لحسن الشرفي ابن قرية اوطاط الحاج التابعة للنفود الترابي لإقليم بولمان ـ جهة فاس مكناس ـ ينحدر من النجود العليا للجهة الشرقية من المملكة ، تقلد مسؤولية إدارة المديرية الجهوية للثقافة بجهة العيون الساقية الحمراء، والجهة تعيش على وقع حراكِ ثقافي أسمعت كلماته من به صمم، شمِل كافة تلاوين الثقافة الحسانية التي تمثل جزءا هاما من الهوية المغربية الصرفة، فقد ازدان المشهد الثقافي للجهة بتظاهرات ومهرجانات ثقافية وفكرية بعد مواسم من الجمود الذي عرفته خلال سنوات عجاف، بعد أن كانت الأقاليم الأربع شبه خاوية على العروش.
جراء الأنشطة الثقافية الموسمية المحتشمة، أصبحت تعيش على إيقاعِ تنمية ثقافية حقيقية بين عشية وضحاها، أبانت عن مدى حنكة الرجل في التسيير الإداري والثقافي المنقطعِ النظير.
إلا أن السؤال الذي قد يطرحه الفطِن هو كيف لرجل مهما بلغت حنكته في الإدارة والتسيير أن يخبر ثقافة مجالية ذات طابع بدوي، لا يخبرها إلا من رضعها في المهد تحت “أخيامْ أشْعرْ “، وهو القادم من أقصى الشمال الشرقي للبلاد؟ وما سر هذه الطفرة الثقافية السريعة؟
فبالرجوع إلى الخط الزمني، نجد أن الرجل يملك خلفية بدوية بامتياز، لازمته من مهده على أديم أهل النجود العليا “منطقة الظهرة” واحة سيدي يحيي وعين بني مطهر وسهل أنكاد ونهر ملوية بوجدة، وامتداد الأصول إلى أهل فكيك أهل النخوة والكرم، وثقافية شبت معه بالعاصمة العلمية فاس، حيث أنهى دراسته الجامعية، ليبدأ فصلا جديدا من العمل الثقافي المهني منذ نهاية سنة 1993 بفاس، ثم بإقليمي بولمان والناظور كمندوب اقليمي، وجهات الشرق وفاس ودرعة تافيلالت كمدير جهوي على امتداد خمسٍ وعشرين سنة، سِنون كانت كفيلة بتكوين ثقافي وإداري مهم، خبر فيها الرجل الغنى الثقافي المغربي، الامازيغي ، والعربي ـ والحساني، جعلت الرجل ذا خبرة واسعة في مجال تسيير الثقافة والنهوض به.
زيادة على الخبرة المراكمة، فالرجل ذو حس تربوي رهيب لا يملكه إلا من امتهن التدريس سنوات عدة، إذ بدا ذلك جليا من خلال حسه التشخيصي الذي شخّص فيه وضع الثقافة الحسانية منذ تسلم فيه مقاليد الإدارة بالجهة، ليضع خارطة ثقافية للعمل بإشراك كافة الفاعلين الثقافيين بالجهة، من شعراء وفنانين ومسرحيين وأساتذة وكتاب باحثين، بدأت بمهرجان القصيدة البدوية بالعيون، و “المحصر للثقافة والتراث الحساني” بالسمارة و”تفسكي” ببوجدور، ناهيك عن أنشطة ثقافية متفرعة أخرى طفت على الساحة الثقافية بالجهة، ضمن تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية وتنزيل جميع برامجه الخمس التي جاءت بها اتفاقية الشراكة التي وقعت بين مجلس جهة العيون الساقية الحمراء ووزارة الثقافة، بين أنظار جلالة الملك محمد السادس عام2015 .
فقد حظيت الثقافة الحسانية في عهدتِهِ مؤخرا باهتمام بالغ، ولا شك أنها جديرة بذلك الاهتمام وقَمِين بتلك العناية، بعدما كانت حبيسة الاهتمام السلبي الذي جر عليها سيلا من القرارات من لدن غير المختصين، اقتنصوا فرصة غياب أهل الثقافة قسرا أو تقصيرا، وطفقت تكيل لمهتميها بصاع الْحَشْفِ حينا والتقتير أحيانا جاهلة أو متجاهلة، أنها كغيرها من الثقافات جديرة بالعناية والاهتمام كيف لا؟ والدستور أولاها أهمية بالغة في فصله الخامس ـ والخطب الملكية السامية في العديد من المناسبات الوطنية، حيث أفرز لها جلالته حيزا مهما لها ولحامليها.
فالأستاذ لحسن الشرفي، وهو إن لم يكن بحق جديل الثقافة، فإن له بلا شك منبِتا بأرضها، وعليه المعول في الإفتاء بمسنوناتها وفرائِضِها، لكونه يتميز عن أقرانه ممن أداروا الثقافة في هذا الشأن بجمعه بين الرواية والدراية بعين تبصر الخرق، ويد قادرة على الرتقِ، والشرفي جمع الاثنتين في جلباب قشيب خاطه من حرير الثقافة خمسا وعشرين سنة، ونسجه على هون وروية وبشهادة كل من تقلد منصب إدارة الثقافة على جهته، وبآلة خياطة الإدارة والإرادة اللتين امتلكهما بحنكته وحيويته، وجمع فيهما بين التالد والطريف.
وخلاصة القول، إن تواجد لحسن الشرفي على رأس إدارة الثقافة بجهة العيون الساقية الحمراء هي حاجة الظرف، وفرض كفاية، ونحلة من مالك لمستحق، حيث حن على الثقافة الحسانية حنو المرضعات على الفطيم، وقياسا على ما بدا لنا نحن الفاعلين الثقافيين، فإنه بإمكاننا الاطمئنان على الثقافة الحسانية، من خلال ما أبان عنه من استعداد لمواصلة التنمية الثقافية مستقبلا بجهة العيون الساقية الحمراء.
>بقلم: محمد مولود الأحمدي
أستاذ باحث في التراث الحساني