شدد عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية كريم تاج، على أن احتفال الشعب المغربي بذكرى عيد الشباب، يعد مناسبة مواتية لاستحضار الحصيلة الواعدة للإنجازات التي تحققت ببلادنا طيلة عقدين من الزمن، منذ تولي جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة نهاية عقد التسعينيات، واصفا هذه الحصيلة بأنها “واعدة واستثنائية بالنظر لأنها همت مجالات متعددة، ظلت لعقود في منأى عن أي إصلاح”، مؤكدا أنه “لا بد من أن نستحضر، باعتزاز هنا، ما تحقق من إصلاحات على مستوى مصالحة المغرب مع ماضيه، وهي المصالحة التي تمت على المستوى الحقوقي والسياسي والديمقراطي، والإشارة هنا إلى تجربة الإنصاف والمصالحة الاستثنائية التي رفعت شعارا طموحا قوامه حتى لا يتكرر ما جرى”.
طبعا، هذا الإصلاح الواعد، يقول تاج في تصريح لجريدة بيان اليوم، مكن من قراءة موضوعية لواقع حقبة سوداء في تاريخ بلادنا، لأنه لم يتم تفعيل كل المخرجات الأساسية التي أثمرتها هذه الفترة والتي نتجت عن هذا الورش الكبير، ولكن يمكن القول إن المغرب وملك المغرب والقوى الوطنية الأساسية والجادة في المغرب، مكنت آنذاك بلادنا، بفضل روح التعبئة التي بثها جلالة الملك في السنوات الأولى لتوليه عرش المملكة، من مباشرة الإصلاح الواعد.
واعتبر أن “هذا الإصلاح مكن من قراءة متأنية لفترة كانت فيها تجاوزات كثيرة، حيث فتحت الأبواب من أجل تجاوزها، والحرص على عدم تكرار ما جرى، وطبعا هذا الورش لا زال مفتوحا إلى الآن، ونأمل أن يتم تأطير كل ذلك من خلال عمل مؤسساتي يقوي عمل المؤسسات الديمقراطية، ويقوي الحكامة الأمنية، ويرسخ أكثر فأكثر الاحتكام إلى معايير وقواعد حقوق الإنسان وتكريس الحريات العامة والخاصة ببلادنا”.
وفي السياق ذاته، سجل كريم تاج أن هناك ورشا آخر واعدا تمت مباشرته في هذه الفترة، وهو المتمثل في النهوض القوي بوضعية المرأة وتحقيق المساواة، حيث انتصر جلالة الملك، بشكل لم يكن ينتظره الجميع، للمشروع الحداثي الديمقراطي الذي تحتل فيه المرأة المكانة اللازمة، وذلك من خلال الإصلاح الكبير المتمثل في مدونة الأسرة.
وأضاف المتحدث أنه إلى جانب هذين المجالين الأساسيين، كانت هناك الكثير من الإصلاحات التي تمت مباشرتها خلال هذه الفترة، من بينها إقرار عدالة اجتماعية ومجالية حقيقية، استنادا إلى النهوض بأوضاع فئات اجتماعية لطالما عانت من الإقصاء والتهميش والهشاشة، وبهذه الخطوة بدأ المغرب في صياغة الأجوبة الأولى من أجل إنصاف هذه الفئات وإعادة الاعتبار لها، وإدماجها في المجتمع، وجعلها تشعر بمواطنتها الكاملة.
ولفت المتحدث ذاته، إلى أنه لم يكن من الممكن في إطار هذه المقاربة الشمولية، من أجل تقوية المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي والمتقدم، تغييب البعد الاقتصادي، والبعد المتمثل في البنيات والتجهيزات التحتية، التي تسمح بإدماج مجالات شاسعة من ترابنا الوطني في مسلسل التنمية، وجعل المواطنات والمواطنين بهذه المناطق يشعرون بأنهم معنيون ومندمجون في هذا المسار التنموي، مشيرا إلى أن ما تم الوصول إليه من بنيات وتجهيزات تحتية مهمة، سمح بتحرير الطاقات، وإدماج فئات جديدة في مجالات مختلفة، وذلك في إطار الثورة التنموية والاقتصادية للمغرب.
وفي السياق ذاته، أكد تاج على أنه في إطار الاحتفال بعيد الشباب، “لا بد أن نركز على الحساسية والاهتمام الخاص الذي يوليه جلالة الملك، من خلال توجيهاته المتواترة، بضرورة الاهتمام، بشكل خاص، بأوضاع الشباب والبحث عن سبل إدماجهم بكل الأشكال الممكنة”، مضيفا أن “جلالته أعطى توجيهات مهمة، وقدم إشارات، وأعلن عن قرارات تهم انفتاح الشباب، وجعله ملتصقا أكثر بوطنه، ودفعه إلى الإحساس بوطنيته، وبكونه شاب وطني ومواطن، وكلنا نتذكر الإشارات والمبادرات التي اتخذها جلالة الملك، ويتخذها أحيانا حتى على الصعيد الشخصي، على اعتبارها تصبح فيما بعد نوعا من المثال والقدوة، وتجشع الشباب على مزيد من الانفتاح والتشبع بقيم الحداثة، وعلى مزيد من الانخراط بطرق ومداخل مختلفة في القضايا المجتمعية للوطن”.
وأكد القيادي في حزب الكتاب أن كل هذه المنجزات التي تمت طيلة العقد الأول من الألفية الجديدة، هي التي مكنت بلادنا من أن تدبر بكيفية ناجحة الفترة التاريخية الصعبة والمعقدة، والمعروفة بالربيع الديمقراطي. إذ تمكن المغرب في هذه الفترة الاستثنائية، بالمقارنة مع باقي دول المنطقة، لاسيما العربية، من فتح آفاق جديدة عبر وثيقة دستورية جديدة، تكرس جيلا جديدا من الحقوق، وتفتح آفاقا وأبعادا جديدة نحو تطوير نظام مؤسساتي وسياسي مغربي، متطلع إلى أن يعيش في ظل ملكية ديمقراطية اجتماعية، ملكية برلمانية مؤطرة بمؤسسات، وتولي الأهمية الخاصة للإرادة الشعبية التي ينبغي أن تكون الموجه والمحدد للاختيارات الأساس التي ينبغي للمغرب أن يسير على هديها.
وفي السياق ذاته، أكد عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، على “الاهتمام الذي يوليه جلالة الملك في كل مناسبة بضرورة العناية بالتكوين في مجال التربية والتعليم والتكوين المهني، وإدماج الشباب في الحياة المهنية والعملية والاقتصادية، ولا أدل على ذلك هو الحرص الملكي الخاص الذي أكده في الفترة الأخيرة لما وجه الحكومة إلى بلورة مشروع متكامل في مجال التكوين، وهو الذي تجسد في مشروع مدن الكفاءات والذي من المفروض أن تتم بلورته في المستقبل المنظور”، مبرزا أن “هذه التراكمات والإصلاحات، وهذا الرصيد المهم، هو الذي مكن من تدبير المرحلة اللاحقة بكيفية إيجابية، وأعتقد أن البداية تمر بالضرورة عبر الإقرار والوعي بكل هذه الإصلاحات على الرغم من النقائص والاختلالات التي تشوبها”.
وشدد تاج على ضرورة الإقرار بأن “ما تحقق هو أمر مهم ومهم جدا، ولم يكن بالإمكان أن ننتقل نحو المرحلة اللاحقة دون أن نمر عبر هذه الإنجازات التي تحققت اليوم، سواء من خلال خطب جلالة الملك ومبادراته المختلفة والمتنوعة خلال السنوات الأخيرة، وكذلك من خلال الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش، إلى جانب الطلب الأخير الذي وجهه لكل المؤسسات، المتجلي في الاحتفال بعيد العرش بكيفية عادية وبدون مظاهر احتفالية، وهو ما تكرر أيضا، مع مناسبة عيد الشباب، وكل ذلك إشارة من جلالته إلى الطريقة الجديدة التي يتعين بها الاحتفال بمثل هذه المناسبات، على صعيد مؤسسات الدولة والمجتمع كذلك”.
وبخصوص ما ورد في خطاب العرش الأخير، فيرى كريم تاج، أن جلالة الملك قد ركز بشكل قوي على ضرورة تجديد النخب وتشبيبها، وإتاحة الفرصة لكفاءات جديدة، لكي تدلي بدلوها في قضايا الشأن العام، خدمة لوطنها وقضايا المواطنات والمواطنين، وأكد أيضا على ضرورة أن يتم الانتباه إلى المجالات الأساسية التي تشكل المعيش اليومي للمغربيات والمغاربة، من تعليم، وصحة، وفلاحة، وباقي المخططات القطاعية المهمة، فكل هذه الأشياء تبين مرة أخرى أن المبادرة الملكية لم تخلف الموعد، وتعمل جاهدة على بث النفس الديمقراطي والتنموي التحديثي الجديد، الذي يحتاجه المغرب في هذه المرحلة المفصلية من تاريخه.
ويؤكد تاج على أن “جلالة الملك حريص على قيادة وطننا وبلدنا نحو غد أفضل بخطاب واقعي، وأحيانا نقدي قوي، وبخطاب صريح، وذلك عسى أن تتجاوب باقي المؤسسات، وباقي القوى الأخرى الفاعلة في المجتمع من حكومة وأحزاب وطنية جادة ومن فعاليات مجتمعة مختلفة، من أجل أن تلتحق كلها وتتعبأ جميعها حول هذا النفس الجديد الذي يريد به جلالة الملك أن يفتح آفاقا جديدة للتنمية والتقدم والمزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لشبابنا ولمواطناتنا ومواطنينا بشكل عام”.
ودعا تاج، في ختام حديثه لبيان اليوم، باقي القوى والفاعلين إلى أن يكونوا في مستوى هذا النداء الملكي، المتطلع إلى المستقبل الذي رسم جلالته خطوطه الكبرى، حيث يعول على النخب الجديدة، أن تعبد الطريق نحو هذه الأهداف السامية التي ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليها في كل مناسبة سواء من خلال خطبه ومبادراته وقراراته المختلفة، وما يميزها من جرأة وواقعية وإحساس بما يعتمل داخل المجتمع من مشاكل وصعوبات وطموحات كذلك.
* عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
>إعداد: يوسف الخيدر