ديبلوماسية الأحزاب…

الرسائل التي وجهها حزب التقدم والاشتراكية إلى عدد من القوى اليسارية والتقدمية عبر العالم، بشأن التحرك المغربي بمعبر الكركرات وآخر تطورات قضية الوحدة الترابية للمملكة، تندرج ضمن الترافع التاريخي المألوف منذ عقود دفاعا عن القضايا الوطنية لبلادنا في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
من المؤكد أن تبدلات كثيرة شهدها العالم في السنوات الأخيرة، ومعادلات أخرى برزت في العلاقات الدولية وفِي الأوضاع السياسية الداخلية لعدد من البلدان، وهي تحولات جوهرية كبرى لم تعد تتيح نفس الحركية التي عرفت في سنوات مضت، ولكن حزب التقدم والاشتراكية، وشبيبته، ومختلف منظماته الموازية وأطره، علاوة على أحزاب وطنية مغربية أخرى، تميزت، طيلة تاريخها، بعلاقات عربية وعالمية مكثفة، وبحضور نضالي واسع في محافل ومنتديات سياسية متنوعة، وخاضت، ضمن ذلك، عديد معارك ومواجهات دفاعا عن القضية الوطنية المغربية، وتحتفظ الأدبيات السياسية وذاكرة المناضلات والمناضلين بكثير محطات بهذا الشأن.
من جهة ثانية، هذه الأحزاب التقدمية والديمقراطية المغربية هي بالذات التي خاضت معارك السجال الفكري والأيديولوجي والسياسي مع العديد من القوى والحركات السياسية في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والدول العربية، وذلك طيلة عقود، وبالرغم من تعقد العلاقات بين الدول آنذاك، وصعوبة الحوار مع مد فكري وإيديولوجي عالمي لم يكن دائما مسعفا…
ونجح هذا الحراك النضالي الحزبي في تحقيق اختراقات هامة وكسب حلفاء ومساندين في وسط قيادات حزبية وبرلمانية، وداخل الرأي العام والمجتمعات المدنية لعديد بلدان عبر العالم، بل وساهم في تليين مواقف قادة دول.
يعرف الجميع أن هذا الفعل النضالي الوطني لم يكن متاحا لأي أحد، وإنما كان لأحزاب مغربية قليلة ومعروفة، وهي وحدها من كانت تقوم بذلك، وقادتها وزعماؤها وأطرها ألفوا كتبا ودراسات حول مغربية الصحراء، وأنتجوا مواقف ومرافعات رصينة بهذا الخصوص.
هذه القوى الوطنية لم تكن ترى فرقا بين نضالها السياسي المعارض داخل المغرب ودفاعها المستميت عن القضية الوطنية داخل المغرب وخارجه، واعتبرت دائما دفاعها عن مغربية الصحراء وكل الحقوق الوطنية لبلادنا وشعبنا من ضمن نضالها المبدئي واليومي، وذلك انتصارا لوحدة بلادنا واستقرارها وأمنها.
اليوم، وبرغم تبدل موازين القوى عبر العالم وبروز صعوبات أخرى، هذه القوى نفسها تستمر في ذات الطريق عن قناعة راسخة، وتعتبر الدفاع عن الحق الوطني المغربي من ضمن أسس هويتها السياسية التاريخية ورؤيتها الوطنية العامة للثوابت والمبادئ الناظمة لنضالها السياسي الوطني.
بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، هذا الحضور الدولي وشبكة العلاقات التاريخية المتوفرة لديه مع القوى اليسارية والتقدمية في القارات المختلفة، تؤطره مصداقيته السياسية ووضوح مواقفه منذ عقود، ويذكر المراقبون أن مؤتمراته الوطنية كانت دائما تشهد حضورا مكثفا لممثلي أحزاب تقدمية من كل العالم، وحتى في السنوات الأخيرة بقي الحزب مصرا على الفعل على هذا الصعيد من خلال ملتقيات وحوارات إقليمية ومتوسطية وعالمية، وأيضا من خلال العلاقات الثنائية مع قوى يسارية وتقدمية، وكامل هذه الشبكة، وأيضا علاقات منظمته الشبيبية، يتم استثمارها أولا لإبراز دفاع الحزب عن القضايا الوطنية المغربية، وحشد التأييد والمساندة.
لا يمكن اكتساب هذه العلاقات المبنية على المصداقية التاريخية وعلى وضوح المرجعية الفكرية والوطنية، فقط بالتوفر على الإمكانيات المالية واللوجيستيكية، أو باعتبار التموقعات الانتخابية الداخلية، ولهذا لم يتسن لكل الأحزاب أو للكيانات المختلفة أن تقوم بمثل هذه الأدوار، ولو ادعت ذلك، ولكن الأمر بقي محفوظا لقوى مغربية معروفة، وهي التي كرست لنفسها هذه النضالية المتميزة وسط محافل ومنتديات سياسية متنوعة.
اليوم، لا زال هذا الدور مطلوبا، لأنه في مثل هذه المحافل، لا تنفع اللغة الديبلوماسية الرسمية أو معجم العلاقات بين الدول والحكومات، ولكن تحضر لغة السياسة والأفكار وسجالات المواقف والتجارب والمقارنات، ويكون الفاعل فيها الأحزاب والقوى الممتلكة للتاريخ والمصداقية والقدرة ووضوح النظر، ويكون الهدف هو خلق رأي عام مجتمعي مساند وداعم، وأيضا ضاغط على الحكومات والمؤسسات التشريعية والإعلام.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top