عند نهاية كل سنة، خصوصا بالنسبة لمن تتسم حياتهم بالتنظيم، سواء كانوا أفرادا أو جماعات، عادة ما يقومون بجرد لحصيلة عملهم طيلة شهور السنة التي يودعونها، لمحاولة تقييمها وتجاوز أخطاء الماضي. دعونا نتساءل حول أبرز ما حققته بلادنا من مكتسبات على الصعيد الثقافي.
من المؤكد أن الثقافة مفهوم شاسع، ومن العسير القيام بجرد حركتها على امتداد سنة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بحصيلة بلد، وليس فردا واحدا أو مؤسسة واحدة. غير أنه عادة ما يتجه الاهتمام نحو وزارة الثقافة، باعتبار أنها مؤسسة حكومية، لها ميزانيتها التي تدبر بها أمورها، بصرف النظر عن قيمة هذه الميزانية في حد ذاتها.
***
معظم الجمعيات والمؤسسات ودور النشر وغيرهم من الفاعلين في الحقل الثقافي، يعولون على الوزارة الآنفة الذكر؛ لأجل تفعيل مشاريعهم وإخراجها إلى حيز الوجود.
يمكن تفهم هذا الوضع، باعتبار أن المؤسسة الحكومية اقترحت دعم المشاريع الثقافية والفنية، ورصدت لذلك ميزانية خاصة، همت بالخصوص: المسرح والنشر والغناء والتشكيل و والتنظيم والتنشيط الثقافي.. إلى غير ذلك من الأنشطة.
غير أن العطب لا يكمن هنا بطبيعة الحال، بل في انكباب الجميع تقريبا على دعم الدولة.
حتى القطاعات التي من المفروض أن تعمل على الاستثمار في الميدان الثقافي، بوسائلها وبإمكانياتها الخاصة، وهي قد أنشئت أصلا لهذه الغاية، نجدها ترفع أيديها استسلاما وتتوجه بملفاتها للحصول على الدعم، نحو وجهة واحدة، هي مؤسسة الدولة، متمثلة بالخصوص في وزارة الثقافة.
من الطبيعي جدا أن تسير الحركة الثقافية بإيقاع بطيء، وتكون مهددة بالشلل حتى..
ونحن نستحضر في هذا الإطار كيف أن العديد من المشاريع كادت أن يتم نسفها، في حين أنه لو قام أصحابها بفتح منافذ أخرى للحصول على الدعم، أو تجندوا هم أنفسهم للاستثمار في هذا الميدان بإمكانياتهم المادية الخاصة، علما بأن الاستثمار في الميدان الثقافي، له مردودية، بشرط أن يكون هناك حسن تدبير للمشاريع.
أكيد أن دعم الدولة للمشاريع الثقافية، يعد أساسيا وينبغي الحفاظ عليه، لكن الأمر غير المرغوب فيه، أن يتم التعويل على هذا الدعم، باعتباره المنفذ الأوحد لتنفيذ أي مشروع.
***
لقد ودعنا إذن سنة، بما لها وما عليها، بأمانيها وبأحلامها وبأفراحها وبمآسيها ووو.. وكانت هناك مكتسبات مثلما كان هناك تراجع على بعض المكتسبات، كانت هناك حركة ثقافية همت بصفة خاصة المجال المرتبط بالمهرجانات المسرحية والسينمائية والغنائية والتشكيلية.. ساهمت في تفعيلها منظمات المجتمع المدني، بدعم من الدولة في غالب الحالات، وطبعا لم تكن كل هذه الأنشطة في مستوى تطلعات وانتظارات الجمهور، وهذا شيء طبيعي؛ فالغيرة على خدمة الفعل الثقافي بالأساس، خصلة لا تتحلى بها سوى حفنة قليلة من الناس، وعليهم يتوقف مستقبل الثقافة المغربية.
عبد العالي بركات