انتخبت نائبا برلمانيا لفاس لفترة 1993-1997 عن دائرة باب الخوخة بعمالة فاس المدينة والتي كانت تتكون حسب التقسيم الإداري والانتخابي الذي كان آنذاك من المنطقة الشرقية لمدينة فاس العتيقة بالجانب الشرقي لواد الجواهر (عُدوة الأندلس)، ثم منطقة الجنانات ودوار اريافة وصهريج كناوة أي مقاطعة جنان الورد حاليا، ثم الجماعات القروية عين قنصرة وسيدي احرازم وعين البيضاء. وقد تم ذلك في إطار مرشح الوحدة بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ورغم استعمال المال الحرام بقوة من طرف بعض المرشحين الذين كانوا يقومون بتجييش عدد كبير من الشباب الذين كانوا يعدون بالمئات بالنسبة لكل مرشح، فإن هؤلاء الشباب كانوا يتعاطفون بقوة مع مرشحي الوحدة سواء في هذه الدائرة أو في الدوائر الأخرى حيث كانوا يطبقون قول السي عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله “أموالهم حلال عليكم وأصواتكم حرام عليهم”. وقد ساهمت الطبقة العاملة في هذه الانتخابات بشكل قوي خاصة وأن هذه الانتخابات جاءت بعد الإضراب العام (14 ديسمبر 1990) وما تم بعده من توسع كبير للعمل النقابي بفاس، بالإضافة إلى الشباب والنساء ومناضلي الأحياء، وكان مستوى الوعي جد متقدم سواء بأحياء المدينة أو بالمناطق القروية مقارنة مع ما هو عليه الآن في مواجهة تجار الانتخابات.
وبعد افتتاح الدورة التشريعية في شهر أكتوبر 1993، وهيكلة الفريق الاتحادي الذي كان يرأسه الأستاذ فتح الله ولعلو، وانتخاب رئيس المجلس الأستاذ جلال السعيد، تمت هيكلة مكتب المجلس ولجانه الدائمة حيث تم تمثيل الفريق الاتحادي من طرف الأستاذ عبد الواحد الراضي النائب الأول للرئيس، والأستاذ محمد عامر أمين، والأستاذ محمد محب محاسب، والأستاذ عبد القادر باينة رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، والأستاذة بديعة الصقلي رئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية والصحة والشبيبة والرياضة. ومنذ أن استأنف المجلس أشغاله، كنت حريصا على الحضور باستمرار طيلة الفترة النيابية مما مكنني من تحقيق حصيلة مشرفة داخل البرلمان من خلال الجلسات العامة واللجان الدائمة والأسئلة الشفوية والكتابية، أو خارجه من خلال الاجتماعات والاتصالات مع مختلف الجهات والمصالح المعنية.. وقد عرفت تلك الفترة النيابية، وهي الخامسة في عمر البرلمان المغربي، عملا مكثفاً من الإنتاج التشريعي الذي وصل إلى 149 مشروع قانون، صودق منها على أزيد من 100 قانون بالإجماع، وأثناء تدارس القوانين المالية للسنوات الأربع كنت أبدل مجهودات كبيرة لكي أساهم في مناقشة جميع الميزانيات الفرعية للوزارات لكونها كانت في الغالب تبرمج في أوقات متزامنة، وقد عرفت اللجان الدائمة اجتماعات مكثفة بسبب وفرة القوانين التي كانت تحال عليها، ومنها لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان التي عرفت مناقشة عدد كبير من مشاريع القوانين ومنها مشروع مدونة الشغل الذي قدمه السيد رفيق الحداوي وزير الشغل سنة 1994؛ هذا المشروع الذي كان جد متقدم والذي تم سحبه بعد ضغوط كبيرة من طرف أرباب العمل، ثم جاء بعد ذلك السيد أمين الدمناتي الذي تسلم حقيبة الوزارة حيث تقدم بمشروع جديد سنة 1995 والذي تطلب وقتا طويلا في مراجعته بكيفية شاملة من خلال تكوين لجنة داخلية بتنسيق بين الفريق و(ك د ش) من طرف بعض الإخوة منهم الأساتذة: عبد القادر الزاير، وعبد العزيز العتيقي، وعبد الكبير طبيح، وجلال الطاهر، ومصطفى كنعان وعبد ربه، حيث عكفت اللجنة عدة أيام بمدينة فاس، على تهييئ ورقة شاملة عن المشروع، تم اعتمادها فيما بعد من طرف الفرق النيابية لأحزاب الاتحاد الاشتراكي والاستقلالي والتقدم والاشتراكية، ونقابتي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وشكلت هذه الورقة مساهمة قوية في المشروع الذي جاءت به الحكومة فيما بعد، كما عرفت هذه المرحلة تقديم عدة مشاريع قوانين ذات أهمية ومنها ميثاق الاستثمار ومدونة التجارة…
وعلى مستوى الأسئلة الشفوية والكتابية تمكنت خلال هذه السنوات الأربع من إنجاز أربعة كتب بمعدل كتاب في السنة يتضمن كل واحد منها الأسئلة والأجوبة، ومن خلال هذه الأسئلة كنت أتطرق للقضايا التي تهم التعليم والصحة والشباب والرياضة والصناعة التقليدية والسياحة والأوقاف والسكن والتشغيل وقضايا الشغل وتطبيق قانون الشغل واحترام الحريات النقابية وغيرها…
وعلى مستوى متابعة القضايا التي تهم الدائرة الانتخابية، كنت أشتغل وفق برنامج يتضمن عقد لقاءات محلية مع عامل عمالة فاس المدينة، في المرحلة الأولى، السيد سعيد المذكوري، وفي المرحلة الثانية السيد محمد الفاسي، وكانت هذه الاجتماعات تعقد بكيفية منتظمة في الصباح ابتداء من الساعة الثامنة لمتابعة كل القضايا التي تهم الدائرة الانتخابية والمدينة العتيقة، ونفس الشيء كان يتم مع مندوبي الوزارات كل واحد على حدة: التعليم – الصحة – الشباب والرياضة – التشغيل – الصناعة التقليدية – التجارة والصناعة – الأشغال العمومية – الأوقاف – الثقافة – السياحة – الإسكان وكل القطاعات الوزارية حسب طبيعة القضايا المطروحة، وخلال هذه الفترة تم تحقيق العديد من الإنجازات التي أذكر منها:
في مجال التربية والتعليم: قمنا بمواكبة النقص الحاصل في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي وبالأخص التعليم الإعدادي في عين قنصرة وسيدي حرازم وعين بيضة حيث لم تكن الجماعات سالفة الذكر تتوفر على أي إعدادية.
في قطاع الصحة: تمت متابعة الأوضاع الصحية ومعالجة النقص الحاصل في المراكز الاستشفائية سواءً في المناطق القروية أو الحضرية.
في قطاع الثقافة: حيث تم القيام بعدة مبادرات من أجل إصلاح وترميم المباني والمآثر التاريخية انسجاما مع المكانة الحضرية والتاريخية لمدينة فاس.
في مجال الأوقاف: تمت متابعة وضعية المساجد والزوايا والبنايات التابعة لوزارة الأوقاف والتي كانت مهددة بالسقوط وإصلاحها بما فيها متابعة وضعية مسجد القرويين والأندلس ووضعية الخرب، ونشير هنا إلى أن الشبيبة الاتحادية كانت أعدت تقريرا حول وضعية الخرب بالمدينة العتيقة، حيث قمت على إثره بإجراء عدة اتصالات ومبادرات في الموضوع لدى وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس ولدى مختلف الجهات المعنية.
في باب الطرق: أذكر هنا إعادة بناء قنطرة بن طاطو والطريق التي تمر محاذية للواد وتمتد إلى الحي الصناعي لعين النقبي وطريق سيدي حرازم القديمة التي تفصل بين دوار اريافة وسهب الورد؛ وقد تحقق ذلك على إثر اجتماع تم مع المرحوم مزيان بلفقيه مستشار جلالة الملك والذي كان آنذاك وزيرا للأشغال العمومية، وقد تم هذا الاجتماع بحضور مندوب الأشغال العمومية السيد محمد صبري، كما تم القيام بعدة مبادرات من أجل إصلاح الطرق بفاس والجهة وفتح المسالك بالجماعات القروية.
في مجال الصناعة التقليدية: تمت متابعة القضايا التي تهم هذا القطاع داخل المدينة العتيقة وخارجها ومنها تسريع وتيرة إنجاز الحي الصناعي عين النقبي، حيث كانت تعقد عدة اجتماعات مع الصناع التقليديين بمقر الحزب بالزربطانة ومع مندوبية الصناعة التقليدية بفاس ومع السيد إدريس جطو الذي كان آنذاك وزيرا للصناعة التقليدية والتجارة والصناعة.
في باب التجارة والصناعة: تمت المطالبة بإصلاح الأحياء الصناعية (الدكارات – سيدي إبراهيم – بنسودة ) وإحداث أحياء صناعية جديدة .
في الميدان السياحي: تم القيام بمجموعة من المبادرات من أجل إصلاح توسيع الشبكة الفندقية.
في قطاع السكن: تمت متابعة أوضاع مدن الصفيح والبناء العشوائي بدوار اريافة وصهريج اكناوة وجنان الأبيض وأرورات والدور المهددة بالسقوط بجنان السلاوي وجنان مكوار وجنان العلمي والسخينات وتسوية وضعية عمارات الدكارات وإصلاحها.
الماء والكهرباء: تم العمل من أجل توفير الماء والكهرباء بالجماعات القروية التي كانت تعاني من نقص كبير حيث تم بذل مجهودات كبيرة لتغطية الخصاص الحاصل، وأذكر هنا حدثاً كانت له أهميته عند توفير الإنارة العمومية بدوار مسدورة (بطريق تازة) على إثر عقد عدة اجتماعات مع السيد العامل سعيد المذكوري حيث كانت هناك صعوبة كبيرة لمرور الأسلاك الكهربائية تحت خط السكة الحديدية المجاور للدوار.
متابعة أوضاع قطاع الشباب والرياضة من خلال السهر على بناء دار الشباب بالسخينات وملعب لكرة القدم بجنان العلمي والعمل من أجل إخراج الفضاء الثقافي للدكارات حاليا إلى حيز الوجود كما تمت المطالبة بإحداث ملاعب رياضية ودور الشباب جديدة.
وكان هناك تعاون مع الجماعات القروية الثلاث من أجل إيجاد الحلول لمختلف القضايا.
كما تم عقد العديد من الاجتماعات على مستوى الولاية مع السيد الوالي امحمد الظريف لمتابعة القضايا التي تهم جهة فاس بولمان التي خلصت إلى إيجاد حلول للعديد من المشاكل التي كانت مطروحة.
اللقاءات مع الوزارات: كنت أعقد لقاءات منتظمة مع مختلف الوزارات حول القضايا التي تهم الدائرة الانتخابية.
التواصل مع الساكنة: فقد كنت أقوم بعقد اجتماعات منتظمة مع سكان الدائرة الانتخابية سواء بالمناطق الحضرية أو القروية، كما كنت أزور بانتظام كل صباح يوم السبت سوق عين قنصرة وصباح كل يوم أحد سوق عين بيضة، وما أشرت إليه فهو لا يمثل جميع مما تم القيام من مبادرات.
وخلال هذه الفترة قام الفريق الاشتراكي آنذاك بالعديد من المبادرات ومنها قيامه بعدة جولات إلى مختلف الجهات حيث تم القيام بزيارة إلى المناطق الصحراوية شملت مدينة العيون والداخلة وعقد عدة اجتماعات بمخيمات اللاجئين الصحراويين بالمدينتين كما تم الوقوف على مختلف الإنجازات والمشاريع التي عرفتها هاتان المدينتان بمختلف القطاعات حيث تم بناء العديد من المرافق الحيوية في كل القطاعات الإستراتيجية والحيوية، كما تمت زيارة منجم بوكراع وميناء الداخلة حيث تبين أن الأقاليم الصحراوية عرفت تقدما مهما في زمن قياسي.
كما تمت زيارة للمنطقة الشرقية انطلقت من بركان وأحفير ثم وجدة وجرادة وعين بني مطهر وبوعرفة وفكيك حيث تم الوقوف على وضعية السكان المحاذين للحدود الجزائرية لمعاينة معاناتهم بسبب حرمانهم من الأراضي التي كانوا يمتلكونها والتي نهبت من طرف الجزائر.
كما تمت زيارة للمناطق التي عرفت فيضانات سنة 1996 ومنها مدينة الجديدة والدار البيضاء حيث تم القيام بجولة في جامعة أبي شعيب الدكالي التي كانت قد غمرتها الفيضانات وقيسارية الحفارين ومنطقة درب السلطان.
وكان الفريق الاتحادي يحظى بتجاوب كبير من طرف المواطنين وبالأخص مع تدخلات رئيس الفريق الأستاذ فتح الله ولعلو.
وقد تزامنت هذه الفترة مع التطورات التي عرفتها الساحة السياسية بالمغرب بفضل النضالات التي قامت بها الطبقة العاملة والقوى السياسية الوطنية والديمقراطية منذ الإضراب العام لـ 14 دجنبر 1990 مرورا بمختلف المسيرات المليونية التي نظمت بمدينة الرباط حول القضايا الوطنية والقومية، ثم الإضراب العام ليوم 5 يونيو 1996 ثم اتفاق فاتح غشت 1996 والتعديل الدستوري لسنة 1996 وصولا إلى حكومة التناوب التوافقي بقيادة المجاهد عبد الرحمن اليوسفي.
> بقلم: عبد الرحيم الرماح