مبعوث بيان اليوم الى مراكش: سعيد الحبشي
الرهان
راهن مهرجان مراكش الدولي للفيلم، منذ انطلاقته قبل عقد ونصف على أن يكون واجهة للانفتاح على الصناعات السينمائية في إطار خلق تلاقح بين الثقافات والتعريف بالثقافة المغربية بقيمها ومؤهلاتها، وانطلاقا من هذه الأهداف استقطب اليه ووفودا من السينمائيين من جميع أنحاء العالم، ومن مختلف الثقافات..
ومن مميزات مهرجان مراكش أنه يمتلك قدرة استقطابية هائلة جلبت إليه كبار المخرجين العالميين، ونجوم العيار الثقيل من هوليود وبوليود وكافة أرجاء العالم.
وتم دورة بعد أخرى الاحتفاء بتجارب سينمائية من بلدان متعددة، كاليابان وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، والسينما المغربية أيضا لم تشذ عن القاعدة، وأخيرا كندا في الدورة الخامسة عشرة.
كما يتضمن المهرجان العديد من الأوجه التثقيفية، الفنية والاجتماعية منها أهلته للمحافظة على استمراره وإشعاعه الدولي، ودعمت هويته المتميزة.
فوق كل ذلك يبدو أن غاية وهدف المهرجان هو تحويل المدينة الحمراء ذات الصيت السياحي الدولي الى أحد مراكز إشعاع الفن السابع، على غرار كان والبندقية وبرلين وغيرها.
الدورة 15
لحظات قوية عديدة وفت بها الدورة التي عكست مدى نضج المهرجان، ودروس سينمائية ألقاها مخرجون معترف بموهبتهم وتميز لغتهم السينمائية، ومسابقة رسمية استقطبت تجارب جلها لمخرجين شباب في بداية مسارهم الإبداعي، وعروض منتقاة ضمن فقرة “خفقة قلب”، ناهيك عن فتح الباب على مصراعيه لمواهب الغد لتنمية مداركهم والتفاعل مع سينمائيين محترفين، وعلى غرار كل الدورات السابقة، برمج المنظمون مسابقة موازية لأفلام طلبة مدارس التكوين في المهن السينمائية بالمغرب، وتتخذ رعاية هذه المواهب بعدا عمليا حيث تشتمل على جائزة للفائز ومصاحبته في إنجاز شريطه القصير الثاني.
كما يحضر البعد الاجتماعي الإنساني من خلال فقرة خاصة بالمكفوفين الذين يتاح لهم حظ الاستمتاع بالسينما من خلال تقنية الوصف السمعي البصري، وكذلك عبر جذب النجوم لإنجاح حملات طبية إنسانية في المناطق القروية النائية، وتكريم أسماء وازنة في عالم السينما.
تكريم بارك شان ووك
كرمت الدورة 15 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مساء يوم الأربعاء، المخرج الكوري الجنوبي بارك شان ووك، الذي يعد أحد أقطاب السينما العالمية الجديدة.
وقد قدم بارك شان ووك العديد من الأعمال الفنية المميزة التي حققت إيرادات هائلة في كوريا الجنوبية منها فيلم “القمر هو حلم الشمس” عام 1992 فيلم بعنوان “الثلاثي” عام 1997 وفيلم “المنطقة الأمنية المشتركة” عام 2000 والذي حصل على جائزة الجمهور من مهرجان الفيلم الأسيوي، واليوم يكرم في مهرجان مراكش الدولي.
يذكر أن بارك شان ووك من مواليد 1963 في سيول، درس الفلسفة في جامعة سوكانك، حيث أسس النادي السينمائي “عصابة الفيلم”، كما اهتم عن كثب بنظرية السينما.
وفي شهادتها حول مسار المحتفى به، اعتبرت نجمة السينما المستقلة بالهند، ريشا سادا، أن تكريم هذا السينمائي اعتراف بأسلوب إخراجي مدهش بصريا، واحتفاء برؤية تراهن على كشف الطبيعة العميقة للكائن البشري.
وأضافت ريشا سادا، وهي عضو في لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج فرنسيس فورد كوبولا، أن المهرجان محق في تكريم فنان يقدم روائع سينمائية “تحررنا داخليا”.
من جهته، قال بارك شان ووك إن حياته تشبه حياة النساء في الماضي البعيد، “ما أن تضع مولودا حتى تنتظر مولودا آخر”، في إشارة إلى انشغاله المتواصل بالبحث عن أفكار أصيلة لمشاريع جديدة.
ويقول المخرج عن تجربته “هناك طرق عدة ليكون المرء فنانا جيدا، لكنك إذا ما حاولت معالجة الجانب المظلم في الطبيعة البشرية وسبر أعماق مختلفة لم يصل إليها فنان من قبل، فمن البديهي أن تتجاوز حينها الخطوط الحمراء وهو ما يؤدي إلى إثارة الجدل”.
ينظر إلى أعمال بارك شان ووك على أنها ذات وتيرة مكثفة تجمع بين غنائية بصرية وشظايا عنف صادم وقوة عاطفية. وقد بات المخرج معروفا في جميع أنحاء العالم برؤيته الذكية لقسوة الإنسان والتدمير والانتقام.
وعن هذا يجيب: “لا أسعى إلى تصوير العنف بطريقة جميلة، ما أسعى إليه بالأحرى هو استفزاز المتلقي، أحاول دائما أن أكون أصليا في مقاربتي من أجل الحصول على “الاستفزاز” المناسب الذي أبحث عنه، إن إثارة مشاعر الخوف عند المشاهدين تعني تفاعلهم مع الشخصيات التي تتعرض للعنف، يعني كذلك خوف أولئك الذين يمارسون العنف، على الآخرين.
بعد مشاركته كعضو لجنة تحكيم في الدورة 13 للمهرجان، الى جانب المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، يحضر بارك شان ووك في الدورة 15 على واجهتين. فهو أحد مكرمي التظاهرة الى جانب نجوم من قارات مختلفة، وهو أيضا أحد صناع لحظة الماستر كلاس المتميزة التي تصنع فضاء اللقاء بين الباحث عن سر السينما وصناعها.
واعتبارا لكل ما سلف، شكل تكريم بارك شان ووك، أول أمس الأربعاء، لحظة احتفاء بحيوية السينما الكورية الجنوبية وخصوبة إنتاجها وتميز مواهبها، هي التي حضرت بقوة من خلال أعمال تميزت وفازت بالنجمة في الدورات السابقة.
هذا، ويتواصل المهرجان الذي سيختتم فعالياته يوم غد السبت، مدافعا عن قيمه وأهدافه وخطه التحريري الذي أعطاه هوية خاصة وموقعا متميزا في منظومة المهرجانات العالمية.