سيكون تجاوز “الصمت” من لدن فئة المثقفين المغاربة إزاء قضايا مجتمعهم، رهانا سياسيا. لأن من واجبها إن هي أرادت من دون تلكّؤ (وهذا من إحدى سماتها) الفعل ولو في الحد الأدنى، ثم العمل ضمن سؤال من سيربح المعركة في الأيام القادمة، قبل الانتخابات المُعلنة: “الإسلاميون” أم ” العلمانيون” (تجاوزا)، أم بشكل أوضح “الإسلامويون والسلطات الراهنة؟؟. إنما في تقديرنا، سنقول وهذا موضوع فصل: أحدهما عن نقد “العلمانيين” والآخر عن نقد الإسلامويين، سنقول إن المشروعين المطروحين للعمل السياسي الآن مليئان بالتناقض والأوهام، وإن أي مشروع لا يمكن أن ينجح إلا بقدر ما يكون التزاما ويخلق قوى اجتماعية مؤمنة بالخيارات السياسية التي يطرحها المشروع وملتزمة بتحقيق هذه الخيارات… لا يمكن اليوم لمجتمعات عاشت في أنظمة قمعية ومُنعت من التفكير والحوار والنقاش أن يظهر فيها مشروع ديمقراطية حقيقية.
نعتقد أن الديمقراطية ليست هدفا للمجتمعات. فهي اليوم ضرورة لبلورة وإنضاج مشروع سياسي جديد، ولبلورة قوى سياسية جديدة. نحن بحاجة إلى أن ننتزع أكثر ما يمكن من الحريات حتى نعيد بناء القوى السياسية بما يسمح بخلق نظام جديد وعلاقة جديدة بين الأفراد وعلاقة جديدة بين القوى. نحن هنا لنعتقد أن الصراع الراهن هو صراع بين فئات اجتماعية فقدت مشروعيتها بسبب إخفاق السياسات والخيارات السياسية التي قامت بها وعليها، ولكنها تريد أن تحتفظ بمواقعها وهذا ليس مشروعا سياسيا للمجتمع. كلّا؟؟.
إن الأنظمة العربية بدون استثناء مستعدة للاستمرار في الحكم. هذا واقع. غير أن في مقابله، هناك حركات احتجاج مستمرة ومعارضة تعتقد أن الهدف الرئيس هو تهديم هذه النظم بصرف النظر عن النتائج؟؟. نحن نعتقد أن المهم هو إزالة هذه النظم القاهرة والقهرية والمحتكرة للثروة وللسلطة وللكلام؟.
سنقول إذن وحتى لا نختم، إنه لا يمكن أن يبقى الإنسان (وبالأحرى المثقف) محايدا في هذا الصراع. المطروح وهو أساسي، كيف يمكن في هذا الصراع أن نخلق قطبا ديمقراطيا وأن ندعم هذا القطب الذي هو أمل المستقبل (هذا اعتقادي دائما).
نقول إن جوهر ما هو مطروح اليوم هو أن نُنقد لا أن نتحالف مع أي طرف من الأطراف… ليس أن يكون لنا موقف رفضي وإنما موقف نقدي لجميع الأطراف بصرف النظر عن أخطائها. الاعتراف للجميع بحقوق المواطنة أي بحقوق متساوية، لا نرفض أحدا من الجماعة الوطنية وهذا عكس ما هو قائم (وهذا أيضا دور المثقف المُغيّب؟).
وإذن إذا لم نتفق على أننا نستطيع أن نصل إلى نتيجة، إذا اعترفنا لخصمنا بحق أساسي واحد وهو أننا جميعا مواطنون متساوون ولنا الحقوق نفسها. يمكن أن يكون جوهر الفساد القائم بالنظم العربية (ومنها المغرب) هو أننا فقدنا مفهوم المواطنة بهذا المعنى. نحن أفراد وأخوة ونحن خصوم، ولكن ليس هناك أسهل لدى طرف أو آخر من أن يستبعد من الجماعة الوطنية أو يُخرج من الجماعة طرفا يعتقد أنه لا يتفق مع أفكاره…. إن جوهر بناء قطب ديمقراطي اليوم هو العمل من أجل توسيع هامش الديمقراطية وفرض فكرة المواطنة كقيمة أساسية لأي مبادرة سياسية.
هنا يكمن دور المثقف المغربي التنويري…
<بقلم: عبد الله راكز