قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الخميس الماضي فتح تحقيق دولي حول القمع الدامي للاحتجاجات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني في إيران، وذلك بهدف جمع أدلة حول الانتهاكات التي ارتكبت تمهيدا لملاحقة محتملة للمسؤولين عنها.
وبينما كان أعضاء المجلس مجتمعين في جنيف في اجتماع طارئ لبحث الملف الإيراني، أعلنت وكالة “فارس” الإيرانية للأنباء أن السلطات في الجمهورية الإسلامية أوقفت لاعب كرة القدم الشهير فوريا غفوري بتهمة “إهانة وتشويه سمعة المنتخب الوطني والانخراط في الدعاية” ضد الدولة.
ومشروع قرار إرسال لجنة تحقيق إلى إيران للنظر في كل الانتهاكات المرتبطة بقمع الاحتجاجات في هذا البلد قدمته ألمانيا وإيسلندا وقد أقر بتأييد 25 دولة عضوا واعتراض ست دول (أرمينيا والصين وكوبا وإريتريا وباكستان وفنزويلا) وامتناع 16 دولة عن التصويت من بينها خصوصا قطر.
وخلال مناقشة مشروع القرار التي استغرقت النهار بطوله، أطلق المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الذي لم يلق بعد ردا من طهران على طلبه زيارتها، نداء إلى الجمهورية الإسلامية ناشدها فيه “وقف الاستخدام غير المفيد وغير المتكافئ للقوة” ضد المتظاهرين.
وقال تورك إن “الوضع الراهن لا يحتمل”، قبل أن يشدد على مسامع الصحافيين على “ضرورة أن تستمع الحكومة إلى الشعب وأن تنصت إلى ما يقول وتنخرط في عملية إصلاحية لأن التغيير حتمي”.
بدورهم ندد العديد من الدبلوماسيين الغربيين بالقمع الدامي للاحتجاجات في إيران.
وأدى قمع التظاهرات إلى مقتل ما لا يقل عن 416 شخصا، بينهم 51 طفلا، وفقا لمنظمة حقوق الإنسان في إيران التي تتخذ في أوسلو مقرا.
وعقدت الجلسة على وقع الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني البالغة 22 عاما بعد أيام من توقيفها لانتهاكها قواعد اللباس في الجمهورية الإسلامية.
وتحولت التظاهرات مع الوقت احتجاجات ضد السلطة، غير مسبوقة بحجمها وطبيعتها منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وقال تورك إن نحو 14 ألف متظاهر سلمي أوقفوا، مما يشكل “رقما صادما”.
وأصدر القضاء الايراني حتى الآن ستة أحكام بالإعدام على صلة بالتظاهرات.
وفي تغريدة على تويتر قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن نتيجة التصويت هي “دليل واضح على الالتزام الدولي المتزايد محاسبة النظام الإيراني على قمعه الوحشي للشعب الإيراني”.
وخلال الجلسة قالت السفيرة الأميركية ميشيل تيلور إن “الشعب الإيراني يطالب بشيء بسيط للغاية، وهو أمر يعتبره معظمنا مفروغا منه: القدرة على التحدث وعلى أن يسمع”، وذلك فيما كان أعضاء في الوفد الأميركي يلوحون بصور وأسماء لضحايا القمع.
أما السفيرة الفرنسية إيمانويل لاشوسيه فقالت “+مرأة، حياة، حرية+. بهذا الشعار البسيط والقوي تذكر الإيرانيات ويذكر الإيرانيون منذ أكثر من شهرين بالقيم التي يدافعون عنها”.
وإثر التصويت قالت البعثة الفرنسية في المجلس في تغريدة على تويتر إن “شجاعة المتظاهرين وتصميمهم يلزماننا” التصويت لمصلحة قرار تشكيل لجنة التحقيق، مرحبة بنتيجة التصويت.
بدورها، رحبت منظمة العفو الدولية بـ”قرار تاريخي”، معتبرة أنه يمثل “خطوة مهمة نحو إنهاء الإفلات من العقاب!”، فيما قالت لوسي مكيرنان المسؤولة في منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن قرار المجلس “خطوة مرحب بها”.
وقبيل صدور القرار قالت وزير الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للصحافيين إن “هذا القرار، إذا تم إمراره، يعني الكثير. لا نعرف ما إذا كان… يمكن أن ينقذ الأرواح غدا. لكن ما نعرفه على وجه اليقين هو أنه سيعني العدالة، العدالة للشعب”.
والهدف من تشكيل بعثة التحقيق الدولية المستقلة هذه هو جمع أدلة على الانتهاكات والحفاظ عليها بهدف استخدامها في ملاحقات محتملة. لكن من رابع المستحيلات أن تسمح الجمهورية الإسلامية لهذه البعثة بدخول أراضيها.
في المقابل، انتقدت معاونة نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة خديجة كريمي أمام المجلس في جنيف، الدول الغربية، معتبرة أنها تفتقر إلى “الصدقية الأخلاقية”. ونددت بالعقوبات الأميركية والأوروبية على بلدها.
وتقول طهران إن هذه الاحتجاجات لا تعدو كونها “أعمال شغب”، متهمة الدول الغربية خصوصا بالوقوف خلف هذه الحركة لزعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية.
وأكدت السفيرة الإيرانية في فنلندا فوروزانده فادياتي التي شاركت في الجلسة أن “مستوى العنف الشديد” من قبل “مشاغبين ضد المواطنين ورجال إنفاذ القانون لا يوصف”.
وكما كان متوقعا، أعلنت الصين وفنزويلا وكوبا دعمها لإيران، إذ دعا السفير الصيني شين شو خلال الجلسة إلى “الحوار والتعاون… لتعزيز وحماية حقوق الإنسان”.
أ.ف.ب