تنكب العديد من أحزابنا الوطنية على الإعداد لمؤتمراتها الوطنية، وتعمل بعضها على بلورة تحول داخلي لبنيانها التنظيمي العام، وذلك بعد الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها البلاد مؤخرا.
ليس الأمر فقط حاجة تنظيمية أو ذاتية تتصل بهذه الأحزاب أو بأعضائها، ولكن الأمر يتعلق، فضلا عن ذلك، بضرورة وطنية تعني البلاد ومستقبلها الديموقراطي العام.
إن قوة الأحزاب الجدية والحقيقية ومتانتها التنظيمية وإشعاعها الجماهيري وفاعليتها السياسية، هي حاجة وشرط لتعزيز ديموقراطية البلاد وتطوير منظومتها السياسية والمؤسساتية.
الاستحقاقات التنظيمية الداخلية للقوى السياسية ليست مباريات سباق بين أشخاص من أجل فوز ما، وهي أيضا ليست واحدة تشبه بعضها البعض، ولكن القضايا التنظيمية نفسها تختلف في الأشكال والخلفيات والغايات والرهانات بين حزب وحزب، لأنها تنطلق أصلا من مرجعيات كل حزب وتاريخه، وتؤسس لها قواعد منظومته الفكرية والسياسية.
وبناء على هذا، يجب مقاربة هذه الاستحقاقات التنظيمية لأحزابنا الجادة باعتبارها مناسبات وفرص لبناء تحولات واعية ورصينة تنشغل بأسئلة الذات الحزبية، وأيضا بسؤال مستقبل البلاد وتقدمها الديموقراطي.
اليوم، يعاني المغرب من تدني ممارسة السياسة، ومن ابتذال النظر إليها وإلى ممارستها، وصلة بذلك، يعاني واقعنا المجتمعي العام من تراجعات قيمية عديدة لها علاقة بالالتزام والوعي المدني والاهتمام المواطن، وأيضا من ضعف جاذبية العمل السياسي والحزبي والانتخابي…، وكل هذا لا يخدم مستقبل ديناميتنا الديموقراطية والمؤسساتية الوطنية.
هذا التدني المشار إليه، يفرض اليوم الوعي بحاجة بلادنا وديموقراطيتها إلى أحزاب جادة وحقيقية، وتمتلك المتانة والاستقرار التنظيميين، وأيضا الإشعاع الجماهيري والسياسي، والحضور الفكري والإعلامي والتأطيري وسط المجتمع والمؤسسات.
أي أن الأحزاب الحقيقية يجب أن تتمثل استحقاقاتها التنظيمية الداخلية اليوم ضمن هذا الأفق، وليس كما لو أنها مجرد حفلات تواصلية للبروز الذاتي أو لممارسة صراع الديًكة بين أشخاص وذاتيات بلا أي وضوح رأي أو بعد نظر.
لقد انتهت مختلف مراحل العملية الانتخابية الآن، وعدد من الأحزاب أعلنت أنها باشرت بالفعل الإعداد لمؤتمراتها واستحقاقاتها الداخلية، ويتيح لها ذلك أن تتمعن في واقعها ومستقبلها وأدوارها بأناة وعمق بلا أي إكراه زمني أو انتخابي، وبالتالي اعتبار اللحظة فرصة لصنع تحولاتها الداخلية بكثير من العمق والرصانة والعقلانية.
هذه بالطبع مسؤولية الأحزاب وقياداتها وكل أعضائها، وجميعهم مدعوون للتفكير بحجم بلادنا، والخروج من الحسابات الصغيرة والأنانيات غير المجدية، كما أن وجود أحزاب قوية وحيوية وفاعلة، وتطور تعددية سياسية منتجة في البلاد، كل هذا له مضمون وطني ديموقراطي عام معنية به البلاد كلها.
<محتات الرقاص