يشهد العالم اليوم انتشارا واسعا لفيروس كورونا- كوفيد19، الذي بعثر الأوراق السياسية لجميع الدول التي لم تكن تتخيل اجتياح وباء جديد للبشرية، وهو ما جعل سياسة معظمها لا تضع بالحسبان ظهور فيروسات قاتلة، تتميز بخاصية سرعة الانتشار كما هو الحال مع كوفيد19.
والمغرب من هذه الدول التي وجدت سياستها في مختلف المجالات تحت مجهر كورونا، لا سيما في قطاع التعليم الذي كان من أوائل المتفاعلين مع الجائحة.
فقبل إعلان حالة الطوارئ الصحية بالبلاد، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، تعليق جميع الدروس الحضورية بالمؤسسات والجامعات العمومية إلى أجل غير مسمى.
وعوضت الوزارة التعليم الحضوري في المؤسسات، بالتعليم عن بعد، من خلال التواصل بين التلاميذ والأطر التربوية، سواء بالمؤسسات الخاصة أو العمومية.
وتم في هذا الصدد توظيف الوسائل التكنولوجية الحديثة لتشغيل المواقع التي تم اعتمادها، سوء عبر الهواتف النقالة، أوالحواسيب، أوالألواح الالكترونية، وكذا بالاعتماد أيضا، على وسائل الإعلام التقليدية، ببث الدروس على شاشات التلفاز “قناة الرابعة والرياضية”، أو أمواج الإذاعات الخاصة والعامة.
أثارت هذه الخطة التي أعلنت عنها الوزارة الكثير من الجدل في البداية، حيث وجهت أسهم الانتقادات لها، سواء من قبل الأطر التربوية وأولياء التلاميذ أو التلاميذ أنفسهم، لا سيما وأن التعليم عن بعد لم يتم اعتماده إلا نتيجة الأوضاع القسرية التي فرضتها كورونا.
وفي ظل ردود فعل مثمنة، وأخرى مبخسة، أومنتقدة لطرح الوزارة بهذا الخصوص، لا زال الأساتذة يقدمون دروسهم عن بعد، كما أن التلاميذ يواصلون الاستفادة منها بتتبع سلسلة من الحلقات التلفزية والإلكترونية، في ظل غياب مؤشرات دقيقة حول مدى نجاعة هذا الإجراء المعتمد، ومدى تحقيقه الأهداف المبرمجة، وتعويضه عن الحضور للقسم.
ويرى العديد من المهنيين والباحثين في المجال الذين يشاركون مع جريدة بيان اليوم في هذا الملف، أن التعليم الحضوري لا يمكن أن يعوض التعليم عن بعد بتاتا، معللين هذا الرأي، بالإشارة إلى أن البرامج التعليمية بالمغرب، لم تعتمد يوما على التعليم عن بعد، مما يجعل اليوم الدروس المقدمة عن بعد تقليدية في مضمونها، وكذا في طرق التدريس.
بيد أن هناك آراء أخرى، تثمن هذه القفزة وتراهن على تطوير الفكرة إلى أن تصبح مكتسبا للجميع في المستقبل، على الرغم من عدم تحقيق نفس النتائج في الجودة بين الواقعي والافتراضي.
إلى جانب كل هذه المسائل التقنية والمنهجية، طرحت مسائل سياسية جديدة مع اعتماد التعليم عن بعد، ويتعلق الأمر بالفوارق الاجتماعية التي تم تكرسها مرة أخرى. يتجلى الأمر في عدم تمكن العديد من التلاميذ من الولوج للدروس عبر الانترنيت والتلفاز أيضا، سواء تعلق الأمر في العالم الحضري أو القروي.
ويكفي تصفح مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالأطر التربوية، أو تلك التي أحدثت من أجل التضامن بين المغاربة، لملاحظة حجم معاناة الكثير من التلاميذ خلال هذه الفترة، حيث يقدم العديد من المغاربة على سلسلة من المبادرات لمساعدة التلاميذ الذين لم يجدوا الوسائل الضرورية للاستفادة من الدروس المقدمة عن بعد.
ويتعلق الأمر بالتلاميذ في العالمين الحضري والقروي معا، هذا دون الحديث عن مدى إتقان هؤلاء التلاميذ وأوليائهم للتقنيات الحديثة، والأمر نفسه يهم الأطر التعليمية الذين وجدوا أنفسهم اليوم أمام واقع جديد بتقنيات جديدة، لم يسبق لبعضهم أن اشتغل بها وفق العديد من الشهادات.
وإذا كان التعليم العمومي يتخبط اليوم في مشاكل تنقسم بين ما هو تقني وبيداغوجي، فإن العديد من مؤسسات التعليم الخصوصي ظلت طيلة هذه الفترة، تبحث عن أي وسيلة للنفاذ إلى المال، سواء من خلال اللجوء للصندوق الخاص بجائحة كورونا، أو جيوب الأسر المغربية التي فقد العديد من أربابها مصدر رزقهم، نتيجة الآثار السلبية للوباء العالمي.
ويراهن العديد من المراقبين، اليوم، على جائحة كورونا لتغيير بعض الأشياء، مباشرة بعد العودة إلى الحياة الطبيعية، وهو ما يمكن أن تشير إليه اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد في تقريرها بعد نهاية مهمتها، حيث يشدد الجميع على ضرورة تقوية السياسة التنموية للقطاعات الاجتماعية، وجعلها عمومية بالدرجة الأولى، ويهم الأمر أساسا قطاعي الصحة والتعليم.
في هذا الملف الذي أعدنه بيان اليوم لقرائها، يقدم العديد من الممارسين والباحثين، تحليلاتهم لواقع التعليم بالمغرب، ويعرضون وصفتهم للخروج من الوضع الحالي، الذي لا يعتبر سيئا فقط، بحسبهم، بل هو في أمس الحاجة إلى خلخلة حقيقية لوضع مسار التعليم في سكته الصحيحة، بما في ذلك اعتماد التعليم عن بعد، الذي اعتبروه فرصة مواتية للاعتماد عليه في القادم من السنوات، لأنه لا مفر من استخدامه مستقبلا، وليس من المستساغ تأجيل فتح هذا الورش.
> إعداد: يوسف الخيدر