مراكش تحتفي بعمقها الحضري في «نزاهة تراثية»

احتفت «جمعية ثراثيات مراكش» بالرجالات السبعة كرموز تتوزع أحياء المدينة الحمراء، جاء الإخراج مستلهما لشكل البساط، حيث نصبت الخيام والأروقة، يتوسط كل واحد منها لافتة تحمل اسم أحد الرجالات.. الذين يتقدمهم  سيدي يوسف بن علي، وأبو العباس السبتي، والقاضي عياض والإمام السهيلي، والإمام الجزولي، وغيرهم، وبجوار إسم كل والي، أسماء الأحياء السكنية التي تجاور ضريحه وقد اجتمع في حلقات، بعض الأهالي المنتسبين لهذه الأحياء.
وكانت هذه الخيام تحف بمسبح فسيح يتوسط إقامة سياحية أهداها صاحبها لاستقبال  المحتفين، وهم جمهور مراكش في تنوع فئاته العمرية ومستوياته الثقافية والفنية والاجتماعية.
فإلى جانب الفنان يوجد الحرفي، والطبيب، والأستاذ، والتاجر، وأعيان المدينة ووجوهها ذات الانتساب إلى الزمن الجميل والعمق الأصيل.
ومنذ الصباح تناوب على الأنس والتزجية، أسراب من فرق الأهازيج التراثية من فرقة أقلال الصحراوية تعبيرا عن العمق الجغرافي لمدينة يوسف بن تاشفين.
وبجوار المدخل الرحيب لهذا المدى الرائق تحلق رواد «الدردبة» وكناوة بعباءتهم المطرزة والموشاة بالودع وأصناف السفايف ذات الألوان الزاهية القوية.
إن الإيقاعات الوافدة من أعماق إفريقيا السوداء ملأت أجواء الصباح المشمس باهتزازاتها التي تمزق السكون، وتخترق شغاف الصدور فتتحول إلى مبعث لرقص محموم ترتج له الأطراف، وتميد معه الرؤوس والقدود، التي توزعتها الخيام وتاهت بين الأشجار والأغراس، هذه أهازيج أصبحت الآن معروفة ومنغرسة في الذاكرة الجمعية لهؤلاء الناس.
من زمن أناشيد الملحون إلى رقص الدقة، التي تعبر عن نخوة واعتزاز بهذه الإيقاعات التي لا تتألق سوى قريبا من النخيل العتيق بهذه الربوع.
إن الوجوه التي التقت دون ميعاد سابق، وحدها سرور التلاقي، واتقدت في أجوائه نيران التذكر وبهجة الذكرى، ففاحت أنسام المحبة وتدفقت من الصدور والأفئدة الملتاعة بحر الأشواق، وجوه عديدة جميلة فعل الزمان فعله في إعادة تشكيل قسماتها، وصدور كانت عنوان الشموخ والزهو، هد نفس الدهر بعض ذلك النزوع إلى الأعلى، هي اليوم أكثر تواضعا وأقل مرحا بفعل ما اختزنته من دروس حملتها عوادي الأيام السالفات، فهي تردد بعض ما لخصه أبو الطيب المتنبي في بيته
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا
عناهم من أمره ماعنانــــــــــا
وتولوا كلهم بغصــــــــــة منه
وإن كان سر بعضهمو أحيانا
لقاءات النزاهة هاته بعثت الأشواق والمخبوء من الذكريات، والحنين إلى الزمن الجميل الذي طواه النسيان الآن أو يكاد وبقي بعضه موسوما في الذاكرة وحدها.
إن تأثيث الأجواء بأناشيد الطرب الملحون وبـ «كريف الميزان»، وباهتزازات «الهجهوج» الراجعة عن جدب الأوتار القوية المشدودة شدا إلى عوده، الذي عليه تلتف كف وأصابع لمعلم لتصدر عنها إيقاعات مبهمة مغموسة في عذابات قديمة، لا أحد منا يعلم أين ومتى نشأت، لكنها اليوم تهز الناس هزا، وتستطيع أن ترسم الابتسامات والإنبجاسات على وجوههم .فالرقص على البلاط الأصم، وتقافز القامات الذاهلة الواهية وتطايرها في رقص مجنون موقع بالقراقش والأقدام الصلبة كأنها المطارق، كل هذا جعل من هذا الكنز التراثي الشفاهي بهذه الصورة التي اجتهد المنظمون في إخراجها ودعوا لها كل المدينة، تشكل فرحا ممسرحا زاخرا بالدلالات التي انصاف لها بهاء الدنيا في منتصف فصل الربيع المراكشي.

Top