الاحتفال “بإيض يناير2967” إنصافا للذاكرة والثقافة في بعدها الأمازيغي وإغناء للهوية المغربية المتكاملة

يحتفل المغاربة وكل الأمازيغ في شمال إفريقيا يوم غد الخميس 12 يناير 2017 برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2967، وهي فرصة لتسليط الضوء على الاحتفالات المخلدة لرأس السنة الأمازيغية المرتبطة بالمحطة التاريخية المؤرخة للتقويم الأمازيغي بشمال إفريقيا الذي يمتد لأكثر من 33 قرنا، والذي ظل يستند عليه الأمازيغ في زراعتهم وغرسهم، فيما يصطلح عليه بالتقويم الفلاحي، أو “إيض يناير” إيذانا ببداية الاستعداد للموسم الفلاحي ويحيل في نفس الوقت إلى التيمن بالخصب.
بالإضافة إلى ذلك فإن الاحتفال بالسنة الأمازيغية، يعتبر إرثا تاريخيا وثقافيا تختزنه الذاكرة الأمازيغية، وهو تجسيد لمجموعة من القيم الجميلة التي تسود المجتمعات الأمازيغية والمرتبطة أساسا بالتكافل الاجتماعي، حيث تسود، خلال هذا اليوم، مجموعة من الطقوس المجتمعية التي تميز هذا اليوم عن باقي أيام السنة كنوعية الأطباق التي تحضر خصيصا لهذا اليوم، وهي كلها مرتبطة بالأرض وبما تنتجه في إشارة إلى علاقة الإنسان بالطبيعة، وأيضا أملا في سنة فلاحية جيدة، وفاتحة لأبواب الرزق، بالإضافة إلى طقوس احتفالية يشارك فيها كل مكونات الأسرة الأمازيغية.  
كما يقترن شهر “يناير”، وفق ما تتداوله الأسطورة، بكونه طلب من شهر فبراير التخلي له عن أحد أيامه بعد أن تحدّته إحدى العجائز  بالخروج مع عنزاتها الصغيرات لطهو طعامها خارج البيت، في عزّ برده وصقيعه، فما كان منه إلا أن قال لعمه فبراير ”يا عم فبراير أعرني ليلة ونهارا، كي أقتل العجوز المتفوهة بالعار والتي أرادت أن تتحداني”. وكان له ذلك بتخلى فبراير عن يومين من عمره لصالح يناير الذي جمّد العجوز وعنزاتها.
فيما يذهب غالبية الأمازيغ إلى القول بأن نشأة “يناير” تعود إلى حدود الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين التي عرفت جلوس أول ملك أمازيغي على عرشها. واختار الأمازيغ تاريخ 950 قبل الميلاد كبداية للتأريخ للسنة الأمازيغية، وتقول الروايات إن بداية السنة الأمازيغية تعود إلى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على الفراعنة في معركة وقعت على ضفاف النيل سنة 950 قبل الميلاد. ومنذ ذلك الحين شُرع في التأريخ للسنة الأمازيغية.
لكن الاحتفال بالسنة الأمازيغية لم يعد كالسابق يقتصر على الطابع التقليدي، بل أصبح، خلال العقد الأخير، ومع تنامي وصحوة الحركات الأمازيغية، يكتسي طابعا مطلبيا وسياسيا في كثير من الأحيان، حيث يعتبر استقبال عام أمازيغي جديد مناسبة للوقوف عند ما تحقق في ملف القضية الأمازيغية، طيلة السنة الماضية، وترتيب الأولويات بالنسبة للسنة الجديدة.
في هذا السياق، يعتبر قرار “ترسيم” الأمازيغية بجعلها لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، وفق ما أقره دستور 2011، نتيجة حتمية لصيرورة تراكمية لمجموعة من الديناميات التاريخية التي شهدتها القضية الأمازيغية خاصة في العقود الأخيرة، وبالضبط منذ الخطاب الملكي بأجدير سنة 2001 والذي أعلن من خلاله عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مرورا بسنة 2003 حيث تقرر اعتماد حرف “تيفيناغ” لكتابة وقراءة الأمازيغية وصولا إلى خطاب 9 مارس ثم الاعتراف الدستوري بالأمازيغية يوم فاتح يوليوز 2011.  
 إن مشروع القانون التنظيمي لترسيم الأمازيغية الذي أعدته الحكومة والذي تم عرضه في نهاية العهدة التشريعية للبرلمان، خلق جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والمدنية ببلادنا، حيث اعتبر العديد من النشطاء الأمازيغ أن مشروع القانون يروم ترسيم الأمازيغية شكليا ولا ينفذ إلى عمق ما جاء في الدستور، الذي اعتبرها “لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء”، علما أن مشروع القانون التنظيمي الذي أعدته الحكومة وفق منهجية تشاركية، يفصل في كيفية ترسيم الأمازيغية ويضع آليات التفعيل التدريجي للطابع الرسمي للأمازيغية ويحدد رؤية إدماجها في مختلف مناحي الحياة الوطنية خاصة في قطاعات كالتعليم والثقافة والإعلام والقضاء وهي القطاعات التي تكتسي طابع الأولوية.
في المقابل فإن منتقدي مشروع القانون التنظيمي الذي جاءت به الحكومة لا يذهبون حد رفضه بل أقصى ما يطالبون به هو تعديل بعض مقتضياته، وهذا في حد ذاته نوع من الإجماع الضمني على منهجية تدبير الدولة لملف الأمازيغية، وفق ما يؤكده العديد من النشاطين الأمازيغيين، الذين يرون في مشروع القانون التنظيمي تعبيرا صريحا عن الإرادة السياسية للدولة في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
 كما يندرج الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة في سياق استمرار مطالب الحركة الأمازيغية بإقرار يوم 13 يناير من كل سنة عيدا وطنيا احتفاء برأس السنة الأمازيغية، وترسيمه كعطلة رسمية مدفوعة الأجر على غرار الاحتفال بالسنة الميلادية أو السنة الهجرية، بهدف الوقوف على معطيات الحضارة المغربية وتربية الناشئة عليها، إنصافا للذاكرة والثقافة في بعدها الأمازيغي، وذلك بإعطائها فرصة للظهور ولإغناء الهوية المغربية المتكاملة بمختلف مكوناتها.
يشار إلى أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة يتزامن في المغرب بإقامة العديد من التظاهرات الثقافية والندوات الفكرية لتسجيل التنوع الثقافي الذي تعرفه المملكة، وينص دستور 2011 في فصله الخامس لأول مرة على أنه “تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء”.   

محمد حجيوي

Related posts

Top