ربما ما تزال الاستشارة النفسية لفائدة الأزواج غير واسعة الانتشار في مجتمعنا نظرا لأسباب تتعلق بالأزواج وتتعلق أيضا بطبيعة المجتمع والثقافة السائدة. لكن لاحظنا في السنوات الأخيرة بروزا أكثر، وإن كان محتشما، لهذه الظاهرة بفضل انتشار مكاتب المشورة الأسرية وما يسمى بالـ”كوتشينغ” كذلك.
دراسة أمريكية حديثة حاولت مقاربة الأسباب التي تجعل الأزواج يلجأون للاستشارة النفسية. وكانت النتائج غير متوقعة.. ومفيدة.
فقد يظن الكثيرون أن الأزواج يذهبون للاستشارة النفسية من أجل المال، الجنس، الأبوة… لكن المعالجين النفسيين يؤكدون أن المشكلة الحقيقية خلف ذلك كله تتمثل في حاجة إنسانية اسمها “التواصل”.
وسألت مجلة (Business Insider) ماك نولتى المدرب الرئيسى في معهد جوت مان ومؤسس مركز شيكاغو للعلاقات، عن الأسباب الأكثر شيوعا التي تدفع الأزواج لطلب الاستشارة النفسية، فأكد سريعا إنها: المال، الحميمية الجسدية، الأبوة.
وحينما طرحت المجلة سؤالا مشابها على “ران إدوارد هانكل”، المستشار النفسي للزواج والأسرة ومؤلف العديد من الكتب عن الأبوة والعلاقات، حدد المشكلات الثلاثة ذاتها لكنه فرق بين الأسباب التي يذهبون من أجلها للاستشارة النفسية وبين المشكلات الحقيقية التي تؤثر على علاقاتهم.
وأضاف “المشكلة التي يطرحها الزوجين ليست دائما هي المشكلة الحقيقية” ووظيفة المستشار أو المعالج النفسي هي مساعدتهم على كشف هذه المشكلة.
ما المشكلة الحقيقية؟ أضاف “إن الناس يخافون أن زواجهم من شخص غريب بشكل تام قد يجعلهم مختلفين عن أنفسهم التي يعرفونها أو أنهم قد يُرفضوا من قبل الطرف الأخر لمجرد كونهم على ذواتهم الحقيقية إن لم يكونوا قد تعرضوا للرفض فعلا”.
وأضاف “ما نحن بصدد البحث عنه هو شعور بذواتنا الحقيقية، أو أن شخصا يعرفنا ومازال يقبلنا”.
وأظهرت إحصائية جديدة لـ1000 من المرتبطين والمتزوجين والمنفصلين في جامعة “ميدامريكا ميزيرين “أن الناس يظنون أن المُتزوجين يذهبون لتلقي الاستشارات النفسية بسبب مشاكل مع الأطفال، العمل، التواصل، المال، الخيانة، الأصهار، نمط الأبوة وكانوا بهذا الترتيب.
لكن التقرير أظهر أن المشاكل الحقيقية التي تدفع الأزواج للذهاب للاستشارات الأسرية هي التواصل، الخيانة، المال، الأطفال، الأبوة، الأصهار والعمل بهذا الترتيب.
قبل الثلاثين
وأظهرت الإحصائيات أيضا أن 49% من المتزوجين يذهبون إلى الاستشارة النفسية قبل سن الـ30. يتضمن ذلك المشورة قبل الزواج، والتي تكون مطلوبة في بعض الأديان.
وغالبا ما يحصل الأزواج على المشورة في فترات التحول الصعبة في الحياة.
وأشار كل من ماك نولتي ورانكيل أن السر يكمن في أن الزواج يحولهم من أفراد عاديين وغير مسؤولين إلى آباء ثم بعد ذلك قد يبقون وحيدين وخاصة في مرحلة التقاعد.
وحينما يصبح الأزواج أباء يصارعون من أجل إيجاد الوقت والطاقة لتقديمها للطرف الأخر، بحسب ماك نولتي الذي أضاف: “حينما يترك الأبناء المنزل، يكتشف الأزواج أنهم استثمروا الكثير من الوقت في الأبوة وأنهم “نسوا كيف يتواصلون معا”.
فترات التحول – تحديدا الانتقال لمرحلة الأبوة، وهي أيضا البيئة الرئيسية لحدوث الخيانة- يقول نولتي: “بداية ابتعاد الشريكين يجعلهما عرضة لـ”انقضاض” آخرين عليهم، فيموت الزواج كما تصهر النار الثلج”.
في النهاية، يبقى دور المعالج النفسي هو جعل الشريك يفهم نفسه ويجعلها مفهومة لشريكه.
وأوضح رانكل أن العملية العلاجية تتخذ هذا الطريق: أن تكتشف حقيقة نفسك، أن تكتسب ثقة الشريك قدر الإمكان، وأن يفعل كل منكما الشيء نفسه.. من أجل تحسين مستوى التواصل وبالتالي تأمين الحياة الزوجية ضد التحولات الصعبة.