شكل موضوع “تدبير الذمة المالية في إطار العدالة الاجتماعية “محور الندوة التي نظمتها جمعية حقوق وعدالة “Droits & Justice”، يوم الجمعة الماضي بالدار البيضاء، بحضور عدد من الخبراء والمختصين في العلوم القانونية والدراسات الإسلامية.
وأكد مراد فوزي رئيس الجمعية، في كلمته الافتتاحية لأشغال الندوة، أن اختيار موضوع تدبير الذمة المالية المشتركة للزوجين يرتكز على الخلاصات التي بلورتها الجمعية من خلال عملها الميداني مع عدد من الفئات الاجتماعية، وعلى رأسها النساء، حيث بات من الواضح أن عدة معضلات اجتماعية يعانيها المجتمع المغربي وتؤسس لمظاهر العنف ضد النساء، وضمنها أحد أوجه العنف الاقتصادي المتمثل في إنكار حق المرأة في الثروة المتراكمة خلال سنوات الزواج.
واعتبر فوزي أنه على الرغم من وجود عدد من الاجتهادات القانونية، المبنية على نظام رائد في تراثنا المغربي لتدبير الذمة المالية للزوجين، وهو نظام الكد والسعاية، وكذا إقرار مدونة الأسرة بحق المرأة في الاستفادة من الثروة المتراكمة خلال سنوات الزواج، إلا أن القانون المغربي مازال يفتقد إلى مقتضيات صريحة ومفصلة في هذا السياق تنصف المرأة وتأخذ بعين الاعتبار مساهمتها الأساسية في الحياة والثروة الأسريتين.
وفي نفس الاتجاه، اعتبر محمد الباكير، أستاذ جامعي وعضو الجمعية، ومسير الندوة، أن موضوع تدبير الذمة المالية في المؤسسة الأسرية يعد من أكثر المواضيع أهمية وحساسية ضمن الحديث عن مسألة المساواة ومكافحة التمييز، مشيرا إلى أن هذا المشكل يهم فئة واسعة من النساء خصوصا منهن اللواتي لا يشتغلن خارج البيت، حيث تكون الذمة المالية الأسرية في يد الزوج، وعندما يقع الانفصال تعيش العديد من هؤلاء النساء وأطفالهن مآسي محزنة بسبب قلة ذات اليد، وذلك على الرغم من أن المنطق يقتضي أن العلاقة الزوجية قد نشأت عنها حقوق مالية مشتركة وبالتالي فإن انتهاء تلك العلاقة يجب أن يتبعه تصفية تلك الحقوق واقتسامها بين الطرفين بكيفية عادلة.
وقدم كل من المحامي والباحث محمد بوكرمان، والفاعل الفكري والديني محمد عبد الوهاب رفيقي، خلال هذه الندوة، وجهة نظرهما في الموضوع، حيث أكدا على وضعية الهشاشة القانونية والواقعية التي تعيشها المرأة على مستوى الاستفادة من الثروة الأسرية، وذلك على الرغم من أن الواقع المغربي يثبت انعكاس العرف السائد في بعض المناطق المغربي (جهة سوس) على الرأي الفقهي بهذا الخصوص، حيث منح هذا الأخير للمرأة حق المساواة والمشاركة مع الرجل في الثروة المتراكمة خلال سنوات الزواج، وذلك بحكم مشاركتها وكدها في تحصيل تلك الثروة. وفيما يقدم الدستور المغربي إطارا معياريا يؤكد على مناهضة أشكال التمييز ضد النساء ويقر بالمساواة بين الجنسين في الحقوق والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن القانون لم يواكب هذا التطور حيث مازالت مقتضياته واجتهاداته تتسم بنوع من الغموض والتناقض فيما يتعلق بالاعتراف للمرأة بحقها في الأموال المكتسبة داخل إطار الزوجية.
وعرفت الندوة تقديم تجربتين مقارنتين في الموضوع هما التجربة التونسية والتجربة الفرنسية، من خلال عرضين منفصلين لكل من القاضي التونسي محمد زيتونة، والمحامية الفرنسية كلوي غرانادو، اللذين قدما السياق التاريخي وكذا المشاكل والتحديات التطبيقية التي تعترض القوانين المرتبطة باقتسام الممتلكات الزوجية في كل من فرنسا وتونس. وأجمع المشاركون في هذه الندوة على ضرورة مراجعة القوانين المغربية، وعلى رأسها مدونة الأسرة، وذلك بالتنصيص صراحة على مقتضيات فعلية وواضحة تخص تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الزوجية، وتقييم العمل غير المأجور الذي تقوم به الزوجة، سواء داخل البيت أو خارجه، ومساهمتها الأساسية في تنمية الثروة الأسرية، وكذا حقها في الاستفادة من تلك الثروة في حال انفصام ميثاق الزوجية.
يذكر أن تنظيم هذه الندوة يندرج ضمن مشروع “تعزيز نظام المساواة بالنظام القضائي بالمغرب” المعتمد من طرف جمعية “حقوق وعدالة” منذ سنة 2016، بتمويل مشترك مع الإتحاد الأوروبي والسفارة السويسرية.
< سميرة الشناوي