هؤلاء المغاربة الذين يلتحقون بداعش

 في كتاباته الحديثة، يتابع الأديب المغربي الناطق بالفرنسية الطاهر بن جلون، عن كثب الحياة الاجتماعية والسياسية داخل الوطن وخارجه، ولعل ما يلفت الانتباه في هذه السلسلة من النصوص والمقالات المترجمة عن الفرنسية هو حدة الأسلوب الذي كتبت به، كأنها قدت من حجر مسنون.
 في كل نص، لا بل في كل فقرة من فقرات هذه النصوص التي ترجمناها عن الفرنسية، لا بد أن يتهيأ لك أنك تسمع صوت قرع الجرس، ينبه لوجود خطر، يقلقنا، يزعجنا، يوشك على ابتلاعنا. هذا الخطر له أكثر من وجه: الفقر، الجهل، البطالة، الفراغ، الحقد، الخوف، التطرف، الإرهاب..بوجيز العبارة، هي شهادة صادقة على هذا العصر وتحولاته.

 أفريقيا الشمالية هي المنطقة الأولى المصدرة لمقاتلي داعش، حتى لو كانوا يتشكلون من 67 جنسية مختلفة. في المغرب، من 300 إلى 500 شخص على أهبة الرحيل في الحال إلى القتال. من ثم توالد الخلايا الإرهابية في المملكة. منذ 2013، مصالح الأمن المغربية نجحت في تفكيك 30 خلية إرهابية و150 خلية منذ 2002.
 هذا الرقم الذي قرأته للتو يجمد الدم في الظهر. إذن لماذا؟ كيف؟ وما العمل؟ كيف يحدث أن بعض المئات من المغاربة قرروا تدمير السلام في بلدانهم، بث الرعب والإضرار بالسياحة وضرب الاقتصاد بأكمله؟ من أين أتاهم الافتقار إلى حس المواطنة؟ كيف تولدت لديهم هاته الحالة المرضية التي تقودهم إلى الموت، موتهم وموت الأبرياء؟ من المسؤول عن هذه الكارثة؟ لاحظ الجميع أن أولئك الذي شاركوا في تفجيرات فرنسا وإسبانيا هم من أصل مغربي. وضع محزن. المغرب ليس بحاجة إلى هذا النوع من الإشهار. خارج مظاهر الغضب والسخط، لنطرح الأسئلة بكل هدوء لمعرفة أصل هذه الظاهرة. أكيد أنه الفقر، لكنه ليس لوحده، الفوارق الاجتماعية، مظاهر الذل والغش وبهرجة القنوات التلفزية الخليجية التي تنفث سموما لا لون لها ولا رائحة (قنوات مشؤومة من الواجب منعها من الوصول إلى سماء المغرب)، الحياة الصعبة ثم الفراغ، الفراغ الكبير الذي يخلقه غياب التربية، رداءة التربية الوطنية، غياب الثقافة. ذلك هو لب المشكل. لقد همشنا لعدة عقود وحتى في بعض الحالات حاربنا الذكاء والإبداع والجمال والجرأة على الخلق. لا وجود لفضاءات تجذب المراهقين الذين يرغبون في إشباع رغباتهم في التكوين: الثقافة في تنوعها، المجال الحر لتنمية وتطوير خيالهم.
 عوض ذلك، هناك الشارع، الشارع الكبير، المنفتح على كل أنواع التجارة، على المغامرة في الحدود المشروعة. الشارع، ثم الأماكن الوسخة حيث يتسكع الأشرار المتأهبون لتخريب أي شيء، المغامرون من نوع آخر، حاملو لواء الإسلام مع خطاب وهمي مشحون بالديماغوجية، ثم الباقي: المخدرات، غياب السلطة الأبوية، العلاقات المشبوهة، المال السهل ثم دفعة واحدة ذلك النور المعلوم الذي يفعل فعله في المراهق مثل الصاعقة. في هذا العالم البشع، المعفون، المليء بالعيوب، وحدها الآخرة بإمكانها أن تضفي  معنى على حياتهم، يجدون في الآخرة، في الجهاد والقتال، معنى لموتهم. التضحية تصير رغبة قوية وجذابة.
عند الأخذ بهذه الشروح، كيف ينبغي أن نتصرف إزاء المرشحين المحتملين للمصيبة؟ أكيد أن الشرطة تقوم بعملها كما ينبغي، وهي ما تفتأ تفكيك خلايا المجرمين المصابين بتسمم الخطاب المحسوب على الدين. لكن ينبغي أن يكون عمل اليقظة هذا مصحوبا بالتربية. في كل مكان وعلى جميع المستويات. بنبغي على الجميع أن ينخرط في ذلك: الآباء، المدرسون، وسائل الإعلام (مع نصيب وافر للمرئي)، السلطات السياسية، المسؤولون عن أمور الدين، كل أولئك المؤهلين للتأثير في هذه الشبيبة التي توجد عرضة للضياع. هذا أمر عاجل. لنتحرك.  

بقلم: الطاهر بنجلون

 ترجمة: عبد العالي بركات     

Related posts

Top