مآسي إنسانية بدواوير الحوز وحاجة للمواكبة والدعم وفك العزلة

بلكنة أمازيغية حزينة يحكي “ضاع كل شيء كما ترون، الزلزال دمر بيوتنا ونحن ما زلنا نعاني لمدة ثلاثة أيام”، هكذا افتتح محمد بلحاج أحد الناجين من زلزال الجمعة الماضي بدوار “آيت عثمان” شمال أمزميز حديثه مع بيان اليوم.

جملة تلخص المعاناة الكبيرة التي يعيشها مئات المواطنات والمواطنين بدواوير مختلفة من إقليم الحوز وشيشاوة وتارودانت وورزازات.

قبل لقاء محمد بلحاج حلت بيان اليوم صباح الاثنين بشيشاوة وعاينت وصول الإمدادات من قبل جمعيات المجتمع المدني من مدن مختلفة والتي تحاول السلطة تنظيمها، وتيسير عملية السير على مستوى الطرق تفاديا للازدحام وتجدد إغلاق الطرق أمام سيارات الإسعاف.

من شيشاوة انطلقنا نحو جماعة مجاط ثم نحو أمزميز نواحي إقليم الحوز بحوالي 50 كيلومتر، ثم أزيد من 70 كيلومتر شمالا نحو جماعة أزكول.

عند المرور من مختلف هذه النقاط يستشعر المار من هناك أوجه التشابه في الدمار والمنازل المهدمة وخيم تقليدية أو عشوائية متفرقة في فضاءات مفتوحة مجانبة للطريق الرئيسي وبعيدة عن الركام والبيوت المهددة بالانهيار.

مع الوصول إلى أزكور يلاحظ مرور قوافل مساعدات قادمة من مدن مختلفة توزع الإعانات على السكان، سارع صاحب دراجة نارية لإخبار إحدى الجمعيات التي رافقناها بأن داور يسمى آيت عثمان شمال الجماعة المذكورة ما تزال ساكنته تعاني بدون مساعدات لليوم الثالث على التوالي منذ الفاجعة.

انطلقت القافلة بحوالي 16 كيلومتر في طريق ما تزال السلطات العمومية تقوم بإزاحة الحجارة عن ناصيته لفتح المجال لمرور العربات وقوافل الإعانة.

بعد 16 كيلومترا، انتقلنا إلى طريق غير معبدة وسط الجبال والمنعرجات الخطرة مع آثار دمار هائلة بجنبات الطريق تخبر المارين من هناك عما جرى ليلة الجمعة، أحجار متساقطة وأشجار الغابة انجرفت هي الأخرى نحو الهاوية.

بعد هذه الكيلومترات يتراءى أمام بصرنا دواران، الأول في أعلى الجبل والآخر متاخم على أطرافه نحو سافلة وادي المال. الأول دوزرو والثاني آيت عثمان.

كان المشهد مؤلما، على بعد كيلومتر يُلحظ ما تبقى من البنايات المدمرة والأنقاض، كانت السلطات وفرق الإنقاذ ما تزال في دوار دوزرو تبحث عن ناجين من الكارثة وتسارع الزمن لانتشال أحياء محتملين تحت الأنقاض.

ساكنة دوار آيت عثمان بجبال إقليم الحوز تروي لبيان اليوم تفاصيل ليلة الفاجعة

في الدوار الثاني غير البعيد عن الأول لم تكن السلطات قد وصلت إلى هناك، كان الجميع يتلهف للحديث مع القافلة القادمة نحوهم.

استقبلنا مجموعة من رجال القرية وعيونهم شاغرة وواقعهم يغني عن السؤال عن الأوضاع وعما عاشوه في تلك الليلة العصيبة.

وقبل السؤال، يلخص أحدهم وضع الدوار، “ضاع كل شيء كما ترون، الزلزال دمر بيوتنا ونحن ما زلنا نعاني لمدة ثلاثة أيام وقلت حليتنا لإيجاد حل أولي لوضعيتنا”.

يتابع المتحدث واسمه محمد بلحاج “الناس مقصحة بزاف ومضرورة”، وبلكنة أمازيغية يقاطعه إبراهيم “انظروا لحال بيوتنا، انهارت كلها وبقينا بلا مأوى” خاتما حديثه “الحمد لله على كل حال”.

يعود محمد بلحاج للحديث مع “بيان اليوم” انتشلنا أزيد من 22 جثة من تحت الأنقاض تلك الليلة وإلى حدود عصر اليوم الموالي (يوم السبت)، كنا قد انتشلنا فلذات أكبادنا من تحت الركام وأقمنا عليهم صلاة الجنازة ودفناهم في قبر جماعي.

شخصيا -يقول محمد- بعد وقوع الزلزال هرعت لأتفقد طفلاي، ابنتي ذات 22 ربيعا وابني 11 سنة.

أزلت الأنقاض، ووجدت أولا ابني ذو 11 سنة ميتا رحمه الله، ثم عدت للبحث عن ابنتي وجدتها تنازع الروح وتحتضر، حملتها من تحت الأنقاض وقبل أن أضعها في منطقة آمنة كانت قد أسلمت الروح لبارئها.

بقيت حيا أنا وزوجتي وفقدنا فلذات كبدينا في هذه الفاجعة، ولست وحدي فكل بيت في آيت عثمان فقد عزيزا.

كان لي جار في عامه التسعين هرعت لمساعدته مع رجال القرية ممن نجوا لكننا وجدناه جثة هامدة تحت ركام بيته، يحكي محمد.

وقبل أن يواصل حديثه عن الأوضاع المأساوية بالدوار تنهار الدموع من عينيه، ويتذكر بحزن عميق، خيم على الجميع في تلك اللحظة، طفلاه وينعيمها بلهجته الأمازيغية “اه يا طفلاي ويمسح الدموع” ويتوقف عن الحديث خالدا لحزنه وألمه المر.

لحسن: فقدت ابنا عزيزا كان قد اقترب أن يكمل عامه الرابع

يقول لحسن بويجيج حين ضرب الزلزال كنت بعيدا عن المنطقة، وبعد الكارثة التحقت فورا، كان المشهد مؤلما طول الطريق وكل دوار أمر به أرى حجم الدمار وأسمع الأنين والنحيب، كان تفكيري منشغلا بزوجتي وأبنائي الثلاثة، حين وصلت كان رجال القرية وأبناء عشيرتي قد أنقذوا زوجتي وطفلاي (10 سنوات 8 سنوات)، فيما صدمت حين رأيت جثة ابني الصغير ذو ثلاث سنوات، كان قريبا من إتمام عامه الرابع.

لا أخفيكم، يقول لحسن، لبيان اليوم، حزنت كثيرا كان ابني الأصغر وكنت أعزه كثيرا، توقف هو الآخر يغالب دموعه.

غير بعيد عن مجمعنا، كانت النسوة يعزين امرأة في عقدها الخامس، أخبرنا أحد شباب القرية: هذه المرأة توفي زوجها واثنان من أبنا ها، فيما نجا ابنها الثالث ذو الأربعة عشر من عمره لكنه تعرض لكسور وآثار الجروح بادية عليه، أصيب في رأسه وعلى مستوى ظهره، وبحكم العزلة لم يتم إسعافه إلى حدود اليوم الثالث.

  دوار دوزرو الذي دمر بالكامل نتيجة الزلزال.. فرق الإنقاذ ما تزال تعمل على انتشال الضحايا

يخبرنا الشاب أن أمه تنتظر منذ السبت وصول قافلة طبية أو ممرضين للدوار من أجل معالجته، فهو الابن الوحيد الذي تبقى لها من الأسرة التي قضى جزء كبير منها نحبه تحت ركام البيت.

حكايات كثيرة وقصص إنسانية عديدة رواها السكان تبكي العيون وتدمي القلوب مهما بلغت قسوتها، حكايات ترسم تفاصيل الكارثة التي وصل مداها بلادا بأكملها.

وسط الحكي وصمت الجبال لا يُسمع إلا صوت مروحيات الجيش والدرك التي تنقل المصابين من دواوير معزولة نحو المستشفيات التي تم تخصيصها للمنكوبين والناجين من الكارثة.

كانت سماء الدوار صحوة وواقعه مضبب، لا تعرف ساكنته أفق هذه الكارثة التي ما زالت تسيطر عليهم.

وسط ذاك الفضاء الجبلي المستوي في القمة التي تعلو سطح البحر بأزيد من 2000 متر، كان الجميع يسمع صوت الجرافات وهي تفتح بعض المسالك ومعاول فرق الإنقاذ ونحيب النسوة بالدوار القريب “دوزرو”.

لحظة الكارثة.. وميض يضرب الجبل وصوت أنين تحت الأرض

إبراهيم الذي استرسل هو الآخر حكيه لبيان اليوم حول آثار الزلزال على بيته وعلى أسرته التي فقد جزءا منها، قال إنه كان بجانب البيت لحظة الكارثة، حيث شاهد هو وبعض رجال الدوار الذين كان يتسامر معهم، وميضا أحمر كشرارة نار تضرب أعلى الجبل المقابل لسفح الوادي ويلوح لنا بيده ليدل على المكان الذي يبدو منجرفا كأنه تعرض لصاعقة ما.

يضيف إبراهيم سمعنا صوتا غريبا مر بين الجبال التي تحيط بالدواوير، ومضى صوت كالأنين بين سفوح الجبال وعلى امتداد الوادي لثوان معدودة قبل أن ترتج الأرض بقوة بالغة لم نشعر بشيء بعدها ولم نشاهد بعد دقائق من ذلك سوى ركام بيوتنا كأننا في حلم ونحتاج للاستيقاظ منه.

هول الفاجعة جعلنا نبحث تحت الأنقاض عن أبنائنا وأسرنا واستمر الحال هكذا إلى الصباح وطيلة اليوم الموالي، استخرجنا جثثا عديدة تحت الركام.

إحدى الأسر بدوار آيت عثمان قضت نحبها، الأبوين معا وأربعة من الأبناء، كان البيت الأكثر تضررا يشير إبراهيم.

دوار دوزرو الأكثر ضررا

وبالرغم من حزنهم وألمهم، تصر ساكنة دوار آيت عثمان على أن الدوار القريب منهم دوزرو الأكثر ضررا والأكثر حاجة للمساعدة، حيث دعوا الجمعيات إلى إعانة جيرانهم كذلك.

كانت الحصيلة مرتفعة بهذا الدوار حسب كلام الساكنة، ذلك أن دوزرو يضم ساكنة أكبر تقدر بأزيد من 300 فرد، جرى إنقاذ عدد يزيد عن 40 فردا فيما جرى انتشال جثث ما يزيد عن 115.

بعد معاينتنا للدوار المذكور، كانت السلطات، وبمساعدة من متطوعين، ما تزال تبحث تحت ركام البيوت التي دمرت بشكل كامل، فقط في مساء الاثنين جرى انتشال 20 جثة إضافية، وأقيمت عليهم صلاة الجنازة ودفنوا في قبر جماعي بجانب الضحايا الذين سبقوهم.

حاجيات السكان.. الخيم والأغطية والملابس

في اليوم الثالث للكارثة كانت إعانات الغذاء قد وصلت إلى معظم دواوير الحوز وشيشاوة وعاينت بيان اليوم توزيع الإعانات بدوار أكادير إنصالح وأكادير إرغراغن وتالوين وكاطوس بمنطقة الزاوية النحلية بإقليم شيشاوة وبأمزميز وجماعة أزكور وأداسيل وتكاديرت وإغرامن التابعة لإقليم الحوز.

معظم السكان الذين تحدثت معهم بيان اليوم أكدوا أن مشكل الغذاء والماء تم حله سواء من قبل السلطات أو من قبل المتطوعين وجمعيات المجتمع المدني وأن الحاجة ملحة لتوفير الخيم والأغطية والألبسة.

هذه الحاجيات تبقى أساسية خصوصا وأن جل الناجين بقوا بدون مأوى ويبيتون في العراء لليوم الثالث على التوالي في المناطق المفتوحة المجاورة لبيوتهم المدمرة، لاسيما في ظل طقس متقلب تميزه الحرارة طيلة اليوم وبالبرد طيلة الليل.

قوافل إنسانية تواصل عملها بدون توقف نهارا وليلا. إذ في طريق عودتنا عبر مجموعة من الجماعات تُجاه شيشاوة المدينة والشماعية كانت القوافل القادمة من شمال المغرب وغربه ومن الشرق تقف في إحدى الباحات ونقاط التجمع غير بعيدة عن مركز شيشاوة نحو طريق جماعة مجاط.

كانت السلطات تخطر أصحاب الشاحنات الكبيرة أنهم لا يمكنهم مواصلة الطريق، فيما يواصل كثيرون تفريغ الحمولات من المركبات الكبيرة نحو السيارات الصغيرة والخفيفة.

كان الناس كأنهم مجندون لحل مشاكل عدد من الدواوير ويتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم والمعطيات حول واقع كل دوار وحول ما إذا كانت دواوير معينة لم يتم توجيه الإعانات إليها.

أجمع عدد من الجمعويين في ليلة الاثنين وأمس الثلاثاء على ضرورة توجيه الدعم وإعانات الغذاء نحو بعض الجماعات بتارودانت التي كان الجيش وعناصر السلطة قد أخطروا فرق الإغاثة بأنه جرى فتح المسالك المؤدية إليها وانطلقت بها عمليات الإغاثة مساء الاثنين.

أحد الناجين من الزلزال بدوار آيت عثمان على ركام بيته يروي لبيان اليوم تفاصيل الفاجعة

عشرات الشاحنات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وسيارات الشحن والسيارات الخاصة والصغيرة والخفيفة، كل هذه المركبات كانت قادمة من مدن مختلفة وتحمل على متنها مواد غذائية وطبية ولوازم أساسية مختلفة.

كارثة بطعم تضامن وطني إنساني

بالرغم من فداحة الكارثة والمصاب الأليم إلا أن الساكنة كانت تستقبل الوافدين إليها بابتسامة، وتسارع الزمن لتحضير الشاي وتقديمه للمتطوعين.

بدورهم، الجمعويون والمواطنات والمواطنين من مختلف المدن يساعدون ويوزعون الإعانات، يتبادلون التعازي في شهداء الكارثة ويطغى الحس الإنساني في لحظة تبرز تلاحما وطنيا سيظل خالدا ويبدد الشعور بالعجز أمام هول هذه الفاجعة.

مبعوث بيان اليوم إلى الحوز: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top