عدم الاستقرار السياسي والتغيرات السلبية.
وبخصوص القارة الإفريقية، أفاد مدير أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الاقتصاد والسلام، أن البنين عرفت أكبر تراجع في السلم، بفعل بروز جهات فاعلة غير تابعة لدولة بعينها في الصراع.
وذكر أنه خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2019، ارتفعت الاضطرابات الاجتماعية، والتي تقاس بأعمال الشغب والإضرابات العامة والمظاهرات، بنسبة 244% في مختلف أنحاء العالم، وأكثر من 600% في إفريقيا، مع تحول الاضطرابات غالبا إلى العنف.
وشدد بأن التكلفة العالمية المترتبة عن العنف، والتي يحددها نهج إحصائي، تبلغ 5.14 تريليون دولار، أي 10.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، أو 1909 دولار للشخص الواحد، مبينا أنه مكنت دراسة أجريت في 18 دولة وفي إفريقيا من تقييم تكاليف العنف، الذي تستخلص إدارته ما بين 30% إلى 40% من ميزانيات الدول.

تواصل الصراع

وفي السياق ذاته، قالت راما ياد الباحثة بالمجلس الأطلسي، إن السلام أصبح موضوعا “باهتا” في الدبلوماسية التي تركز بشكل أكبر على تعزيز الاستثمار، والرقمنة، والمناخ، والتنوع الثقافي، موضحة أنه “نادرا ما تركز على السلام، وكأننا وصلنا إلى نهاية التاريخ “بينما عصبة الأمم، التي هي أحد المبادئ المؤسسة لحداثتنا، كانت تسعى إلى توطيد العلاقات بين الدول بعد الحربين العالميتين.
وأبرزت راما ياد أن الصراعات الدامية لا زالت متواصلة ــ في منطقة الساحل، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو ونيجيريا، حيث يترتب عن بعضها تشرد أعداد كبيرة من السكان، مثل الكاميرون الناطقة بالإنكليزية (000 530 شخص) وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا.
وذكرت أن هذه الحرب لم تنته في العالم لمجرد أن أوروبا وأميركا لم تعد في حالة حرب، بل نجد أن الصراعات الحالية ترتبط ارتباطا مباشرا بأزمة التعددية وقد كانت هذه الأخيرة محرفة منذ البداية، ففي قلب الأمم المتحدة يوجد مجلس أمن تجلس فيه بعض الدول دون دول أخرى.
إلى جانب ذلك، قال عبد الحق باسو، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد “إن المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي والمجتمعات الإقليمية تعالج الأعراض أكثر مما تعالج الأمراض”.
وأكد عبد الحق باسو، أنه في مالي، الدولة التي تعرف الانقلاب الرابع ــ ولربما ليس الأخيرــ يجب العودة إلى جذور المشاكل، بما في ذلك الفساد، منبها إلى أن إفريقيا أصبحت تواجه تهديد “ثلاثية الولاية”، من خلال تعديل الدستور، وإصدار جمهوريات جديدة لإعادة ضبط السجل الانتخابي، وكل هذا يطرح مشكلة الحكامة والتناوب على رأس الدول الإفريقية بحسب مداخلته في الندوة الإلكترونية.
وأخيرا ختم رشيد الحديكي الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد محادثات المؤتمر الافريقي السنوي للسلام والأمن (APSACO)، بالقول: “إن أزمة كوفيد -19 يمكن أن تكون حافزا لمزيد من الأمن الإنساني في إفريقيا”، مؤكدا أن النقاشات والتأملات الاستشرافية مثل تلك التي أجرتها محادثات مجلس “أبساكو” تكتسي ضرورة قصوى.

< يوسف الخيدر

Related posts

Top