استضاف البرنامج التلفزيوني “بيت ياسين” الذي يعده ويقدمه الإعلامي المغربي ياسين عدنان وتبثه القناة الفضائية “الغد” الكاتب المغربي حسن أوريد، هنا أبرز الأفكار التي وردت في حديثه.
اللغة العربية لن تكون عبئا علينا
لا يمكن للغة العربية أن تتألق من دون رعاية المسؤولين والساسة، وطبعا هذا يفترض حبها وإتقانها، وهو الأمر الذي كان لفترة وخاصة مع الليبرالية العربية وأخذ يغيب رويدا رويدا، الآن الحديث عن اللغة العربية أصبح شبيها بالكبريت الأحمر في الغالب الأكبر، لا يمكن للغة العربية أن تتألق وترتقي بذاتها أو بقدرة قادر، إذن مسؤولية السياسيين تظل قائمة.
سيكون من العمى أن نتجاهل دور المغاربة الأمازيغ في حماية اللغة العربية، هذا البعد في الشخصية المغربية هو حاضر ثقافيا وسوسيولوجيا ولا يمكن أن نفتح مغالق التراث أو الذاكرة من دون اللغة العربية، وأعتقد كذلك أن دفاعي عن اللغة العربية ينبني كذلك على اعتبارات مصلحية، ستفيدنا اللغة العربية ولن تكون عبئا علينا، بالعكس ستفتح لنا آفاق كبيرة في هذا الفضاء الشاسع، ثم هناك شيء قد يغلب عليه الذاتية، نحن ورثة الأندلس، ينبغي أن نكون حاملي هذا المشعل، ليس فقط في الأدب، بل في روح الأندلس والتي تقوم على التسامح والاعتراف بالآخر ونظرة جمالية للحياة، فلذلك لا يمكن أن ندفع بهذا البعد الذي لن نخجل منه بدون اللغة العربية، هناك اعتبارات ثقافية وسوسيولوجية، ولكن كذلك اعتبارات مصلحية يدفعني للتشبث باللغة العربية.
تحللت من كل الموانع
حينما كنت في المسؤولية (واليا على مدينة مكناس)، كان الهاجس الأساسي هو الدولة بالنسبة إلي، الذي كان يؤطر ويؤثر في توجهاتي هو الدولة، مصلحة الدولة، هل كان للآخرين تصورهم حيالي لا أدري، حكموا علي بأنني أمازيغي، وطبعا الجانب الإبداعي والفكري توارى، لم أكن أكتب، أو حينما كنت أكتب، كنت أقوم بما يطابق توجهات الدولة، بعد 2011 بدأت مرحلة أخرى، لم تعد لدي مسؤولية في الدولة عن خيار، تلك مرحلة انتهت، بما لها وما عليها، فمن دون شك أحمل تأثير مساري، ولكن ليس هناك شيء سيملي علي توجها معينا، لست مرتبطا بهيئة معينة، ولا أتقاضى راتبا من جهاز في الدولة يمكن أن يؤثر في توجهاتي، ولذلك أعتقد أن كتاباتي التي اهتم بها الجمهور هي تلك التي صدرت بعد 2011، لقد تحللت من كل الموانع، ومن كل مسؤولية.
دور المثقف
المثقف مثلما يقال هو ابن بيئته، له مسؤولية، وإلا سيكون من العبث في نهاية المطاف أن يقتصر دوره فقط على الإمتاع والمؤانسة، يعني أنه يحمل هموم المجتمع، وينبغي أن يكون عبارة عن الربيئة الذي يرى الخطأ، من دون شك هو ليس منفصلا عن الجماعة، وليس هناك مجتمع يتطور من دون فكر ومن دون مثقفين، بل بالعكس، المثقفون هم الذين اضطلعوا بدور التمهيد، الثورة الفرنسية بدأت بالأساس مع فلسفة الأنوار، فأعتقد أنه في بلد مثل المغرب، بل في العالم العربي، للمثقفين دور، انسلاخه عن المسؤولية ليس معناه انزواؤه أو انغلاقه في برج عاجي.
للأدب مساحة أوسع من أجل التعبير
الفكرة الواحدة أعبر عنها بأشكال عدة، ففي رواية الموريسكي، كثير من الرؤى التي تضمنتها قد تجدها في “مرآة الغرب” الذي هو كتاب فكري، فكرة واحدة تعبر عن ذاتها بأساليب مختلفة، أنا أرتبط بعلاقة شرعية مع الفكر باعتباري أستاذا للعلوم السياسية، وأعتقد أن الفكر يغتني بالتجربة كذلك، باعتباري أستاذا ينبغي أن أدرس وأفهم وأسعى إلى أن أفهم قضايا معقدة طبعا، ولكن أرتبط بعلاقة عشق مع الأدب، هناك علاقة بالخليلة وهي الأدب، هل أنا موفق هناك أو هناك، لا أدري، لكن لربما أنا أعبر عن أنني مرتبط ومن واجبي أن أقوم بالواجب حيال ما أنا مرتبط به بعلاقة شرعية وهو تدريس العلوم السياسية، وما يستتبع ذلك من قضايا فكرية، للأدب مساحة أوسع من أجل التعبير عن قضايا معقدة، بالإضافة إلى ما يمنح كذلك مجالا أرحب لبلوغ جمهور أوسع، الكتاب الفكري يظل محصورا، فرواية الموريسكي مثلا هي الآن في الطبعة الخامسة.
اللغة تحمل تراثا وذاكرة وتصورا للعالم، قد يحدث نوع من الشيزوفرينيا، هناك أشياء تتجاوز الكاتب طبعا، وهي مرتبطة بالناشر الذي قد يملي مثلا ما يخص العناوين إلى آخره. من الأشياء الطريفة أن كتابي الموريسكي كنت قد كتبته أساسا باللغة العربية وكان قد قرأه من كان رئيسا للحكومة سابقا، فاتصل بي وقال لي إن هذا الكتاب ينبغي أن يكتب باللغة الفرنسية، ينبغي أن يكون حوارا مع الغرب، مع الآخر، من دون شك أن اللغة تمارس تأثيرا على الشخص، قد يفقد جمالية اللغة أو غير ذلك، لكي يكسب من حيث عمق الفكرة، وأعتقد أن كبار المفكرين في المغرب، هم بالأساس مزدوجو اللغة، هذا العمق الفكري لربما ناتج عن الازدواجية.
ينبغي أن نعيش عصرنا
ما معنى أن نرتبط بالإسلام الشعبي ونجافي العصر، لأنه إذا كان من الضروري في نهاية المطاف أن نقيم مطابقة، ينبغي أن نعيش عصرنا، حينما يكون الإسلامي سياسيا، بخرافاته وبشعوذته أحيانا، قد يكون عائقا، فلا ينبغي أن نقع في نوع من الهيام، كما قد يذهب البعض في ما يخص الإسلام الشعبي، في كتابي “مأزق الإسلام السياسي”، ركزت على شيء أساسي، جيد جدا أن تقوم الدولة بتحديث الإسلام وأن تقوم بعض التيارات بأسلمة الحداثة، لكن من الضروري أن نقوم بعملية تحديث، على المسلمين أن يعيشوا عصرهم، وإلا سيكون كل هذا الخيار بين الإسلام الشعبي والإسلام السياسي مضيعة وفي تنافر، لا بد أن نعيش عصرنا، هو الأول في اعتقادي.
الغرب خان مبادئه
النقد ليس هو الرفض، النقد هو مرآة للآخر، والوقوف على الاختلالات، وطبيعة الفكر هي التجاوز، ليس من الضروري أن يبقى تصور ما قائما، ما قمت به، الغربيون أنفسهم يقومون به، هناك تراث وأدبيات نقدية منذ الحرب العالمية الأولى، نظرات لبول فاليري مثلا، من سبنغلر إلى بول كينيدي، هناك أدبيات، المسألة الأخرى هو أنه حينما نتحدث عن الغرب فإننا نتحدث عن منظومة واضعة للنواميس، نحن نتأثر بما يضعه الغرب من رؤى وتصورات، فمن الضروري أن نعرف هذا الوضع، الغرب نفسه خان مبادئه، ولذلك أنا حينما أتحدث عن الغرب، فأنا لا أنتقد القيم، الحرية قيمة كونية، حقوق الإنسان قيمة كونية، حرية المعتقد كذلك، لكن انتقدت الانزياح نحو المادة، حينما يصبح الرأسمال والسوق سيدا، هذا هو الذي انتقدت وهذا الكلام ليس لي فقط، الغربيون أنفسهم يقولونه. الذي حدد خيارات الغرب هو المصلحة، وليس المبدأ، رفعت مبادئ في ما يخص حقوق الإنسان، نزاع الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، من يستطيع أن يجرؤ على القول بأن الغرب كان نزيها واحترم مبادئه. فهذه القسوة نابعة من قسوة الواقع، وليست مجانية.
أنا لم أبرئ الغرب في كونه السبب في كل ما نعيشه اليوم من مشاكل، ونعرات طائفية وتنظيمات إرهابية، وفهم هذه الظاهرة ليس معناه تبريرها، الذي حاولت أن أقوم به هو السعي لفهم هل يمكن أن نفصل ما عرفته المنطقة من اهتزازات ومشاكل بنيوية بما فيها داعش، عن حرب 2003 على العراق، الآن الغربيون أنفسهم يقولون بأن تلك لحظة مفصلية هدمت بناء منظومة بدون أن تقدم بديلا، هناك خبراء في الإرهاب منهم أوليفيا غوان، يربط ظهور ظاهرة مثل داعش ليس لاعتبارات مرتبطة بالثقافة الإسلامية، ولكن لاعتبارات مرتبطة كذلك بالغرب، وكرد فعل، المسألة معقدة، هذا لا يعفينا من المسؤولية، ولكن من العمى أن لا ننظر إلى مسؤولية الآخر في ما عرفته المنطقة.
أنا نتاج الثقافة الغربية وأقرأ ما يكتب في ما يخص الإسلام السياسي، بلينيل في كتاب شهير اعتبر أن الإسلاموفوبيا ناتج عن نظرة تحقيرية للمسلم، ربما في فترة كان اليهودي في موضع الاحتقار، أو في ما يسمى باللاسامي، حاليا تحولت النظرة ضد المسلم وضد العربي عموما. نحن ندرك أنه بعد سقوط حائط برلين، هناك بحث من أجل نصب الآخر عدوا، هناك مقولة مشهورة لأحد من مسؤولي ما كان يسمى الاتحاد السوفياتي، حين قال لمسؤول أمريكي إننا نقدم لكم خدمة سيئة، إننا نحرمكم من عدو، ويكفي المرء أن يقرأ الأدبيات التي تناسلت بعد سقوط حائط برلين، لكن معرفة الآخر والسعي لكي ننتصب كمرآة، لا يعفينا من النظر إلى أنفسنا.
الرهان الأكبر
هل لدينا نخب؟ أعتقد أنها موجودة، عارفة لما يعتمل، على اطلاع، هل لدينا الأذن الصاغية على مستوى أصحاب القرار وعلى مستوى المجتمعات؟ أعتقد أن هذا هو المشكل، المجتمعات تغلب عليها ثقافة محافظة، ولذلك المشكل مطروح بالنسبة للمثقف، لربما هو الأذن الصاغية، ولذلك ينبغي وهذه مسؤولية كل مثقف، أن نربي مجتمعا قادرا على الإصغاء، هذا ربما هو الرهان الأكبر والتحدي الأكبر.
من حق المثقف أن يخطئ، نحن لا نتحدث عن المثقف كشخص مالك للحقيقة، من الضروري أن نقر كذلك أن التناقض هو جزء من الحياة ومن مسيرة المثقف، هو ليس آلة في نهاية المطاف.
اعده للنشر: عبد العالي بركات