لقد حقق المغرب تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة في ميدان العمل الجمعوي، فالمغرب أصبح يعتبر من الدول التي عرفت نموا تصاعديا والأكثر انفتاحا على فعالية المجتمع، وذلك راجع إلى التطور والتحول الذي عرفه المجال السياسي في بداية التسعينات، وكذلك نضج ودينامكية الحراك الاجتماعي الذي تميزت به النخبة الوطنية، مما أدى إلى تصاعد المطالب الاجتماعيةوالاعتراض على احتكار الدولة على تدبير العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتغيرات التي شهدتها السياسات العمومية، كلها عوامل كانت مواتية للإقلاع والدينامية للعمل الجمعوي بالمغرب.
إن تطور العمل الجمعوي بالمغرب ما هو إلا تعبير عن واقع معاش للمواطنين، سواء في البادية أو المدينة نجد جمعيات تقوم بالعمل والسهر على عدة قضايا منها الدفاع عن حقوق الإنسان أو جمعيات مهتمة بالشأن التنموي أو جمعيات لها طابع إحساني، أو مهتمة بأطفال المتشردين والمتسولين في الشوارع، بل إن بعض المناطق التي توجد في الجبال أصبحت تعرف عملا جمعويا تارة مهتما بالنشاط الفلاحي أو السياحي أو بيع المنتجات المحلية كما هو حاصل في بعض مناطق الجنوب.
فالنهوض والمساهمة في المشاريع التنموية لا يمكن أن تتم دون مشاركة المجتمع المدني، وترسيخ قيم المواطنة وتعزيز السلوك الديمقراطي داخل الهياكل الجمعوية، وأيضا بفهم سياسة الاستقلالية وعدم التبعية لبعض الأطراف أو الممولين الأجانب لأن مصالحهم وغاياتهم تتعارض مع كل مجتمع مستقل، هذه الاستقلالية تتجلى في التحرر من الإعاقات التي تنتج عن المجال السياسي في أبعاده الدولية والحزبية، وإخضاع هذه الاستقلالية للشمولية في تحقيق المطالب، وعلى الخصوص جعل العمل الجمعوي لمصلحة الشرائح المجتمعية، ضمن رؤية تكاملية وشمولية ومن دون شروط وتدخل سياسي أو إيديولوجي في إنجاز المشاريع التنموية، إلا أن هذا النوع من التدخل السياسي والأيديولوجي نجده في مجتمعنا مثلا ” هناك بعض الجمعيات تقوم بعمل تطوعي ببناء بعض المساجد باسم المجتمع المدني، لكن يتم احتضانها من الدولة المركزية والتحكم فيها من خلال تعيين الموظفين والتحكم في المحلات التجارية للاستفادة منها”، لهذا نقول بأن المجتمع المدني تحتضنه الدولة بطريقة غير مباشرة، فالمجتمع المدني هو ذلك النسق والنموذج الذي يعمل وفق أدواره الاجتماعية اعتمادا على الفاعلين المحليين، غايته مراقبة مؤسسات الدولة والحفاظ عليها، لأن الأمر يتعلق بالشأن العام هذه الرقابة في الأوساط العادية وفي إطار مؤسساتي منظم محض، فالمجتمع المدني دوره هو تحقيق التنمية التي هي إحدى الواجهات، ولهذه التنمية مرتكزاتها بدونها لا يمكن للتنمية أن تتحقق، ورغم أن الجزائر من البلدان التي تمتلك إمكانيات مادية ضخمة، إلا أنها لم تتحقق التنمية بمعناها الشمولي.
إن رهان المجتمع المدني هو امتلاك الاستقلالية عن الدولة، وضرورة تطويره في العقليات والأفراد هذه القوة تحتاج إلى الفهم والتوفر على مواقف موضوعية لفهم الأمر، وكذلك المحفزات التي يجب أن تتوفر داخل المجتمع المدني والدوافع التي يجب أن تتوفر في الإنسان للانخراط في المجتمع المدني وهي دوافع تقوم على ربح غير مادي، وكذلك تحقيق الديمقراطية التشاركية والمساهمة في بلورة السياسات العمومية، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها وكذلك إعطاء حق المواطنات والمواطنة في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، ويجب على السلطات العمومية اتحاد التدابير الملائمة لتحقيق وتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد ومساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، من أجل تحقيق الأهداف وكذاك وضع آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتتبعها والنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، من أجل حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية وتنمية طاقاتهم الإبداعية وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية.
لهذا لجأت الدولة إلى إقامة شراكة مع الجمعيات، لأن هذه الأخيرة لها حيوية ودينامية الحركة الجمعوية التي صارت تغطي مجالا واسعا في الحقل الاجتماعي والاقتصادي من أجل النهوض بواقع المنظومة التعليمية على الخصوص في المناطق المهمشة والقروية، وهذا ما يفسر انتقال الوزارة في الآونة الأخيرة إلى خلق جمعيات موازية مثل “الجمعية المغربية لدعم التمدرس” التي ترأسها الدولة في التعليم والتي تشرف على تنفيذ برنامج تيسير في المناطق القروية التي تعاني من قساوة العيش والبعد عن المدارس من أجل محاربة الهذر المدرسي، ثم “جمعيات دعم مدرسة النجاح”، التي أشرفت الوزارة على تأسيسها وأمدتها بالوسائل الضرورية للنهوض بمهامها،وسعت إلى عقد شراكات معها وفق نموذج لمشروع اتفاقية إطار للشراكة بين الجمعيات والوزارة إضافة إلى إرساء تعليم معمم ذي جودة، بغية توفير المناخ الملائم لبناء شخصية المتعلمين وتنمية قدراتهم الحسية والحركية والذهنية، باعتبارها دعامة أساسية في ضمان الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص بين الأطفال في ولوج تعليم هادف وعادل ذي جدوى، من خلال الشراكة بين وزارة التربية الوطنية والجمعيات من أجل توفير الجو لإدماج الأطفال في الحياة المدرسية، ومسايرة مراحل التمدرس بسهولة بالغة وتجنبهم في الوقوع في الفشل الدراسي الذي يؤذي إلى الهذر المدرسي.
وما يمكن أن نخلص إليه من خلال هذا هو ضرورة خلق مرصد وطني للمجتمع المدني، يهتم بدراسة ورصد مختلف جوانب النجاح والقصور وكذا أثار عمله على التنمية، ويأتياقتراحنا هذا نظرا للأدوار الطلائعية التي تنتظر من المجتمع المدني القيام بها، وكذلك محاولة توسيع دائرة النقاش في موضوع حيوي يهم كل المتدخلين من باحثين وفاعلين جمعويين ومسؤولين، ولما أصبح يشكله المجتمع المدني من جاذبية كبيرة ولتعاظم دوره في صيرورة التنمية، لدى فالعمل الجمعوي يعكس بدقة اتجاهات المجتمع ويعبر عن حاجاته من خلال تنوع مجالات الفعل مثل التنمية، حقوق الإنسان، الاهتمام بالفئات المحرومة، المرأة، المعاقين، الأطفال في وضعية صعبة….
< بنعاشر الركيك