في الأسبوع الأخير من شهر يونيو الماضي، تشكلت حكومة جمهورية أيرلندا بعد مخاض طويل زاد عن الأربعة أشهر ونصف الشهر. وجاءت قائمة الوزراء مضاءة بوزيرة العدل الشابة هيلين ماكنتي ذات الـ34 ربيعا. فقد استبشر بمحياها اللاجئون الذين طال انتظارهم الفرج، بتسوية أوضاعهم، لاسيما الذين استكملوا شروط الحصول على الجنسية الأيرلندية، وظلوا ينتظرون طويلا.
كان طبيعيا أن يتقصى الكثيرون سيرة حياة السيدة هيلين، لعلهم يعثرون على ما يفسر ابتسامتها المبشرة، أو على واقعة ألم أو جرح شخصي، يحفزها على التعاطف مع الآخرين!
ولدت هيلين ماكنتي، في العام 1986، والمسافة الزمنية قصيرة من يوم مولدها إلى يوم الوصول إلى الوزارة الموقرة. لذا يسهل العثور سريعا على واقعة الألم التي فاجأتها في أول شبابها، عندما كانت بدأت لتوها تتنسم خطى أبيها “شين ماكنتي” النائب في البرلمان، والوزير في الحكومة. فما حدث في العام 2012 أن والدها أقدم على الانتحار دون سبب معلوم. حزنت هيلين كثيرا لموته، ولما استعصى عليها تفسير ما فعله الأب الذي تعلقت به، تفجرت في داخلها طاقة كبيرة للعمل الاجتماعي الميداني والمسحي، لاستباق عمليات الانتحار وتحديد العلامات المسبقة قبل وقوعها، للإسهام في المعالجة الاجتماعية. وفي ذلك السياق، ترأست حملات لتعزيز الصحة النفسية لمن يلاحظ عليهم الحزن والاكتئاب، واشتغلت منسقة لفعاليات شبابية لبث روح السعادة، وحرصت على أن تقول لشركائها في العمل التطوعي: دعوكم من قصة والدي، فالحي الآن أبقى من الميت.
بعد انتحار أبيها، قيل إن الرجل تعرض لمضايقات على صفحات برامج التواصل. لكن هيلين نفت ذلك وقالت إنها كانت تتابع اتصالات والدها عبر الفيس، ولم يكن فيها ما يعكر صفوه. كل ما توصلت إليه مجازا، هو أن والدها أحس بالإرهاق والضجر، وشعر أن طاقته على العمل أقل من أن تغطي المهام التي يضطلع بها!
من خلفية ذلك الموت الغامض، انطلقت هيلين إلى آفاق رحبة. حققت مبتغاها بالحصول على مقعد أبيها في البرلمان. فقد كان من بين خطوط إشعاعها، العمل على إثبات جدارتها بالمقعد النيابي وبالاستوزار. ولما حازت عليهما، لم تكن سترضى بحقيبة هامشية. فقد اشتغلت وزيرة شؤون أوروبية، وأطلت على قضايا إنسانية في العالم، ولما وصلت إلى وزارة العدل، بدأت سريعا في التغيير. وكان ما فعلته يوم نهاية الأسبوع الماضي، أنها غيرت الأسلوب التقليدي لحفلات منح الجنسية وأداء القسم، وإنهاء المعاملات التي تراكمت بسبب كورونا، إذ بدأت التجربة الأولى لإنجاز المعاملات بتقنية “أون لاين” ومنحت الجنسية لعدد من المتقدمين إليها!
> عدلي صادق