مفارقات
قال الأستاذ الجامعي أحمد شراك، إن المجتمع المغربي والعربي ككل، عرف ويشهد تحولات كبيرة اليوم، لاسيما بعد الربيع العربي الذي أتى بخمس قيم بحسبه، وهي؛ الكرامة، العدالة، المساواة، الوحدة، والحرية التي اعتبرها الأهم في هذه الأركان.
وأكد أحمد شراك، أثناء حديثه في ندوة حول “التحولات المجتمعية في عيون السوسيولوجيا” بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، التي سيرها عبد اللطيف كداي، أن التحولات تمت بشكل جيد على مستوى الوعي الجماعي، من خلال الحركات الاحتجاجية التي شهدتها مختلف الدول العربية.
وأبرز شراك الأستاذ الجامعي بشعبة علم الاجتماع، بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن البنيات التحتية للدول تغيرت بشكل فوقي وعمودي بمعنى أن الأمور لا زالت على حالها (بنية الدولة)، بالرغم من التحرك المجتمعي، والتحول الذي طرأ عليه، مؤكدا أن الربيع العربي مستمر في المطالبة بهذه القيم.
وانتقل أحمد شراك إلى الحديث في مداخلته بعنوان “القيم والتحولات الاجتماعية”، عن كيف أصبح المجتمع يعالج ويناقش سلسلة من القضايا المسكوت عنها والتي أصبحت مثار النقاش العمومي، من قبيل، الدين، والجنس، والحرية الفردية، متسائلا هل هذه الحرية مقيدة بشروط، أم أنها خاضعة لضمير فردي وجماعي ؟.
وقدم شراك بشكل تلميحي مجموعة من السلوكات التي طفت على السطح خلال السنوات الأخيرة، والمتعلقة بالحياة الفردية، لاسيما في صفوف ما أسماه بتيار “الإسلام السياسي”، الذي أصبح هو الآخر ينتصر لقيم الحداثة بالرغم من دعوته إلى التشبث بقيم المحافظة.
وأوضح الأستاذ الجامعي، أن هذه السلوكات لم تعد مشاعة بين المواطنين المدنيين فقط، بل أصبحت متواجدة حتى في الجهاز التنفيذي، والمؤسسات الرسمية والجمعوية، مشددا على ضرورة تحليل هذه الظواهر الجديدة في وسط المجتمع المغربي، استنادا إلى اعتماد المناهج السوسيولوجية.
ودعا أحمد شراك، إلى الانتصار لقيم الحداثة بمعناها الشمولي وليس الجمالي والعمراني فقط، مسجلا بأن الربيع العربي استوعب في حداثته كل النخب وهي مؤشرات إيجابية وليست سلبية، دفعت بمجموعة من التيارات الإيديولوجية إلى مراجعة ذاتها.
وزاد موضحا شراك، بأن هذه التيارات بدأت تتراجع عن بعض مواقفها، بعد الوعي بالمفارقة بين الخطاب والممارسة الفعلية التي لا علاقة لها بما هو روحي، في إشارة إلى الدين، موضحا بأن التدين هو حق إنساني وكوني ولا سلطة لأحد عليه.
انحصار
من جهته، شرح عبد الرحيم العطري واقع المجتمع بمداخلة عنونها بـ “المجتمع في قلب التحولات”، مؤسسا إياها على ثلاثة عيون؛ عين العقل، وعين العدل، وعين العمل، مشددا على هذه الأخيرة، لأن العمل وفقه حاضر في كل المجالات.
وقدم العطري، ثلاث عتبات في هذا الصدد، الأولى، سياق المزيد، حيث لا زال الانتماء إلى حضارة المور التي يسعى مواطنوها إلى البحث عن الجمال والسرعة، والتقنية.. وهو ما أدى إلى تفكك المؤسسات الاجتماعية.
وأبرز الأستاذ الجامعي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن المجتمع أصبح يتصف أيضا بالعنف والعنف المضاد على جميع المستويات، من تم فإن مهمة السوسيولوجي، وفقه، يجب أن “يرفع السحر والقداسة عن جملة من القضايا والمواضيع”.
وزاد المتحدث موضحا، في مداخلته، بأن الصراع اليوم هو صراع حول السلطة، الدين، الثروة، الملكية والأرض، وهنا الحديث عن السياق الثاني، وهو سياق الصراع، فضلا عن صراع القيم، بمعنى هل يجب أن نختار بأن تكون الدولة مدنية أو علمانية أو إسلامية ؟.
وزاد عبد الرحيم العطري متسائلا، هل الهزات التي تحدث حاليا، هزات كبرى أم أن الأمر لا يعدوا أن يكون مجرد تحولات طارئة، يجب أن ينكب عليها السوسيولوجي بالدرس والتحليل والمقارنة.
وتحدث العطري عن مرحلة المغرب المستقل، أو ما أطلق عليها بـ”أيديولوجية الاستقلال”، حيث ظهرت مع هذه الفترة سلسلة من الأسماء والمسكوكات الأيديولوجية من قبيل؛ النخب الجماعية، الملك محمد الخامس يظهر في القمر، والمخزن ..
وقال الأستاذ في شعبة علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس، إن المغرب يعرف حاليا عسر الانتقال، ومفتوح على الحصر، حيث لا زال المجتمع مستمرا في التفكك، إذ أن كل فرد أصبح يشتغل بمفرده في معزل عن الآخر، رغم العيش في محيط مشترك، بل وتحت سقف بيت واحد.
وخلص الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري، في السياق الثالث والأخير، بأنه يمكن أن نصل إلى مشروع مجتمعي، لكن شريطة خلق توازن في السلط، وكذا العمل بعين العقل، وجعل الملك العام مشتركا بين الجميع، مرددا التاءات الثلاثة للنهوض بالمجتمع وهي؛ “تاء التنوير والتغيير والتحرير”.
صراعات
من جهتها، اختارت فوزية برج، الحديث في الندوة ذاتها عن السياسية الإيكولوجية واللاعدالة حول الموارد الطبيعية بالمغرب، مشيرة إلى تزايد الصراعات الاجتماعية منذ سنة 2011، نتيجة تدهور النظام الاجتماعي-البيئي على المستوى الوطني والإقليمي.
وتحدثت فوزية برج، عن الحقوق الإيكولوجية، كباقي الحقوق الأخرى، كالحق في الماء، والرعي في الأرض، حيث يتم تدبير الندرة ببعض المناطق لاسيما بالأقاليم الجنوبية التي أنجزت بها بحثها الأنثروبولوجي بزاكورة.
وتساءلت برج، عن السياسة الإيكولوجية للدولة في هذا الصدد، منتقدة تدخلها السلطوي في هذا الإطار، حيث تم تعزيز السلطة بهذه المناطق، استنادا إلى تدخل المؤسسات الرسمية التي تتكلف بتمرير رخص مشاريع استثمارية، لفائدة منظمات دولية، وكذا شخصيات ذات نفوذ بالجهة.
وأشارت الأستاذة الجامعية بكلية عين الشق بالدار البيضاء، إلى أن الدولة أصبحت مرهونة لفائدة منظمات مانحة، تقدم الدعم المادي من أجل إحداث بعض المبادرات التنموية !، إذ أصبح بحسبها الولوج إلى الموارد صعبا، الأمر الذي فرض التحول نحو إدارة وتدبير الموارد بطرق اجتماعية أخرى، على غير السابق.
ووقفت المتحدثة، عند الحروب والصراعات التي تدور مثلا في الواحات الجنوبية حول الماء، وكذا تدبير الحدود بين أراضيها، مششكة في الخطابات الدولية حول الماء والبيئية والتدبير الإيكولوجي، الذي كان منذ الفترة الاستعمارية ولا زال مستمرا إلى اليوم.
وشككت فوزية برج في كل هذه الخطابات، مشيرة إلى أن لها علاقة بالمال، ذلك، أن العديد من الشركات تركب على هذه الموجة من أجل بيع سلعها وتصديرها نحو دول الجنوب، وهو ما أطلقت عليه اسم “البيئية المعولمة”، حيث أصبح المزارعون ملزمون بزيادة مجموعة من التكاليف الإضافية، مقابل آلات تقنية معينة.
ورشحت برج ارتفاع الحركات الاحتجاجية في المستقبل، بسبب تدبير الموارد الطبيعية، خصوصا الماء، الذي أثار ضجة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، كان آخرها بمدينة زكورة، حيث تعالت مجموعة من الأصوات مطالبة بردم الآبار التي يستغلها بعض المستثمرون في المنطقة، مطالبة بضرورة حماية حقوق باقي الفئات الاجتماعية.
واستنتجت الجامعية فوزية برج في الأخير، إلى أن السلطة السياسية هي التي أصبحت تدبر الموارد الطبيعية سواء تعلق الأمر بالمجال الحضري أو القروي، الذي تقبل فيه الساكنة على الأنشطة الفلاحية وتحتاج إلى موارد مائية كافية.
جدير بالإشارة في الأخير، إلى أن السوسيولوجيا في المغرب راكمت تجربة مهمة، منذ بول باسكون، مرورا بمحمد جسوس والخطيبي وفاطمة المرنيسي، وغيرهم من الباحثين المؤسسين لقواعد وأسس هذا الدرس داخل الجامعة المغربية.
هذا بالإضافة إلى الجيل الجديد من الباحثين الجدد، الذين أنتجوا كما مهما من الأبحاث والدراسات التي سعت إلى التنقيب في القضايا الغميسة والمهملة ذات التأثير العميق والمباشر في حياة مجتمعنا المغربي. من هنا سعى المشاركون في هذه الندوة إلى إثارة الانتباه إلى التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي في مطلع هذه الألفية الثالثة.
يوسف الخيدر