فجرت حصيلة الرياضة المغربية، بدورة باريس الأولمبية الصيفية، غضبا جماهيريا عارما، وبدرجة غير مسبوقة، إلى درجة أصبح هناك شبه إجماع على انتقاد الوضعية السيئة التي توجد عليها الرياضة الوطنية…
حالة من الغضب، زادت من حدته وسائل التواصل الاجتماعي، وتطور سبل الاتصال، حيث عرفت التفاعلات انتشارا واسعا، ونوعت من أسلوب الاحتجاج والتعبير، بخصوص واقع رياضي يتفق الجميع على ضرورة تغييره، وإبعاد رموزه المتهمة بالتسلط والفساد…
غضب مبرر بنسبة كبيرة، بالنظر لحجم الانتظارات التي علقت على بعثة، بلغ عددها 60 رياضية ورياضيا، مثلت 19 نوعا، وكان الإقصاء المبكر مصير الأغلبية الساحقة، باستثناء رياضيين، يعدون على رأس الأصابع، ممن تمكنوا من تجاوز دور أو دورين، في أحسن الأحوال…
فبالإضافة إلى البطل الكبير سفيان البقالي، ومنتخب كرة القدم المتألق، تمكن محمد تيندوفت من الوصول إلى نهاية سباق 3000 متر موانع، ولعب دور المساند لمواطنه البقالي، في مواجهة التحالف الإثيوبي-الكيني…
نفس المكسب حققه راكب الأمواج رمزي بوخيام، بتمكنه من المنافسة بقوة، وأيضا إدريس حفاري في الرماية، فإن الباقي عمل بهدي المقولة الشهيرة: “المهم هو المشاركة”…
هذه التمثيلية التي لم تصل إلى مستوى الطموحات، وتتطلب المساءلة والوقوف على مكامن الخلل؛ والعمل على إيجاد حلول جذرية، تمكن من التغيير في منهجية الاشتغال، وحتى طرق الإعداد، والعمل بالمقابل على رسم معالم ممارسة رياضية سليمة، تضع قطار القطاع في سكته الصحيحة…
المؤكد أن الوضع الحالي، وطرق تدبيره لم تعد صالحة بالمرة، كما أن التعامل بالطرق التقليدية على مستوى التسيير والتأطير، أصبح متجاوزا بسنوات ضوئية، وبالتالي لابد من سن خطط مغايرة، تمكن من تأهيل القطاع ككل، وتسمح بالعبور نحو مرحلة أكثر نجاعة، وأكثر فعالية، تقطع الطريق مع تلك الطرق والأساليب المتجاوزة، وذلك عبر سن سياسة رياضية مندمجة، مؤهلة لمواكبة التحولات التي قطعتها الممارسة على الصعيد الدولي…
لن يكون بإمكان الرياضة الوطنية التنافس على أعلى مستوى، دون وضع آليات الإعداد والتأطير والتكوين والتحضير، ووضع اللبنات الأساسية، لما يصطلح عليه بـ “صناعة البطل”.
وبذلك الوقوف على تفاصيل واقع حالي، لم يعد ينتج سوى المهازل والإخفاقات المتتالية، فإن الضرورة تفرض إعادة النظر في طرق اشتغال الجامعات والأندية والفرق على حد سواء، ووضع حد لتسيب مسؤوليها، كما أن اللجنة الأولمبية الوطنية، غير قادرة على القيام بدورها الكامل، بالنظر إلى قانون منظم يضعها ضمن إطار ضيق، ولايعطيها صلاحيات واسعة، ولا يمنحها فرصة التحول إلى قطب رحى في إعداد الرياضيين، والوقوف على طرق تجهيزهم للاستحقاقات الكبرى…
نصل إلى الوزارة الموقرة، كجهاز لا يعرف الاستقرار بحكم التغييرات المتتالية التي تعرفها، ولعبة الحسابات السياسية، وطرق توزيع الحقائب الوزارية، وعليه لا بد من تغيير المنهجية المتبعة منذ الاستقلال، سواء بإنشاء وكالة وطنية أو مندوبية سامية، تتكون من خبراء وأطر وخبرات وطنية، وحتى أجنبية تشرف على إعداد رياضيي النخبة والتهيؤ العالي المستوى…
لابد أيضا من انخراط القطاعين الخاص والعام، في المجال الرياضي، كمسالة حيوية وأساسية، وفق قانون استثمار واضح، وتعاقد محدد، يشجع المبادرات الحرة، ويؤطر مجال الاشتغال…
إنها مسألة تعد حيوية قصد إعادة الاعتبار للقطاع الرياضي ككل، وتحويله بالفعل إلى خيار استراتيجي للدولة، كما هو الحال بالنسبة لكرة القدم التي أصبحت تحظى برعاية خاصة واهتمام متزايد، وهذا ما يفسر النتائج المتميزة التي أصبحت تحققها المنتخبات الوطنية بجل الفئات، ولعل آخرها ميدالية نحاسية تزن ذهبا…
محمد الروحلي