المغرب أنقذ حياتي

كنت في بوردو خلال ذلك اليوم لإلقاء محاضرة. وكما يحدث في كل مرة أوجد بمدينة فرنسية، لم يتأخر لقائي بمواطنين حاصلين على دبلومات (ليس بينهم أقل من ثلاث حاصلين على شهادات التبريز في الرياضيات، إضافة إلى طالب في المدرسة العليا للأساتذة) لكنهم فضلوا بالأحرى العمل في بلد بوانكاري وليس على ضفة أبي رقراق. حسنا، سنعود إلى هذا الموضوع في وقت لاحق.
غير أن ما فاجأني هذه المرة، أو بالأحرى راقني، هو تلك السيدة التي ترتدي لباس السيدات النبيلات، الراقي جدا، نظرت إلي بعين متسامحة وهي تتسلى بعقدها الجوهري، وقالت لي بصوت رقيق:
ــ لم أفهم الشيء الكثير من كلامك، أيها الرجل الطيب، خصوصا عندما تطرقت إلى أفكار علماء الزمن الغابر (من يكون هذا الغوديل الذي تتخذه نموذجا عظيما؟)، لكن مع ذلك أود أن أسر لك بهذا الأمر:
ـــ إن بلدك الأصلي أنقذ جلدي.
اعتقدت أنني أسأت الفهم:
ـــ المغرب أنقذ حياتك، سيدتي؟
هزت كتفيها..
ـــ لا تكن مبتذلا. إنني أتحدث عن جلدي، هذه ليست صورة شعرية، إن الأمر يتعلق فعلا ببشرتي.
مفكرا في أنني لم أتمكن من استخلاص مدلول هذه الحكاية الطريفة، همست:

ـــ حقا؟ وكيف تم ذلك سيدتي العزيزة؟
وضعت كوب الشراب وشبكت يديها بصعوبة:
ــ مرت على ذلك ثلاث سنوات (يا إلهي، كم يمر الوقت..)، قررت فجأة أن أسلك أسلوب حياة صحية، على المستوى الروحي – اكتشفت الله الذي كنت قد أهملته حتى ذلك الحين- وكذا على المستوى المادي.
شغلت موجها، كان ذلك في زمن الرخاء. يأتي، يعيش، يغيب أو بالكاد. كل شيء يدق الجرس في صباحي الروتيني: الشامبوان ودهنة الحمام ذات الروائح الساحرة، كريماتي التي تعيد لي الشباب الدائم، عطري الأخاذ، مساحيقي، كل ذلك كان خوفا من التلاشي.
أطلقت تنهيدة بروح منفطرة. 
الموجه عرض علي اللائحة:
ــ عطوري المركبة كانت من الحامض وأكثر غلاء مما لو كانت عناصرها حقيقية وأصيلة. كل شيء، كل شيء على الإطلاق، يتضمن مادة الغليسيرين. في حين أن الغليسيرين تجعل الجلد والشعر عطشانين، وهو ما يحتم استعمال المزيد من المواد ( المزيد من الأرباح للمقاولات). أغلب العناصر المكونة لمراهمي تتلف نظامي الخاص بالغدد الصماء. التلفيف يمثل ستين في المائة من المادة ويثقل بلا فائدة حمل حاوية النفايات.
حركت رأسها، كانت لا تزال مغتاظة من هذه الفضيحة، تابعت:
ــ قررت أن أغير كل شيء. أردت أن أمنح ما هو أفضل لجلدي: زيوت نباتية مقرونة بالزيوت الأساسية للوجه والبدن، زيت أساسي على شكل مزيل للرائحة، الطين من أجل تنقية كل شيء. اقترح علي الموجه زيت أركان، زيت نواة المشمش، زيت حب التين، زيت اللوز، ماء الورد، ماء زهر الليمون، الغسول (تعلمت هذه الكلمة الغريبة)، الصابون الأسود، العكر الفاسي، الزيوت الأساسية المستخلصة من النعناع والنارنج والصعتر وأشياء أخرى كثيرة، إزالة الشعر بالسكر..
ــ بالسكر؟  
ــ تماما. وها هو الأمر العجيب: بدون أن أبحث أو أن أنتبه إلى ذلك، كل مناطق المغرب وجدت نقطة التقائها في غرفة حمامي. مع ذلك، أنا التي قام أجدادها بغزوات استكشافية، ها هو جلدي وجسدي يتغذيان يوميا من عناصر بربرية. أشعر تبعا لذلك بأنني في حالة صحية جيدة. أحسنت يا مغرب. أبلغوا تحياتي لبورقيبة.
ــ مبلّغ
حملت كوب شرابها:
ــ امتنان أبدي لكنوز المغرب التي تنقذ جلد الناس ومن المحتمل حياتهم كذلك، عن طريق القفز على صناعة المواد الكيميائية التي تسممهم على مهل.
بعد أن احتست شرابها، تنهدت، حالمة:
ــ مع ذلك.. أنا التي أتحدر من القديس لويس، لدي جلد مغربي مائة في المائة. من يصدق ذلك؟

بقلم: فؤاد العروي

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top