في إطار الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان

 ترتبط  حرية الصحافة بمبدأ حرية الرأي والتعبير الذي يعد من المبادئ الأساسية الكبرى في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان. وقد توسعت هذه الحرية حد التضخم بفعل ما أفرزته التطورات المتعاقبة لتكنولوجيات الإعلام الحديثة، حيث أدى الإفراط في التذرع بهذه الحرية عند استخدام هذه التكنولوجيات إلى المساس بحقوق الإنسان الأخرى نتيجة لكون فضائها صار أكثر رحابة في ظل مجتمع المعلومات. لقد أثرت ثورة المعلوميات بفعل الاستخدام الواسع للكمبيوتر في مختلف المجالات، وازدادت تأثرا مع الانتشار الواسع للشبكة العنكبوتية. فصار العالم كنتيجة لذلك عبارة عن قرية إلكترونية صغيرة مرتبطة بمجموعة من الحواسب تكاد تنتفي فيها الحدود الجغرافية والسياسية، فأصبح في ظل هذا الواقع مفهوم السيادة بلا معنى، وصارت قوة الدولة تقاس بمدى قدرتها على امتلاك المعلومات وسرعة نقلها. وكنتيجة لذلك ظهر ما اصطلح عليه بالمجتمع المعلوماتي أو المعرفي،الذي تشكل فيه المعلومات المادة الخام للإنتاج.
 لكن الانتشار الواسع لمجتمع العلم والمعرفة، أدى إلى المساس بحياة الأفراد الشخصية والحميمية، كما قاد إلى المساس بحقوقهم الأخرى. وبفعل انتشارالانترنيت واستخدامه استخداما سيئا، يتم المساس بحقوق الإنسان تحت مبرر حرية الرأي والتعبير. ومن هنا يطرح وبإلحاح ضرورة إخضاع العمل الصحفي لاحترام مبادئ الأخلاق وحقوق الإنسان، وخاصة تلك المرتبطة بحرية الرأي والتعبير، المنصوص عليها في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.
 إن ما هو مضمن في هذه الاتفاقيات يفرض على الصحافة بمختلف أنواعها، ورقية وإلكترونية، عدم المساس بحقوق الإنسان تحت مبرر حرية الرأي والتعبير، بما فيها التكنولوجيات الحديثة للإعلام وبالخصوص الصحافة الإلكترونية، فالأمم المتحدة قد تنبأت بمدى تأثير هذه التكنولوجيات على حرية الرأي والتعبيرفي المؤتمر الأول لحقوق الإنسان بطهران في ماي 1968. وتمت إعادة تأكيده في مؤتمر فيينا الثاني لحقوق الإنسان 1992. ويحصل الشيء نفسه، ولكن بصورة أكثر تفصيلا ووضوحا، في مؤتمرات مجتمع المعلومات  وبالخصوص قمة تونس 2005.
إن حرية الصحافة ليست مطلقة، بل تحدها حدود، ومكبلة بقيود مفروضة بموجب القانون، وتشدد على هذا الأمر مختلف المواثيق والإعلانات الدولية بصورة جد ملحة. وقد تم التنصيص على هذه القيود، على سبيل المثال لا الحصر، في المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما نجدها في اتفاقية حقوق الطفل، وبالخصوص المادة 13 منها، وكذلك في المادة 13 من “الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم” التي أكدت على حقهم في حرية التعبير، مع خضوع هذا الحق لقيود حددتها في فقرتها الثالثة .
  ويتضح أن المواثيق الدولية، على الرغم من تأكيدها على حرية الرأي وحق التعبير عنه، فإنها لم تجعلها حقاً مطلقاً متحرراً من أي قيد ومن أي ضابط. كما يتضح أن من بين أهم الضوابط لممارسة هذا الحق، احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، وعدم التحريض على الكراهية القومية أوالعنصرية أوالدينية.
 إن دول العالم الإسلامي معنية أكثر من غيرها بموضوع تقنين هذه الظاهرة، من أجل تفادي الانحرافات الناتجة عن الاستخدام السيئ واللاواعي، وأحيانا اللاأخلاقي للصحافة، حيث يتم بموجب ذاك المساس بحقوق الآخرين وحرياتهم تحت مبرر حرية الرأي والتعبير. وفي مقابل ذلك يتعين على هذه الدول تشجيع حرية الصحافة الورقية والإلكترونية وعدم منع إصدار الصحف، واللجوء إلى حجب المواقع، ومتابعة المدونين تحت ذرائع واهية لم يقررها القانون الداخلي للصحافة  والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للإعلام.
 من هذا المنطلق، قررت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة- إيسيسكو-  في إطار تنفيذ خطة عملها في مجالي الإعلام والاتصال، عقد ثلاثة اجتماعات حول (حرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان في العالم الإسلامي ) يومي 10 و11 ديسمبر 2015، الأول في مقرها بالرباط ( عن المنطقة العربية)  والثاني في مدينة ياموسوكري في الكوت ديفوار( المنطقة الإفريقية)، والثالث في مدينة  ألماتا في جمهورية  كازاخستان ( عن المنطقة الأسيوية )، وذلك احتفالا باليوم العالمي لحقوق الإنسان. وسيتم خلال هذه  الاجتماعات الثلاثة تدارس كيفية التوفيق بين احترام حرية الصحافة وحرية تدفق المعلومات والمعارف والأفكار في المجتمعات الإسلامية، مع الطابع العالمي لحقوق الإنسان.
 وتهدف هذه الاجتماعات إلى تحديد معيقات حرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان في الدول الأعضاء في الإيسيسكو، وإبرازمتطلبات تعزيز حرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان، والتوعية بالأبعاد الأخلاقية والقانونية  للصحافة  في هذه الدول. وسيتم خلال هذه الاجتماعات عرض و تقييم تجارب الدول الأعضاء، على مستوى المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في مجال تعزيز حرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان، ودراسة المتطلبات التشريعية والمؤسساتية لتعزيز حرية الصحافة في هذه الدول، ومناقشة سبل التوفيق بين احترام حرية الصحافة وحرية تدفق المعلومات والمعارف والأفكار في العالم الإسلامي .وسيشارك في هذه الاجتماعات عدد من ممثلي المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الإقليمية والمحلية المعنية بالإعلام والاتصال وحقوق الإنسان، والأساتذة والخبراء في القانون الدولي وحقوق الإنسان والإعلاميين والطلبة الباحثين.

Related posts

Top