من الصعب إقناع الأجيال الجديدة التي تربت على القراءة في الكتاب الالكتروني؛ بأن أفضل وسيلة لتحصيل المعرفة لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الكتاب الورقي.
مهما عرفناهم على مزايا الكتاب الورقي؛ فإن ذلك لن يصرفهم عن التعاطي مع وسائط الاتصال الرقمية.
هناك أفراد من هذا الجيل لم يسبق لهم أن أمسكوا كتابا ورقيا بين أيديهم فأحرى أن يقرأوه ويطلعوا على ما يحمله من أفكار وفصول، بالرغم من أنهم قطعوا أشواطا بعيدة في متابعة الدراسة.
الكتاب الورقي بالنسبة إليهم، ليس عمليا، بمعنى أنه يتطلب جهدا لنقله من مكان إلى آخر، وأنه يشغل حيزا أكبر، كما أن مجرد تقليب صفحاته يبعث على الضجر.
إنه شيء عتيق.
الكتاب الورقي حسب منظورهم محدود من حيث عدد صفحاته، وأنه لا يمكن حمل سوى أعداد قليلة من الكتب أثناء البحث في موضوع ما أو القيام بدراسة معينة، في حين أن الوسائط الرقمية تتيح هذه الإمكانية، بإمكان الواحد منا أن يحمل مكتبة بكاملها بين كفيه دون أن يشعر بثقلها.
الكتاب الورقي حسب الأجيال الجديدة لا يسمح بالوصول إلى المعلومات التي نكون بحاجة إليها دون إتمام قراءته من البداية إلى النهاية، بينما الكتاب الرقمي يضع في متناولنا شتى الطرق لبلوغ الفكرة المنشودة، دون ضياع وقت أكبر.
لكن هل هذا الأسلوب المعتمد على ما هو رقمي إلكتروني، يعد ناجعا في تحصيل المعرفة؟
الكثيرون ممن اعتادوا على طلب العلم عن طريق الويب والنسخ الرقمية، لا يكادون يحتفظون في ذاكرتهم بأي شيء مما اطلعوا عليه. يقولون إنهم احتاجوا إلى معلومة ما في لحظة محددة وحصلوا عليها في ذات اللحظة دون متاعب كثيرة، وانتهى الأمر، وأنهم لا ينشغلون كثيرا بمسألة الحفظ ما دام أن الأنترنت في متناولهم في كل حين.
لقد تم تعطيل دور الذاكرة الإنسانية والفكر الإنساني، وصارت الآلة تتذكر بدلا منا وتفكر بدلا منا وتعمل بدلا منا كذلك.
هل هذه هي الرفاهية؟ هل الرفاهية هي أن يحذف الإنسان نفسه من الوجود؟
صحيح أن وسائط الاتصال الالكترونية يسرت الكثير من الصعاب المقترنة بالبحث عن المعرفة والوصول إليها، لكن في المقابل أصابت جزءا هاما من قدراتنا الذهنية ومهاراتنا الفكرية بالعطب، شلتها تماما، على اعتبار أن الإنسان بطبعه ميال إلى ما هو سهل ويسير ولا يتطلب متاعب ومجهودات.
لا ينبغي أن نستغرب تبعا لذلك إذا صعد جيل يعزف عن القراءة أو أن مخزونه المعرفي أقل بكثير من المخزون المعرفي الذي تتوفر عليه الأجيال السابقة.
الصورة والفيديو والرسالة القصيرة.. وما إلى ذلك، هي المراجع الأساسية التي صار يعتمد عليها الجيل الجديد من القراء، وما أتفهها من مراجع.
عبد العالي بركات