من مسار نوال المتوكل

الحلقة السابعة

 تعد نوال المتوكل واحدة من النماذج الناجحة للرياضيات اللواتي تمكن من المحافظة على مسار ناجح بعد نهاية المشوار الرياضي، مقدمة نموذجا للتحول الإيجابي للإنسان الرياضي.
   فقد جعلت نوال من الاعتزال بداية لا نهاية، ومرحلة لإعادة بناء شخصية الرياضي، من ممارسة لا تعرف إلا المضمار أو القاعة والملعب، إلى إطار من مستوى عال تساهم في التدبير والتسيير على أعلى مستوى.
  نموذج فريد وغير قابل للتكرار في سماء البطلات المغربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى، تجاوزت كل الحواجز، لتبرز كرياضية قادمة من عالم محكوم بكثير من التقاليد والأحكام المسبقة، وهي الآن تتقلد مناصب عليا داخل دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، بفضل الكاريزما التي جعلتها رافضة للاستسلام والخضوع والتخلي والتراجع والقبول بالأمر الواقع.
  خلال فضاء رمضان السنة الماضية، قدمنا حلقات الجزء الأول من مسار نوال المتوكل، والتي خصصت للوقوف على تفاصيل مرحلة الممارسة كعداءة، انطلاقا من ملعب لاكازابلانكيز، مرورا بانتمائها للمنتخب الوطني، وصولا إلى انتقالها للولايات المتحدة الأمريكية للدراسة والتدريب، وفق أساليب وطرق متطورة تختلف كليا عما سبق، لتتوج ذلك بميدالية ذهبية في سباق 400م حواجز بأولمبياد لوس أنجلوس.
   خلال رمضان هذه السنة نعود لتقديم تفاصيل مرحلة ما بعد الاعتزال، والتي شهدت الانتقال من مرحلة الممارسة إلى التحول لكسب مكان داخل الأجهزة المشرفة على الرياضة الدولية، وبصفة خاصة الاتحاد الدولي لألعاب القوى واللجنة الأولمبية الدولية، وهذه المرحلة تحفل بالكثير من التفاصيل والمعطيات المثيرة، وهو ما نعمل على تقديمه تباعا عبر حلقات طيلة هذا الشهر الفضيل…   

بعد اعتزال الممارسة طرح الاختيار بين التدريب والتسيير

   مباشرة بعد اعتزال الممارسة، فاتجهت مباشرة إلى عالم آخر مغاير تماما ولكنه مرتبط دائما بالمجال الرياضي، ألا وهو التسيير والانتماء إلى أجهزة الرياضة الدولية، وهذا يتطلب تضحيات جسام نظرا لكون كثرة المهام والالتزامات تكون على حساب الحياة الشخصية، والأبناء والزوج، ومن حسن الحظ أنني ارتبطت برجل متفهم، والأكثر من ذلك محب للرياضة، وهو الذي ساعدني كثيرا في هذه المرحلة.
زوجي منير بنيس الذي كان بمقدوره أن يتذمر من العودة ليلا بعد الاجتماعات المتأخرة، وكثرة الأسفار إلى دول أخرى، وأي رجل في مكانه سيقول جملة واحدة لا غير: ” كل هذا من أجل ماذا …” ؟ لكن العكس هو الذي حصل، إذ كان زوجي ولا زال متفهما، وكانت علاقتنا متوازنة بين انشغالي في مجال الرياضة، والمحافظة على دوري داخل منظومة الأسرة.
  بعد دخولي مجال الأجهزة الدولية، وخلال هذه الاجتماعات والمؤتمرات المتعددة، اكتشفت أن معاناة المرأة المغربية هي نفسها التي تعانيها المرأة الفنلندية أو الأمريكية أو اليابانية، فعندما كنت أشكو همومي اكتشفت أن هموم النساء كلها متشابهة. وبالتالي كان علينا استغلال ذاك النسيج الذي بدأنا في بنائه، أي شبكة العلاقات، من أجل وضع تصور قبل إخراجه لحيز الوجود.
فالهدف الأساسي يتجلى في منح المرأة الفرصة لترأس مؤتمرات ولجان، بطبيعة الحال هذا الأمر يستوجب أن تتحلى المرأة بإرادة وعزيمة قويتين. وسبق أن تحدثت حول هذه النقطة بالذات في حواراتي مع بريمو نيبيولو ومع سامارانش وجل الرؤساء الذين تكونت على أيديهم. كانوا يقولون لي: بما أنك تطالبين بالمساواة والمناصفة، فلتتحملي تبعات المهمة. وفي هذه الحالة كان يلزمني الإجابة على أي سؤال في نفس اللحظة التي يطرح فيها.
آنذاك أنيطت بي مجموعة من المهام، رغم وجود تخوف في البداية. إذ كنت أول مرة تدخل اللجنة الأولمبية الدولية، والأكثر من تتحمل امرأة رئاسة لجنة ملف تقييم أو تتبع. مع العلم أن هذه المهام كانت في السابق حكرا على الرجال سواء كان يملك تجربة أو لا…
كانت نوال المتوكل أول امرأة تولت هذه المهمة، وتحديدا سنة 2005 ، بعدما تم اختياري لترأس لجنة تقييم ملف أولمبياد 2012، ثم ترأست سنة 2009 لجنة تقييم ملف أولمبياد 2016. ومنذ تلك الفترة فتحت الأبواب أمام النساء. فمثلا هناك غونيلا من السويد تترأس ملف الألعاب الشتوية 2018 ببيونغ تشونغ، والأمريكية أنجيلا تترأس لجنة تتبع ألعاب ليلهامر بالنرويج، ولم تعد هذه المهام حكرا على الرجال.
كما أنها كانت أول مرة تتواجد فيها أربع نساء بالمكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية وهى سابقة في التاريخ، وحتى في فترة الثمانينات لم تكن تتواجد بالمكتب التنفيذي أكثر من امرأة واحدة فقط ولاغير.

 إنجاز: محمد الروحلي

Related posts

Top