خلدت الطبقة العاملة، هذه السنة، فاتح ماي في ظروف وطنية وعالمية غير مسبوقة، وذلك إثر تفشي فيروس “كوفيد – 19″، وضمن التقيد بحالة الطوارئ الصحية والحجر المنزلي، ومع ذلك تفرض هذه الأوضاع الصعبة استخراج درس جوهري منها، ومؤداه محورية المسألة الاجتماعية في مرحلة ما بعد كورونا.
لقد أبانت هذه المحنة الصحية والمجتمعية عن تفشي الفقر والهشاشة الاجتماعية وسط فئات واسعة من شعبنا، وأبانت أيضا عن فشل أغلب البرامج والمبادرات السابقة، والتي يتضح اليوم أنها لم تنجح في تحقيق الهدف منها، أو إحداث الأثر الملموس في حياة الناس.
إن التدابير والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدتها الدولة لمواجهة الوباء هي التي أنقذت الوضع، وقدمت الحلول لعدد من المشاكل الآنية، وهي بالفعل تمثل مجهودا جبارا من طرف السلطات العمومية، وهو ما يفرض التفكير بإلحاح في المستقبل، وفي سبل التأسيس اليوم لانطلاقة حقيقية على المستوين الاقتصادي والاجتماعي.
وحيث إن ظروف هذه الجائحة ساهمت في فقدان الكثيرين لمناصب شغلهم، وباتوا يعيشون على التعويضات التي يمنحها الضمان الاجتماعي والدولة، كما أن عديد مهن تضررت، بدورها، وتوقف ممارسوها عن العمل وحرموا من مصدر عيشهم اليومي، فإنه على المدى القريب يجب أولا تعبئة كل الإمكانيات والموارد والتحفيزات من أجل دعم المقاولات الوطنية لاستئناف نشاطها وحماية مناصب الشغل الحالية، ولكي تستعيد الحياة الاقتصادية الوطنية ديناميتها.
أما في العمق، فمن الضروري اليوم القيام بمراجعة جذرية للمقاربات الهيكلية للسياسات العمومية، خصوصا في القطاعات الاجتماعية، وذلك عبر تغيير الاختيارات التي اعتمدت في السنوات الأخيرة، ومن ثم السعي لبناء نموذج تنموي جديد محوره وهدفه الإنسان.
إن المسألة الاجتماعية تعتبر اليوم، وتبعا لما سبق، التحدي الأبرز المطروح على بلادنا، ويجب التعبئة لكسب رهانه، ذلك أنه لن يكون ممكنا إطلاقا ترك الأمور تسير وفق نفس الاختيارات السياسية والاقتصادية التي سادت في مرحلة ما قبل كورونا، حيث إن العالم كله سيتغير، والرجة التي حدثت اليوم قدمت للبشرية وللدول والأنظمة عديد دروس وتنبيهات لابد من استيعابها وأخذها بعين الاعتبار.
في بلادنا إذن، مطروح اليوم بقوة سؤال الحماية والدعم الاجتماعيين للفقراء ولكل الفئات التي تعاني من الهشاشة، ويجب، بالتالي، بلورة البدائل الضرورية على المدى القريب، وصياغة الأجوبة المناسبة لما كشفه الواقع هنا والآن.
وفي بلادنا، مطروح كذلك التفكير في دور أقوى للدولة وللاستثمار العمومي، وخصوصا على صعيد السياسات الاجتماعية.
وفي بلادنا، يطرح اليوم بقوة أيضا موضوع الرفع من القدرة الشرائية وتطوير الاستهلاك الداخلي وتحسين ظروف عيش الطبقات الشعبية والمتوسطة.
وفي بلادنا، مطروح دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة لتستعيد نشاطها، وأيضا لكونها تحتضن لمناصب شغل عديدة ويجب الحفاظ عليها.
وفي بلادنا، مطروح كذلك تحفيز مهنيي الصحة والتعليم والجماعات المحلية وقوات الأمن والجيش والدرك والوقاية المدنية، وتحسين أوضاعهم المادية والمهنية والاجتماعية، وتأهيل المدرسة العمومية والصحة العمومية…
وترتيبا على كل هذا، فإن من يعتبر اليوم هذه القضايا ثانوية أو يمكنها الانتظار، أو أنه ينتظر الخروج من الحجر الصحي لكي تعود دار لقمان لحالها السابق، فهو لا يفكر في مصلحة البلاد، ولا يفهم ما حدث للعالم برمته في الفترة الأخيرة، ولا يقدر حجم وهول الهزة الكونية وما سيترتب عنها.
نعم، الأولوية الوطنية يجب أن تكون هي المسألة الاجتماعية وتحسين أوضاع عيش المغاربة، وإعادة صياغة مداخل التنمية الحقيقية لبلادنا.
ومباشرة بعد الانتصار على الوباء وخروج بلادنا من هذه الظروف القاسية، يجب الانكباب فورا على التحدي الاجتماعي، والسهر في المدى القريب على أن يعود الناس إلى عملهم ومهنهم، ودعم حماية مناصب الشغل الحالية، واستئناف الحياة الطبيعية في مختلف المجالات، وموازاة مع ذلك إجراء تشاور سياسي ومجتمعي واسع للنهوض ببلادنا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتنمويا، وذلك عبر تغيير جذري للاختيارات والمقاربات، وصياغة مداخل تستحضر دروس مرحلة الجائحة وتحديات المستقبل.
محتات الرقاص