صادقت الحكومة مؤخرا على المرسوم القاضي بتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم16-26، المتعلقة بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم والحياة العامة ذات الأولوية.
وتندرج هذه الخطوة ضمن تنزيل المادة 34 من القانون التنظيمي المشار إليه، والتي تنص على أن”تحدث لدى رئيس الحكومة لجنة وزارية دائمة يعهد إليها بمهام تتبع وتقييم وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.
من المؤكد أن القرار لا يخلو من إيجابية في كل الأحوال، ويحفز على تطوير السير العام لبلادنا على طريق تلبية الحقوق اللغوية والثقافية لشعبنا، وتقوية التعدد الحضاري لبلادنا، ولكن، مع ذلك، يجب أن نسجل وجود بطء كبير وغير مفهوم في إيقاع الاهتمام والعناية بالأمازيغية، تشريعيا وتنظيميا، وعلى مستوى التدبير العام لمشكلات البلورة والتفعيل على أرض الواقع.
لقد انتظرنا تسع سنوات بعد الترسيم الدستوري في 2011، ليصدر القانون التنظيمي، ثم ليصدر هذا المرسوم المحدث للجنة وزارية دائمة لدى رئيس الحكومة، وبموجب هذا الإيقاع لا نعرف كم يلزمنا من سنوات قادمة ليجري تفعيل عمل هذه اللجنة، ولتخرج قراراتها إلى حيز الوجود، ناهيك عن تطبيقها في الواقع، وكم سيلزمنا من سنوات أيضا لكي تصدر كل النصوص والقرارات التنظيمية الأخرى ذات الصلة…
ومن جهة ثانية، يستغرب المهتمون كيف أن عديد إدارات وقطاعات ومؤسسات وهيئات لم تبادر، من جهتها، للتعبير عن”حسن النية” وإدراج الأمازيغية ضمن منظومة العمل لديها، وضمن ما تقدمه من خدمات مختلفة، أو على الأقل على صعيد هويتها البصرية، وكل هذا لا يتطلب، في الغالب، أي ميزانيات ضخمة أو مساطر معقدة، ما عدا الافتقار للإرادة والذكاء.
لو جرى تفعيل هذه الدينامية العامة على أرض الواقع، لكان من السهل مواكبتها بالتشريع والمنظومات التدبيرية، وتجاوز الكثير من الثقل وتضييع الوقت.
ومن أمثلة الفرص التي جرى تضييعها في الفترة الأخيرة، هناك رفض إدراج الأمازيغية في بطاقة التعريف الوطنية الجديدة، وذلك بداعي الصعوبات التقنية أو عدم توفر كل المستندات والوثائق الإدارية المطلوبة بالأمازيغية…
وعلى كل حال، يعتبر تفعيل ترسيم الأمازيغية مثالا على القرارات الكبرى التي يتخذها المغرب، وعند تنفيذها أو تنزيل أحكامها على أرض الواقع يقع التعثر أو الجمود، ما يجعلها تفقد أهميتها وسبقها.
وفِي السياق ذاته، ضعف في السنوات الأخيرة الحوار بين السلطات العمومية والحكومة من جهة، وفعاليات الحركة الثقافية الأمازيغية من جهة أخرى، خصوصا حول القوانين والتشريعات والمراسيم والسياسات العمومية، ما أدى إلى تراجع حجم الزخم العمومي والمجتمعي المواكب لهذه الدينامية، ولم تعد هناك أي مقاربة تشاركية أو مشاورات قبلية، بما في ذلك مع القوى السياسية نفسها، أو عبر حوار حقيقي داخل البرلمان لإنضاج الخطوات والقرارات قبل اتخاذها.
لقد راكم المغرب تجربة هامة في مجال تعليم الأمازيغية، وخصوصا لدى الصغار، وتحققت مكاسب على هذا المستوى، لا يمكن سوى التنويه بها، وتثمين جهود مصالح وأطر وزارة التربية الوطنية، وأيضا المنجز العلمي والتأطيري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ولكن، مع ذلك، لا تزال هناك عديد نواقص وتجليات قصور، ويجب الإنكباب عليها، والاستماع بشأنها إلى الأطر الميدانية والخبراء، وإلى” ليركام”.
والشيء ذاته بالنسبة لحضور الأمازيغية في الإعلام، وكذلك على صعيد الإنتاج الثقافي والفني وأوضاع الفنانين وكل المبدعين.
وطبعا على صعيد حضور الأمازيغية في المرفق الإداري العمومي، وفِي المحاكم والجماعات المحلية والبرلمان، وباقي مجالات الحياة العامة.
كل هذا، يحيلنا، فضلا عن القوانين والآليات التنظيمية، على إحداث الهياكل المؤسساتية الضرورية، وخصوصا مجلس الثقافة واللغات، ومصير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتأهيل وعصرنة هذه المنظومة التدبيرية العامة للشأن الأمازيغي، وتفادي إبقاء إجراءاتها معلقة لسنوات أخرى قادمة، ما يحكم على الأمازيغية أن تبقى دائما ضمن دوائر المؤقت ومجهول المصير.
الترسيم الدستوري للأمازيغية يعتبر واحدا من العناوين المركزية للدينامية الديمقراطية العامة في بلادنا، ومن ثم يجب تفادي تضييع هذا المكسب الجوهري بسبب تكلس العقليات، وجراء عدم الاهتمام بالوقت.
<محتات الرقاص