في إطار تخليد الذكرى 74 لتقديم وثيقة الاستقلال وافتتاح الموسم الثقافي 2018، خصصت جمعية مؤسسة ” الحمامة ” حفلا تكريميا بهيجا للمولع الكبير بقيم السلام الفنان التشكيلي حميد العلوي، وذلك بالمركز الثقافي بتطوان بحضور العديد من الفاعلين الثقافيين والفنيين. استهل هذا الحفل الاعتباري بنغمات النشيد الوطني من أداء الفنانة العالمية السوبرانو سميرة القادري، تلتها الكلمة الافتتاحية التي القاها عادل الشمالي رئيس مؤسسة مهرجان الحمامة منظمة هذا الحدث، منوها بمسار الفنان حميد العلوي الذي سخر شجيته الإبداعية لخدمة قضايا السلم و السلام و التعايش و التسامح و عشق الآخر، كما ثمن إبداعات الفنانين الشباب المشاركين الحاملين لرؤية جمالية عميقة للفن عموما و للموسيقى خصوصا. في هذا السياق، أكد الفنان حميد العلوي بأن تكريمه يعد التفاتة رمزية لكل أصدقائه و زملائه المبدعين خصوصا في ظل الاحتفال بذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تشكل موعدا كبيرا مع تاريخ الجيل المؤسس لملحمة الكرامة و تأكيد الذات. انفرد هذا الحفل التكريمي بالشهادة التي قدمها أستاذ الأجيال بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان الفنان عبد السلام نوار الذي أبرز في معرضها دور الإبداع في تربية الذوق العام و البناء المجتمعي في راهننا المعاصر الذي أصبحت تتلاشى فيه ملامح الدفئ الإنساني، معتبرا لوحات الفنان حميد العلوي رمزا لروافد المغرب الجميل بأصالته و بهائه و تطلعه للتجديد و الحداثة الوفية لتقاليد الأصالة. بدوره أشاد الفنان التطواني يوسف التونسي العزواني بشخصية المحتفى به التي تجمع بين الطيبوبة و الإبداع مستحضرا باعتزاز و تقدير تجربته في أحضان مرسم الفنان حميد العلوي ” عش بلارج ” حسب عبارة هذا الأخير، و هو فضاء مفتوح لتكريس فكرة فن القرب و استدراج كل شرائح المجتمع للتفاعل معه قصد تمثل قيم الجمال و الحب و التربية عل الحوار و التبادل. كان للزجل حضور نوعي في غمرة هذه الأمسية التكريمية رفقة الشاعر حميد الهواري الذي أضفت أشعاره التعبيرية مسحة جمالية على أجواء هذا الاحتفاء الاعتباري بمسار الفنان حميد العلوي إنسانا و مبدعا. الحفل الفني انفرد أيضا بمشاركة سفيرة التراث التطواني وفاء العسري إلى جانب المطرب عصام سرحان و الفنان نبيل أشرف. حول تجربة الفنان حميد العلوي، كتب الناقد الجمالي عبد الله الشيخ: ” باعتبارها فعلا تشكيليا يخدم التنمية البشرية والسلام، تتناول أعمال الفنان حميد العلوي موضوعي التعايش والتفاعل الثقافي: موضوعاه المفضلان لدعم السلام و الولع بالمعنى الروحي للكلمة. إن حميد العلوي مقتنع بأن كل فنان يعتبر رسولا للسلام ولترسيخه في جميع جهات العالم. على غرار قائمة طويلة من المولعين، يقدم لنا هذا الفنان إحالات فصيحة من خلال أعماله الفنية: الولع باعتباره ” مدرسة حياة ! “، تعلم الاحترام المتبادل، فضاء مثالي حيث ” نتعلم العيش معا دون الاعتقاد بأننا الأفضل أو المنتصر “، وحيث نتعلم بالخصوص تكريس تلاحمنا أكثر. بناء على هذه الرسائل التشكيلية، يعتبر الولع بالفن أحسن الإمكانات المتاحة لتعلم تدبير العالم الذي ينتظرنا: يشيد القيم النبيلة والمؤكدة للحاضر وللقادم. إن الفنان حميد العلوي يقدم لنا رسالة إنسانية موجهة إلى الأجيال الصاعدة بكل ما تحمله من حساسية مبدعة وسخاء روحي: الأهم، هو الإيمان بها، أن تكون لدينا إرادة بلوغها بطريقة نزيهة تخدم المجتمع الكوني اليوم سعيا إلى تحقيق قيم أصيلة ومعالم هوياتية. بعد ولادته بمدينة تطوان، سنة 1968، تمكن حميد العلوي، باعتباره فنانا باحثا، من صياغة لغة بصرية مستقلة وكونية، في الوقت نفسه، من خلال معالجة موضوعاتية للراهن في منأى عن كل تصنيف تعسفي.
في عمله الأصيل المعنون ” ثلاثية العشق”، يُثني على العشق باعتباره سلوكا إنسانيا يقوم على معيش عبرثقافي. إنه يُمجد، بطريقته الخاصة، التواصل التفاعلي بروح الاقتسام، الحوار والتكامل. ذلك هو المعنى الذي يحمله عنوان اللوحة / البيان، التي تؤبد على القماش المعنى العميق المشرق للعشق كعنصر أساسي من عناصر الحياة، بل الوجود الفعلي. يلتقط الفنان العشق، في خضم التاريخ الإنساني، كمحرك وكخيط رابط.
إن الأعمال الفنية الصباغية لحميد العلوي، حيث يُهمين الميول شبه التجريدي، الإحالات والرموز، المعالم الهوياتية، تنهل من متخيل إبداعي يسعى إلى إضفاء القيمة من جديد على علات وجودنا. إنها تعمل على تطهير أشكالها الثنائية للمصالحة بين مختلف التعارضات على صورة ال ” yin ” و ال ” gyan ” في الفلسفة الصينية ( فئتان متكاملتان يمكن أن نجدهما في جميع مظاهر الحياة والكون. ومفهوم التكامل هذا حكر على الفكر الشرقي الذي يرى، عن عزم، الثنائية على شكل تكامل).
باعتباره مبدع أعمال فنية صباغية تتمحور حول العشق والمتعة، يُضفي حميد العلوي تعبيرا مباشرا على القيم العاطفية. إنه ينشغل بحالات روحية مقترنة بذاكرات الأماكن بما لها من أبعاد شاعرية ( الحضور / الغياب، الكينونة / العدم). وهو يصرح لنا بخصوص أعماله المجازية: ” أشتغل، عموما، على ما أحسه تجاه معيشي اليومي. إنها أشكال شبه تجريدية، تستحضر مخيلتي وهي ترجع إلى الذاكرة بما أن الذكرى، بالنسبة لي، تتضمن دائما جزءا من الراهنية. يلمح ذلك أحيانا إلى أسلوب يُراوح بين التجريدية والتشخيصية. وعملي الحالي تكريم للإنسانية كرمز نموذجي للسلام وللتعايش “.
ينبغي التذكير بأن حميد العلوي خريج شعبة الفنون التشكيلية بمعهد مولاي يوسف بين 1986 و 1990. تابع تكوينا رصينا في الهندسة المعمارية الداخلية والديزاين بفرنسا. له في ريبيرتواره افني العديد من المعارض الفردية والجماعية في العديد من بلدان العالم. كما كان مندوب الدورة الرابعة للمعرض الدولي ” الأيادي التي تبصر ” ( كان فنانون من إسبانيا هم ضيوف شرفها)، واستضافته المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدر البيضاء، ملحقة ابن امسيك، لتقديم مداخلة حول مساره الإبداعي.
منصف عبد الحق