بلاغ بمضامين غريبة أصدرته العصبة الوطنية لكرة القدم هواة، ليراكم هذا الجهاز، خطأين فادحين في ظرف أيام معدودة.
فقبل انعقاد الاجتماع الحاسم الذي عقدته جامعة كرة القدم يوم الثلاثاء 23 يونيو الماضي، مع كل مكونات كرة القدم، والذي أعلن خلاله رسميا عن استئناف بطولات كرة القدم بجل الأقسام، ذكورا وإناثا وكل الفئات العمرية، استبقت هذه العصبة المحترمة الأحداث، معلنة عما أسمته باستحالة استئناف منافسات بطولات الهواة، بعد توقف لأزيد من ثلاث أشهر، من جراء وباء “كوفيد 19”.
هذا الموقف الذي فاجأت به العصبة الرأي العام الرياضي الوطني، والذي جاء على ما يبدو بضغط من رؤساء الفرق، عززته بتقديم خمس سيناريوهات متعلقة بنظام الصعود والنزول، وكان الهدف هو السعي لفرض الأمر الواقع، دون انتظار آخر المستجدات.
إلا أن هذا المخطط لم يبلغ مداه، بعد الكلمة الافتتاحية لفوزي لقجع التي جاءت مفصلة، ومعززة بتفاصيل وإجراءات مدققة، ليتأكد للجميع أن إعادة انطلاق البطولات، قرار نهائي لا رجعة فيه، مبني على إبعاد مختلفة، وليس اختيارا مزاجيا.
بعد هذه الصفعة القوية أو الخيبة المدوية، من جراء محاولة يائسة، عاد السادة الهواة لممارسة نفس العبث، لكن هذه المرة بكثير من الإصرار ، على إظهار نوع من الدكتاتورية في التعامل، ومحاولة فرض الأمر الواقع على اللاعبين، باعتبارهم الحلقة الأضعف. ولو بممارسة الترهيب والتهديد.
بلاغ العصبة الأخير بدأ بكلمة، “تحث” العصبة لاعبي فرق الهواة على الانضمام إلى صفوف أنديتهم، استعدادا لاستئناف ما تبقى من مباريات البطولة، بكافة أقسامها، لتختمه بالتأكيد على أن كل لاعب حامل للرخصة الجامعية، ملزم بإطاعة الأوامر، ومرافقة ناديه في الحين، وإذا لم ينضم لتداريب فريقه، فسيعرض نفسه لإجراءات قانونية، يمكن أن تصل إلى حد حرمانه من المشاركة في البطولة الموسم القادم.
هذا آخر ما جادت به قريحة عصبة الهواة، التي أظهرت أن الاسم الذي تحمله ينطبق تماما على سلوك وعقليات أعضاء مكتبها، وإلا كيف يقبل العقل أن جهازا رياضيا، يصدر مثل هكذا قرار، يذهب إلى حد انتزاع حق اللاعبين في الدفاع عن مطالب تبدو لهم مشروعة ومستحقة.
ما ذهب إليه هذا البلاغ
الفضيحة، هو أن على اللاعبين إطاعة أوامر مسؤولي الفرق التي ينتمون لها، حتى ولو ضحوا بمستحقاتهم العالقة منذ عدة شهور، وهم الذين عانوا الإهمال والتهميش طيلة مدة الحجر الصحي، لا تواصل لا مساندة ولا دعم، حيث انقطعت كل الصلات والسبل. وبعد أن لاحت هناك إمكانية استئناف البطولة، استبق مسؤولو الهواة الأحداث، هذا الأمر بالإعلان عن رغبة جماعية، بعدم تكملة الموسم، عملا بمقولة: “كم من حاجة قضيناها بتركها”…
إلا أن إصرار الجامعة على استئناف منافسات البطولات، بعد تلقيها الضوء الأخضر من طرف الحكومة، قوض على ما يبدو مخطط السادة الرؤساء، وهم الذين تلقوا في ظل الجائحة دعما ماليا من طرف الجامعة، كما أن الأغلبية الساحقة من الفرق، توصلت بمنح من طرف الجماعات الترابية، ومجالس الجهات، وهذا ما يزيد من حجم الريبة والشكوك التي تحوم حاليا، بخصوص سبب الإصرار على الرفض أولا، ثم التهديد بمعاقبة أي لاعب رفض خوض التداريب، لعدم التوصل بمستحقاته العالقة منذ شهور.
كنا ننتظر أن “تحث” عصبة الهواة رؤساء الفرق على صرف مستحقات اللاعبين، ودعمهم ماديا ونفسيا، سواء أيام الحجر الصحي، أو بعد التخفيف من الإجراءات الاحترازية، وأن تدخل معهم في مفاوضات، قصد إيجاد نقط تفاهم، والوصول إلى حل يرضي كل الأطراف، هذا هو عين العقل، وهذا هو السلوك السليم، والموقف المنتظر من طرف العصبة، كما يقتضي ذلك مبدأ التعامل على قدم المساواة مع الطرفين، بعيدا عن اتخاذ أي موقف داعم لجهة معينة على حساب أخرى.
يقال دائما بأن أقسام الهواة هي قاعدة الممارسة على الصعيد الوطني، وهذه حقيقة تؤكدها الأرقام والمعطيات الدالة، إلا أن جهازا بهذه القيمة والحمولة، يتطلب الكثير من الحكمة في التعامل وطريقة ذكية في بناء المواقف، واعتماد الوضوح، وعدم الانسياق وراء الحسابات الخاصة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة.
والحقيقة أن ما صدر أخيرا من مواقف عن عصبة الهواة، جعلها جهازا خارج الزمن، وكأن ظروف الحجر الصحي الطويلة، كان لها تأثير نفسي فضيع، انعكس للأسف على نمط تفكير مسؤوليها….
محمد الروحلي