يسعدني أن أتواجد معكم للسنة الثانية على التوالي بمدينة تطوان المضيافة، لأشارك الأسرة المسرحية دورة أخرى من دورات المهرجان الوطني للمسرح بهذه الجهة الثرية بثقافتها وعلمها وبعطاءات أبنائها.
إن المهرجان الوطني للمسرح، مناسبة سنوية للاطلاع على الحصاد المسرحي الوطني، وفرصة للقاء والتشاور والتبادل بين المسرحيين. ولعل وصوله للدورة الثامنة عشرة ليؤكد إيماننا الجماعي بأهمية ترسيخه كحدث ثقافي وفني متميز، يحتفي بالإبداع المسرحي ككل ويتوج الأعمال الناجحة، وكمحطة للتباري من أجل إبراز وتحفيز الطاقات المسرحية الوطنية، عبر جائزة وطنية تشمل كل أصناف الإبداع المسرحي من تأليف وإخراج وسينوغرافيا وتصميم الملابس وتشخيص نسائي وذكوري إلى جانب تتويج العمل المتكامل وتشجيع إحدى إشراقات أمل المسرح المغربي.
وللإشارة، فقد وضعنا إطارا قانونيا يؤطر كل جوانب تنظيم هذه الجائزة الوطنية من انتقاء الأعمال إلى الإعلان عن النتائج، ويحدد تركيبة لجنتي الانتقاء والتحكيم وطرق اشتغالهما، مع الرفع الملموس من الغلاف المالي المخصص لكل أصنافها وكذا تعويضات اللجنتين المذكورتين.
ولم نتوقف عند الجانب القانوني لتأطير هذه التظاهرة فقط، بل عملنا منذ السنة الماضية على إيلائها أهمية خاصة في جانبها الاحتفائي بالشكل الذي يليق بنساء ورجال أب الفنون وضيوفه، وذلك بشراكة تامة مع المبدعين أنفسهم ومع السلطات الترابية والهيئات المنتخبة.
حضرات السيدات والسادة،
لا تفوتني المناسبة لأذكر بأن وزارة الثقافة، ومنذ سنة 2012، نهجت مقاربة تشاركية للتعامل مع الإبداع الثقافي، أفضت إلى وضع منظومة جديدة لدعم المسرح سنة 2014، في صيغة طلبات عروض مشاريع، مكنت من توسيع برنامج دعم الإبداع المسرحي، حيث شملت توطين الفرق المسرحية، والجولات المسرحية، والإقامات الفنية وورشات التكوين، والتنظيم والمشاركة في المهرجانات والتظاهرات المسرحية، ومسرح وفنون الشارع. ويتم دعم قطاع المسرح عبر هذه الآلية الجديدة التي يستفيد منها المسرحيون والفرق المسرحية ومؤسسات الإنتاج والترويج المسرحي، في إطار دفتر للتحملات يتم تطويره سنويا بناء على التقييم المنتظم واستجابة لانتظارات القطاع، وبالاعتماد على لجنة متخصصة ومستقلة لدراسة المشاريع وانتقائها. وخصص لهذا الدعم، برسم سنة 2017، غلاف مالي يبلغ 15 مليون درهم.
وقد لقيت هذه الصيغة الجديدة لدعم المسرح تجاوبا كبيرا من طرف الفاعلين المسرحيين والمهنيين، وهو الأمر الذي يعكسه، على سبيل المثال، عدد الترشيحات التي عرفتها دورة 2016 والتي وصلت إلى 360 مشروعا، بينما شمل الدعم 155 مشروعا.
حضرات السيدات والسادة،
وإلى جانب الدعم المسرحي، تحتفي وزارة الثقافة كل السابع والعشرين من مارس باليوم العالمي للمسرح، حيث عرفت مختلف جهات المملكة سنة 2016 تقديم حوالي 200 عرض مسرحي، موزعة على أربعين (40) مدينة، وتم الاحتفاء أيضا باليوم الوطني للمسرح في 14 ماي ببرمجة ما يفوق مائة وأربعين (140) عرضا مسرحيا بأكثر من ثلاثين (30) مدينة. هذا إلى جانب تنظيم أكثر من خمسمائة (500) عرض مسرحي في إطار برنامج تنشيط المراكز الثقافية.
كما يعمل المسرح الوطني محمد الخامس، وهو مؤسسة تحت وصاية وزارة الثقافة ويستفيد بدوره من دعمها بغلاف مالي يصل إلى 15.600.000 درهم سنويا، على إنتاج عشرة (10) عروض مسرحية، وعلى تقديم وترويج حوالي (200) عرض مسرحي في السنة، موزعة بين قاعة المسرح وباقي المراكز الثقافية بالمغرب.
كما عرفت سنة 2016 تنظيم الدورة السابعة عشرة للمهرجان الدولي لمسرح الطفل بمدينة تازة بمشاركة دول مصر، تونس، المملكة العربية السعودية، إسبانيا، الصين، سلطنة عمان، روسيا والمغرب ممثلا بعدة فرق مسرحية للطفل.
وعلى المستوى التشريعي، قمنا بتحديث وتطوير المنظومة القانونية للمهن الفنية من خلال وضع قانون جديد للفنان والمهن الفنية الذي ينظم العلاقات المهنية ويصون كرامة الفنان ويرتقي بوضعه الاجتماعي، هذا القانون الذي خرج إلى الوجود منذ شتنبر الأخير.
كما نؤكد عزمنا على مواصلة تنفيذ برنامج إحداث المسارح وفضاءات العرض، وتطوير الدعم الموجه للمسرح ولتوطين الفرق المسرحية على وجه الخصوص، آملين أن تواكب المجالس المنتخبة هذا التوجه والتكفل بالترويج على المستوى الجهوي والمحلي.
ولابد هنا أن نحيي ولاية طنجة – تطوان – الحسيمة والمجالس المنتخبة على مساهمتها في إحداث فضاءات ثقافية ومسارح خاصة في إطار المشاريع الكبرى التي يرعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
حضرات السيدات والسادة،
تأتي هذه الدورة للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان لتتويج سنة حافلة بالإنجازات وبالأنشطة المسرحية المتعددة وبالإبداعات المتميزة. وهي ثمرة شراكة فعالة بين وزارة الثقافة وجهة طنجة – تطوان – الحسيمة والمجالس المنتخبة بهذه المنطقة ووكالة تنمية أقاليم الشمال.
وأغتنم الفرصة أيضا للتنويه بالالتفاتة الرمزية الراقية التي يقدمها المهرجان الوطني للمسرح من خلال تكريم أعلام من المسرح المغربي، في شخص الفنانة القديرة خديجة أسد، الفنانة المعطاءة على مستوى الكتابة والمسرح والتلفزيون والسينما، والتي شكلت إلى جوار شريك حياتها الفنان عزيز سعد الله ثنائيا يفيض موهبة وعطاء. والأستاذ والفنان المقتدر جمال الدين دخيسي، الذي أعطى الشيء الكثير للخشبة مبدعا ومديرا للمسرح الوطني محمد الخامس، وكرس جهوده العلمية والفنية كأستاذ ومدير للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي. وكذا الفنان الحاج عبد السلام بوحديد، ابن الشمال، الذي جايل رواد فرقة المعمورة في الستينيات واستمر في خدمة المسرح إلى اليوم.
وتكريمهم الليلة، وقفة للاعتراف والوفاء اتجاه ما قدموه للمسرح المغربي من إبداع غزير وعطاءات مقدرة. فشكرا لهم على ما قدموه للوطن وهنيئا لهم بهذا الاحتفاء ومتمنياتي لهم بالصحة والعافية وطول العمر.
حضرات السيدات والسادة،
أود أن أتوجه بالتحية والتقدير لكل نساء ورجال المسرح المغربي الذين أبدعوا وأمتعوا وتفانوا في خدمة المسرح بكل تجلياته، ومن خلالهم لكل الفرق المسرحية المشاركة في هذه الدورة وكل النقاد والباحثين ونجوم المسرح والدراما المغربية. كما أشكر لجنة الانتقاء ولجنة التحكيم بكافة أعضائهما على قبولهم هذه المهمة النبيلة.
كما أتقدم بآيات الشكر والامتنان لحاضرة مدينة تطوان البهية وساكنتها التواقة للمتعة والفرجة، وأخص بالشكر السيد محمد يعقوبي والي جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، الذي رحب وساند إقامة هذا الحدث بهذه المدينة مبديا كل التعاون والدعم، وكذا لكل مساعديه الأقربين.
والشكر موصول لكل المجالس المنتخبة بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة والجماعات الحضرية بمدن تطوان والفنيدق والمضيق ومرتيل والمجلس الإقليمي بمدينة تطوان ووكالة تنمية أقاليم الشمال واتصالات المغرب.
كما لا تفوتني المناسبة لأشكر الصحافة الوطنية بكل أطيافها ومختلف منابرها على الجهود المحمودة التي تبذلها للتعريف بالمنتوج المسرحي وترويجه ومواكبته بالدراسة والنقد.
إن نجاح تظاهرة من هذا الحجم هو كذلك ثمرة جهود مبذولة منذ شهور من لدن اللجن الساهرة على إعداد وتنظيم هذا الحدث الهام على المستوى المركزي والجهوي والإقليمي، من أطر وزارة الثقافة والمسرح الوطني محمد الخامس وكل التقنيين والعمال والأعوان، الذين أتوجه لهم باسمكم جميعا بخالص عبارات الشكر والتقدير على تفانيهم وعملهم الدؤوب، مع التنويه كذلك بالمجهود المبذول لفريقي حفلي الافتتاح والاختتام.
حضرات السيدات والسادة،
كان لي الشرف طيلة هذه السنوات الخمس الأخيرة بالاشتغال، من موقعي في وزارة الثقافة، مع نساء ورجال المسرح المغربي ومع الجمعيات المهنية والنقابات، حيث تشاركنا سويا انشغالات وتطلعات النهوض بالمسرح المغربي الذي أثرى الساحة الثقافية الوطنية منذ عقود.
وقد اشتغلنا جميعا، بنفس تشاركي في جو إيجابي وبناء، على بلورة ووضع أنجع السبل للارتقاء بمسرحنا أخذا بعين الاعتبار المتغيرات المجتمعية والممارسات الثقافية والفنية.
ويمكن القول بكل موضوعية، إننا تمكنا من وضع اللبنات الأساسية لإرساء قواعد ممارسة مسرحية مهنية، من خلال توسيع شبكة المسارح ووضع نموذج متكامل لدعم المسرح وإحداث منظومة قانونية أكثر مهنية.
ومع كل ما تم إنجازه، فإن المسرح المغربي يستحق الكثير لما يتوفر عليه من طاقات هائلة من الشباب والرواد ومن مؤهلات إبداعية، وذلك حتى يتمكن من أداء أدواره التربوية والترفيهية والمجتمعية والتنموية.
وأنا أودعكم من مسؤوليتي هاته، يقيني كبير بأنكم ستبرهنون بالحجة والدليل، لكل من ادعى باطلا خفوت المسرح المغربي، أن أب الفنون لازال حيا معطاء يستشرف المستقبل بكل عزم وإرادة وطاقات نسائه ورجاله.
وأملنا أن تحقق هذه الدورة الأهداف المتوخاة منها وأن يسعد الجمهور التطواني العاشق للمسرح بلحظات من الفرح والبهجة.
والله ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.