انتزاع المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم بطاقة التأهل إلى مونديال روسيا 2018، وذلك بعد الانتصار المثير والمستحق في أبيدجان على منتخب الكوت ديفوار، يعتبر إنجازا رياضيا حقيقيا وكبيرا، ويكتسب قيمة الدرس أو الرسالة البليغة.
لقد حقق هذا الانتصار الكروي الهام شعورا جماهيريا عارما بالفرح والاعتزاز وسط مختلف فئات شعبنا بكل جهات المملكة ولدى مغاربة العالم، وخرج عشرات الآلاف من المواطنات والمواطنين من مختلف الأعمار إلى الشوارع.
على الصعيد الكروي، لا بد أن نشير أن فريقنا الوطني يحقق اليوم التأهل إلى المونديال بعد غياب دام عقدين كاملين، ومنظومتنا الكروية بكاملها لم تعد منذ سنوات تنتج لحظات فرح أو انتصار، كما أن التشكيلة الحالية لم تضمن فقط ورقة التأهل، ولكنها عبرت مختلف الأدوار الإقصائية من دون أي هزيمة، وهي أبرزت لنا كذلك لاعبين من مستويات عالية، وعدد منهم من ضمن مغاربة العالم، وجميعهم أبانوا عن قتالية كبيرة، وعن رغبة وطنية عالية في الفوز.
أما دلالة كل هذا، فهي أن المغرب يمتلك طاقات شابة ذات مواهب وكفاءات، ومتى حظيت بالعناية والاهتمام، وواكبها التخطيط والتنظيم ومهنية العمل، فهي تحقق النتائج الجيدة.
اليوم ينجح منتخبنا الوطني في التأهل لكأس العالم، ويستطيع فريق وطني هو الوداد البيضاوي التتويج باللقب الإفريقي، وتؤسس النتيجتان لدينامية كروية ورياضية جديدة في بلادنا، ومن الضروري اليوم استثمار ذلك لصياغة انطلاقة جديدة لكرة القدم الوطنية، وللرياضة بصفة عامة.
إن ما حققه منتخبنا الوطني اليوم يعود الفضل فيه طبعا للاعبين، وهم يستحقون التقدير والاحتفاء بقتاليتهم، واستماتتهم البطولية، كما أنه يعود أيضا، ويجب أن نعترف بهذا ونعلنه جهارا، للمدرب هيرفي رونار، ذلك أنه، فضلا عن حرفيته وخبرته وذكائه، فقد نجح في التعاطي بمرونة مع كثير مصاعب اعترضته في علاقته بالمحيط الكروي والإعلامي ببلادنا، وغفل عن كثير أشياء كان تناقلها الإعلام في حينها، وغير عددا من تصرفاتها التي لم تعجب الكثيرين، وهو يستحق اليوم الشكر والاعتراف، وأيضا تمتين التعاون والعمل المشترك معه.
من جهة ثانية، يدرك الجميع أن بناءنا الكروي الوطني ككل يعاني من كثير اختلالات وتجليات تخلف وهشاشة، وذلك منذ سنوات، والدوري المحلي لم يعد يستطيع أن يوفر لنا فرجة عالية أو فريقا وطنيا متكاملا، ولهذا يجب أن نسجل بإيجابية الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة عبر إطلاق أوراش إصلاحية متعددة تعني شأننا الكروي الوطني، ومن خلال الرعاية الملكية للقطاع والجهد التمويلي والتجهيزي العمومي، ونأمل أن يتواصل كامل هذا الجهد الاستراتيجي، وأن يتبلور ضمن سياسة شاملة وحقيقية، وحتى لا يبقى إنجاز المنتخب مجرد استثناء، وإنما أن يساهم في قيادة الكرة الوطنية نحو مرحلة جديدة.
جهود السنوات الاخيرة وما أعلن عنه من أوراش وإصلاحات في مجال تدبير شؤون كرة القدم الوطنية، لا يمكننا أن نستعرضها دون ربطها بالسيد فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وأن نسجل له ديناميته الواضحة في المشهد الكروي في الأعوام الأخيرة.
من جهة أخرى، يجب أن يحفز هذا النفس الإيجابي الذي ضخه اليوم المنتخب الوطني في حياتنا الكروية الوطنية جامعة الكرة ووزارة الشبيبة والرياضة ووزارة التربية الوطنية والجماعات المحلية ومجالس الجهات، على صياغة شراكة قوية ومنتجة بإمكانها تفعيل الحماس وسط الفتيان والشباب، وفي الأندية، وبمختلف مراكز التنشئة، وذلك لتشجيع الممارسة القاعدية وتوفير كل ظروف الممارسة وإنتاج المواهب، وتقوية الاهتمام، بالإضافة إلى ضرورة توفير البنيات التحتية والمنشآت، وتمتين آليات حسن التدبير والحكامة الجيدة في كل هياكل ومستويات ممارستنا الكروية الوطنية، وإيجاد الميزانيات والموارد المالية اللازمة…
وكل هذا لا يرتبط حصريا بكرة القدم وحدها، ولكن يمكن أن يصلح أيضا لباقي الرياضات، وبالتالي يعتبر مهما اليوم الانكباب على صياغة سياسة وطنية عمومية متكاملة وشمولية بمساهمة كل الشركاء والمتدخلين، تروم النهوض بالرياضة.
لم تعد الرياضة مجرد لعبة للتسلية أو للترفيه، ولكنها صناعة قائمة بذاتها لها تقنياتها ومخططاتها وأطرها المختصة، فضلا على أنها لا تخلو من أهمية ديبلوماسية وإعلامية وترويجية، ومن ثم هي تفرض اليوم رؤية سياسية واضحة وتخطيطا علميا واستراتيجيا محكما وسلوكا تدبيريا عصريا و…ديموقراطيا.
مرة أخرى هنيئا للفريق الوطني، لاعبين ومدرب وتقنيين ومسيرين ورئيس جامعة، وهنيئا لشعبنا بالانتصار والتأهل، وبالفرح.
محتات الرقاص