أمريكا ومسلسل استهداف المنظمات الدولية
في خضم أزمة كورونا وانشغال المنتظم الدولي بالبحث عن الوسائل الممكنة للحد من الخسائر الناجمة عن فيروس كوفيد 19، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليق مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في ميزانية منظمة الصحة العالمية التي تصل إلى 400 مليون دولار سنويا، بدعوى سوء إدارتها لأزمة كورونا وتعتيمها على تفشي العدوى التي انطلقت شرارتها الأولى بالصين قبل أربعة أشهر. وقد ووجه هذا القرار غير المفاجئ بانتقادات واسعة فور الإعلان عنه.
ففي رده الذي جاء سريعا، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش القرار الأمريكي معتبرا أن الوقت غير مناسب لخفض موارد المنظمة الأممية المنخرطة في الجهود التي يبذلها العالم في الحرب ضد كوفيد 19.
أما المدير العام للمنظمة فاكتفى بالدعوة إلى عدم تضييع الوقت ومساعدة الشعوب لإنقاذ الأرواح ووضع حد لتفشي الفيروس مؤكدا أن العمل سيستمر مع شركاء المنظمة لسد أي نقص في التمويل. في حين توالت إعلانات التنديد من أهم العواصم كالصين وروسيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي الذين أجمعوا على أن قرار تعليق الولايات الأمريكية لالتزاماتها المالية تجاه منظمة الصحة العالمية قرار مؤسف، يعكس مقاربة أنانية من شأنها إضعاف التعاون الدولي وتقويض الجهود المبذولة لاحتواء الوباء العالمي.
إن فشل ترامب، من دون شك، في التعاطي مع وباء كورونا في بلاده، التي أصبحت تتربع على قائمة المصابين والمتوفين جراء الفيروس، أصبح يؤرق الإدارة الأمريكية حاليا، كما أن تصريحاته بشأن مخاطر الوباء على بلاده وجاهزيتها طبيا لم تتبث كثيرا أمام الواقع، فمنذ فبراير إلى منتصف مارس ظل الرئيس الأمريكي يغرد بعجرفة مرددا أن الولايات المتحدة الأمريكية في منأى عن أي تهديد للفيروس، وأنها تتوفر على أفضل نظام صحي في العالم قادر على دحر كورونا في أيام معدودة، إلا أن التزايد المتسارع لأعداد المصابين والمتوفين شكل انتكاسة جدية لترامب الذي يسعى للفوز بولاية انتخابية ثانية. فلم يعد أمامه بالتالي سوى أن يبحث عن كبش فداء يلقي عليه باللائمة ويحول إليه أنظار الناخب الأمريكي، وبالطبع فإن هذا الكبش لن يكون سوى الحائط القصير أي منظمة الصحة العالمية التي هيأ لها حزمة من الاتهامات قبل أن يصدر قرار وقف تمويلها.
لكن هذا السلوك، الذي يعكس نفور ترامب من المنظمات الدولية ويكشف روح الاستفراد والهيمنة اللتين تتملكانه، ليس بأمر غريب ولا بالأمر الجديد، فقد تكرس كأحد التوابث في السياسة الترامبية منذ أن حملته رياح التفاهة إلى البيت الأبيض، حيث عمد منذ سنوات إلى إصدار مرسوم بتقليص مساهمات الولايات المتحدة الأمريكية في عدد من المنظمات والوكالات الدولية، أو تجميدها. ومن بين المؤسسات التي تأثرت بهذا المرسوم المشؤوم منظمة الأمم المتحدة نفسها وعدد من برامجها مثل برنامج تغير المناخ وعمليات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونوروا) وغيرها، ناهيك عن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة “اليونسكو” ومن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان..
إن قرار تعليق مساهمة أمريكا في تمويل منظمة الصحة العالمية ما هو إلا حلقة في مسلسل يستهدف انهيار نظام المنظمات الدولية الذي يتعين أن يكون تحت تصرف ترامب أو لا يكون.
بقلم: عبد اللطيف الصافي