أكد المستشار عبد اللطيف أوعمو أن نص القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي يحمل جوانب إيجابية كثيرة، مضيفا، في مداخلة له خلال الجلسة التشريعية المخصصة للمصادقة على مشروع قانون – إطار أن هذا النص يوحي ببوادر ورش تشريعي وتنظيمي مواكب وطموح. فيما يلي النص الكامل للمداخلة
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة الوزراء المحترمين،
السيدات والسادة المستشارين المحترمين،
يشرفني أن أتناول الكلمة باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين، في هذه الجلسة التشريعية المخصصة للمصادقة على مشروع قانون – إطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
إن محطة المناقشة والمصادقة على مشروع قانون – إطار خاص بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، لهي بحق محطة هامة وسابقة في التشريع المغربي، أريد لها أن تجيب على أهم تحديات قطاع التعليم، باعتباره نصا استحضر العديد من المرجعيات، وضمنها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بجانب الإرادة الملكية في تحويل الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030 إلى مشروع قانون إطار، إضافة إلى الإرادة الجماعية السياسية التي تلخص انتظارات الفاعلين التربويين والاجتماعيين والمجتمع المغربي برمته لتحقيق الإصلاح المنشود.
ويشمل مشروع قانون – إطار رقم 51.17 جميع مكونات المنظومة التربوية، من التعليم الأولي إلى التعليم الجامعي، مرورا بقطاعي التكوين المهني والبحث العلمي، في سعي نحو الإصلاح الشمولي والمندمج.
ومن أهدافه تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص وإعطاء دفعة قوية لإلزامية التعليم بجانب اعتماد مبدإ التمييز الإيجابي لفائدة الأوساط القروية وشبه الحضرية والمناطق ذات الخصاص
إن الرهان الآني والمستقبلي لمنظومتنا التربوية، هو هل نحن قادرون على بناء مواطنة ومواطن الغد وفق مقومات القدرة على التفكير وقابلية الإبداع والنقد، والانفتاح على العالم، والتفاعل مع المستجدات بإيجابية؟ أم سنقتصر على شحن وتفريغ ناشئة نمطية وقوالب بشرية على هوانا، لنحصل على مواطن قاصر مسلوب الإرادة وضعيف العزيمة والقدرة على التأثير في الأحداث وفي محيطه؟
وحسبنا أن يساهم إقرار وتبني مشروع قانون – إطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في إضافة لبنة قوية إلى صرح بناء مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء بالفرد والمجتمع، بإضفاء المرجعية التشريعية المؤطرة والمشروعية القانونية والانسجام المؤسساتي علـى الإصـلاح التربوي المنشود فــي أفق سنة 2030.
إنه رهان سياسي وثقافي بامتياز، لا يمكن اختزال النقاش الدائر حوله في نقطة أو نقطتين – رغم أهميتهما – فالمشروع جاء بالعديد من المكتسبات التي همت كل مكونات المنظومة.
ويبقى مشروع قانون – إطار رقم 51.17 آلية أساسية لا مناص منها لتأطير وتوجيه السياسات العمومية في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي، قد تخرج القطاع التربوي من حالة التخبط والفوضى التدبيرية التي يعيش فيها منذ عقود، بسبب ضعف الإرادة المشتركة لكل الفاعلين والمتدخلين، وبفعل تناقض السياسات والبرامج، وتضارب الإصلاحات المتوالية وإصلاح الإصلاحات وتعارض البرامج، وتناقض الاستراتيجيات
إن نجاح أي مشروع وطني، من هذا القبيل، يتطلب تعبئة وطنية شمولية بروح وطنية وبالتزام ومسؤولية، من منطلق أن قضية التربية والتكوين تعتبر أولوية وطنية، ترهن المسار الديمقراطي والتنموي للبلاد.
ويجب أن نثير الانتباه، إلى أن تفعيل وبلورة وتنفيذ القانــون الإطــار، لا يتطلب الالتزام التشريعي بالأهداف والغايات الواردة في مضامينه فحسـب، بل يقتضـي أيضـا التـزام الدولة والحكومة والسلطات الحكومية المختصة بتوفيـر الظروف الملائمة لتنفيذهـا، ومن ضمنها احترام الآجال والمدى الزمني المقرر لتنفيذ الالتزامات:
فقد تقرر اعتماد أجل 3 سنوات لإرساء التعليم الأولي لفائدة الأطفال من 4 إلى 6 سنوات ودمجه ضمن مكونات التعليم المدرسي (المادة8) وكذلك لإنجاز برنامج وطني لتأهيل مؤسسات التربية والتكوين وفق معايير مرجعية (المادة 22) بجانب تعميم خدمات الدعم النفسي وخلايا الوساطة ووضع مخطط وطني متكامل للتربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة (المادة 25). كما اعتمد نفس المدى الزمني لعرض الإطار والدلائل المرجعية (المادة 28).
فيما حدد أجل أقصاه 6 سنوات لتنويع العرض التكويني المهني بجميع مستوياته وأصنافه، وكذلك لتعبئة الوسائل لتعميم تمدرس الفتيات في البوادي وتوسيع نطاق تجربة المدارس الجماعاتية ووضع برنامج التمدرس الاستدراكي (المادة 20)، بجانب سد الخصاص في عدد مؤسسات التربية والتعليم بشريا وماديا (المادة 22) وتأهيل المتعلمين للتملك الوظيفي للغات الأجنبية (المادة 31)
وتقرر من جهة أخرى، اعتماد أجل 10 سنوات لضمان استدامة التعلم والسعي من أجل القضاء على الأمية ومسبباتها ومظاهرها، إضافة إلى الالتزام بإدراج التعليم الالكتروني تدريجيا في أفق تعميمه.
كما يتعين الالتزام الصريح والدقيق بالورش التشريعي والتنظيمي المواكب، حيث يتضمن مشروع قانون – إطار رقم 51.17 إصدار مراسيم ونصوص تنظيمية، وتشريعات خاصة، بجانب النصوص التشريعية والتنظيمية التي ستنسخ أو تعوض أو تعدل النصوص الجاري بها العمل.
هذا إضافة إلى البنيات المحدثة من لجن دائمة ومجموعات عمل متخصصة واعتماد آليات للتنسيق ووضع مخططات عمل ووضع دلائل مرجعية وإطار وطني تعاقدي … وغيرها من الآليات والبنيات التي يتعين مواكبتها وتفعيلها بجدية والتزام صريح ودقيق عن طريق تحديد توجهات تشريعية وتنظيميـة وماليـة مواكبة واتخاذ تدابير مؤسساتية وميدانية، تترجم الرغبة والجدية في الأداء وتضفي المصداقية السياسية على الدينامية الإصلاحية ككل، وتتفادى إغراق المنظومة التربوية في مزيد من تضخم الجهاز البيروقراطي .
السيد الرئيس المحترم،
أيتها السيدات، أيها السادة،
لا بد هنا من الإشادة بإدراج التعليم الأولي ضمن مكونات التعليم المدرسي وبإعطاء دفعة قوية لإلزامية التعليم والإقرار بمجانية التعليم العمومي، باعتبار أن التعليم حق من حقوق الإنسان ورافعة لتحقيق الكرامة.
كما نشيد بإدراج البعد الجهوي في بناء وهيكلة وتدبير منظومة التكوين المهني، واستحضاره في هندسة التكوينات وفي تنويع العرض التكويني، ونثمن في ذات الوقت التدابير المتخذة لإصلاح التعليم العالي والنهوض بقطاع البحث العلمي وتطويره وتثمينه والرفع من مردوديته.
ونثمن الدعوة القوية إلى مساهمة الجماعات الترابية والقطاع الخاص ومختلف الهيئات العامة والخاصة الأخرى في تحقيق أهداف إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
كما نعتبر في ذات الوقت أن الاستثمار في المدرسة العمومية أساسي وجوهري، وهو الرافعة الرئيسية للتنمية المستدامة والدعامة الأساسية للنموذج التنموي للبلاد. وأن تعميم التعليم العمومي وتجويده وفرض إلزاميته، واجب على الدولة.
لكننا نلاحظ أن نسبة مساهمة مؤسسات التربية والتعليم والتكوين التابعة للقطاع الخاص في الجهد التربوي الوطني في تزايد. ففي بداية الألفية العاشرة، كانت حصة القطاع الخاص لا تتعدى 4 %، وهي اليوم في حدود 15 % بحوالي مليون طفل مغربي يدرسون بالقطاع الخاص.
وهذا يسائلنا حول دور القطاع العام في مجال التربية والتكوين، وحجم الاستثمار العمومي في المدرسة العمومية، وتشجيع القطاع الخاص في المجال، والذي لا تتعدى نسبته في أقوى الدول ليبرالية 10 % . ففي تونس وتركيا، لا يمثل القطاع الخاص إلا 1 إلى 2 % من المساهمة في الجهد التربوي والتكويني الوطني.
ونحن هنا لسنا ضد مساهمة القطاع الخاص في تحقيق أهداف المنظومة، لكننا نتحفظ من إخضاع قطاع التربية والتكوين لاقتصاد السوق أكثر فأكثر، والتوجه الخطير والمتصاعد نحو تبضيع قطاع التربية والتعليم والتكوين في ظل ضعف استثمار الدولة في القطاع العمومي للتربية والتكوين، والذي له
انعكاس مباشر على حجم مساهمة القطاع الخاص في الجهد التربوي والتكويني الوطني.
من جهة أخرى، يمكن التأكيد اليوم على أن نجاح أو فشل مشروع قانون – إطار رقم 51.17 في تحقيق أهدافه ووظائفه رهين بحسن تدبير مساره التواصلي مع ذاته ومع المجتمع ككل.
فلا شك أن إمكانية التعبئة حول الإصلاح أهم من مضمونه، ليقتنع به المواطنون ويتملكوه.
ومن أهم حلقات الإيمان بالإصلاح، تعبئة وإقناع الفاعلين داخل المنظومة. فوضع المتعلم في قلب المنظومة عنصر جوهري للنجاح، واعتبار الاهتمام بالموارد البشرية (من تربويين وإداريين وغيرهم) وقود المنظومة ومحركها الأساسي في جوهر الإصلاح المنشود.
وهذه التعبئة تحتاج إلى عمل تواصلي احترافي يبتعد عن تكتيكات الإصلاحات الانتقائية ويندرج فيما يسمى بـــ “قيادة التغيير” داخل المنظومة، ويضع نساء ورجال التعليم في القطاع العمومي في قلب الاهتمام ويضع الاستثمار في العنصر البشري أساسا لإعادة التوهج للمدرسة العمومية، ويوظف المهارات التواصلية ومختلف وسائل الاتصال، وضمنها الإعلام الرقمي البديل.
لأن تدبير النقاش العمومي داخل قبة البرلمان وخارجه، وتركيز النقاش في قضايا ونقط دون أخرى، ابان عن ضعف في التقدير، ويجعل الرأي العام يحيد عن جوهر الإصلاح، ويسائلنا حول موقع المنظومة التربوية في المجتمع، وعن حسن تسويقنا لها
مما يؤشر عن ضرورة اعتماد منهجية لتدبير الاختلاف دون التضحية بالجوهر. فهذا الورش الوطني الهام، يقتضي الانخراط الواعي والواسع والمسؤول للجميع، من أجل كسب هذا الرهان وتحقيق أهدافه، لأن المدرسة المغربية توجد اليوم في قلب المشروع المجتمعي وفي صلب النموذج المجتمعي، نظرا للأدوار المنوطة بهــا في تكوين مواطنات ومواطني الغد، وفي تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وإصلاح منظومة التربية والتكوين جزء من دمقرطة الدولة والمجتمع.
السيد الرئيس المحترم،
أيتها السيدات، أيها السادة،
إنها مناسبة لنحيي جميع أعضاء لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية الذين لم يدخروا جهدا لبلورة حل جماعي وتوافقي حول القضايا الجوهرية في مشروع قانون – إطار هذا.
كما نحيي السيد الوزير على تجاوبه وحسن إنصاته لمختلف المقترحات والتعديلات والآراء المعبر عنها.
إن ما يحمله هذا النص من جوانب إيجابية كثيرة، وما يوحي به من بوادر ورش تشريعي وتنظيمي مواكب وطموح، يجعلنا ننخرط فيه بقوة وعزيمة وإرادة في بناء مدرسة عمومية قوية تكون في مستوى طموحات الشعب المغربي، وسنصوت بالإيجاب عليه.
< عبد اللطيف أوعمو