لم يكن مفاجئا أن تحتل الرياضة المغربية رتبة متأخرة في سلم ترتيب دورة الألعاب الإفريقية “الرباط 2019” التي اختتمت منافستها يوم السبت الماضي، وراء كل من مصر صاحبة المرتبة الأولى، تليها نيجيريا في المركز الثاني، وجنوب إفريقيا ثالثا، أما الصف الرابع فعاد للجزائر.
ترتيب المغرب جاء خامسا، برصيد 109 ميدالية منها 31 ذهبية و32 فضية و46 برونزية. حصيلة تألقت فيها بصفة خاصة الرياضات الدفاعية كالتيكواندو، الكراطي والملاكمة، بينما تراجعت بشكل مهول رياضة ألعاب القوى التي كانت بالأمس القريب رائدة عالميا، إلا أنها أصبحت في السنوات الأخيرة عاجزة حتى على التألق قاريا، نفس الشيء يقال عن رياضة الدراجات التي كثيرا ما قيل لنا إنها متفوقة على الصعيد الأفريقي.
وكما قلنا، فإن هذه الحصيلة المتواضعة كانت منتظرة بالنظر إلى واقع الرياضة المغربية، الذي دخل منذ سنوات أزمة هيكلية عصفت بما تبقى من معالم الصمود داخلها من بنيات وأطر وممارسين، وبات من الضروري، بالتالي، اتخاذ إجراءات عملية وسن سياسة رياضة واضحة الأهداف والمعالم..
في خضم هذه الأزمة الخانقة، يعود من جديد الحديث عن ضرورة تأسيس مجلس أعلى للرياضة، وضرورة استقلالية القطاع عن الوزارة وتحويل تسييره إلى مجلس أعلى، وجعل مهمة تسيير الشأن الرياضي بيد الكفاءات والأطر التي أفرزتها الممارسة الرياضية بالمغرب، بعيدا عن التأثيرات السياسية، ولعبة توزيع الحقائب التي تتحكم فيها الولاءات والحسابات الخاصة.
تأسيس مجلس أعلى للرياضة الذي يبقى هو الحل، يجب تراعي في تكوينه وهيكلته وخصوصيته وتأثيره الواسع الكفاءة والدراية والخبرة، خاصة وأنه قطاع مفتوح على المستقبل ويشهد تغييرات متلاحقة.
فالقطاع الرياضي عموما يعيش أزمة هيكلية طاحنة، جعلته غير قادر تماما على القيام بالدور الحيوي المطلوب منه، ويعود ذلك إلى غياب إستراتيجية وطنية تعالج الاختلالات العميقة التي يعاني منها منذ سنوات. فرغم تسجيل مجموعة من المحاولات والمبادرات، إلا أن الفشل كان دائما مصيرها، لكونها ببساطة لا تنفذ إلى العمق.
ولعل أبرز تجليات هذه الأزمة ما تعشيه أغلب الجامعات والأندية الرياضية من غياب للحكامة وضعف التسيير، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليصبح التسيب والفوضى سيدي الموقف، باستثناء جامعات معدودة، استطاعت تجاوز النفق بفضل تواجد شخصيات عاشقة للعبة التي تدبرها، وتمكنت في ظرف وجيز من تحريك المياه الراكدة.
وإذا كانت أهمية بعض الأنواع وشعبيتها تفرض على جامعات معنية ضرورة العمل والتحرك وتنويع برامجها، فإن الأغلبية الساحقة من الجامعات تعيش خارج إيقاع الزمن، منغلقة على نفسها غير مستعدة نهائيا للتفاعل والانفتاح على محيطها، ونجدها تكتفي بنشاط موسمي تطبعه الشكلية والرمزية ليس إلا
فالأغلبية الساحقة من الجامعات الرياضية والأندية عاشت وتعيش مشاكل تسييرية طاحنة أفقدتها المناعة المطلوبة، وحولتها إلى كيان فاقد للقدرة على التحرك والفعل والتطور، وعندما نناقش الأمور من هذه الزاوية نطرح التساؤل حول الجهة المفروض عليها التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها، وفرض خيار مصلحة اللعبة أكثر من مصلحة الأشخاص.
إلا أننا حين نطرح السؤال بهذه الصيغة، نفاجأ بحالة الفراغ التي يعيشها القطاع، في غياب هذه المؤسسة المبحوث عنها، وضمان تدخلها في مثل هذه الحالات،بحيث تكون مهمتها الحرص على تطبيق القانون وحماية الممارسة الرياضية من حالات التسيب والفوضى، وما ينتج عنها من تغييب للمصلحة العامة.
فضعف وزارة الشباب والرياضة وكثرة التغييرات والتأثيرات السياسية على أجهزتها التسييرية، وجمود اللجنة الأولمبية الوطنية وغياب المشروعية عن أجهزتها، يجعل القطاع في مهب الريح، مما يسمح في ظهور مجموعة من الظواهر والحالات الشاذة، ويجعل واقع اللا قانون هو السائد.
القطاع في حاجة إلى خلخلة واسعة، أما سياسة الترقيع والاعتماد على تلميع الواجهة وانتظار بروز الفلتات القدرية، فإنها لم تعد قادرة على لعب دور الشجرة التي تخفي غابة الأزمة العميقة، وبات التغيير العميق والهيكلي واعتماد إستراتيجية جديدة، أمرا ملحا، لأن الأمر لا يتطلب المزيد من التأخير أو التأجيل، والدليل هو المشاركات المخجلة بأهم التظاهرات سواء كانت دولية أو قارية أو حتى عربية.
محمد الروحلي