الرئيس الجزائري لم يعد يسمع له صوت إلا لما يصرح بعدائه الباتولوجي للمغرب أو يضيف تفاهة جديدة لسجله بهذا الشأن، والذي يتركز على استفزاز المملكة الجارة أو ترويج المغالطات في حقها.
المرء يشفق فعلا على المعني بالأمر من تفاقم هذه العقدة المرضية التي تلفه، ومن إمعانه المستمر في جعل الدبلوماسية الجزائرية تقوم فقط على التربص بالمغرب، وألا يكون لها أي هم آخر عدا ذلك.
لقد تفتقت عبقرية الرجل أخيرا على الدعوة إلى مفاوضات مباشرة بين المغرب والجبهة الانفصالية، ونسي أن العالم كله بات منذ سنوات يعتبر النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء هو مناورة جزائرية قديمة، وأن الحل يكمن في أن يتحمل النظام العسكري الجزائري مسؤوليته التاريخية والقانونية، وينخرط جديا في السعي إلى الحل.
وفِي سلوك عبثي واضح يصرح الرئيس الجزائري هذه المرة أن تعيين مبعوث أممي جديد مكلف بملف النزاع المفتعل لم بعد كافيا، وينسى أن بلاده هي من تعارض ذلك منذ فترة طويلة…
نفهم أن تبون يحاول أن يستبق انعقاد جلسة مجلس الأمن في أبريل الجاري لتهريب بلاده من أي مسؤولية، رغم أنها الطرف الرئيسي والحقيقي وراء استمرار النزاع، لكن المثير للشفقة هو أن يسخر الرئيس الجزائري من كل العالم، وأن يعتبر المجتمع الدولي برمته غير مدرك لأي شيء، وأن لا أحد يفهم المناورة العبثية القديمة التي يواصلها النظام الجزائري.
لا يجسد هذا النظام الجزائري عدوانيته المرضية تجاه المغرب فقط عبر استهداف وحدته الترابية، ولكنه يبني كامل سياسته الداخلية والخارجية على التربص بالمملكة، ويتجلى ذلك، فضلا عما سبق، في القضايا الإقليمية والدولية المختلفة، سواء في مساعي حل الأزمة الليبية أو في الحضور الدبلوماسي والسياسي والتنموي بالقارة الإفريقية ومبادرات مواجهة المخاطر الأمنية والإرهابية وغيرها، كما أن الدبلوماسية الجزائرية، في الفترة الأخيرة، جندت كل ترسانتها العدائية وزارت وفودها بلدانا افريقية ثم دولا أوروبية، ولكنها لم تحصد سوى الخيبات من كامل هذه الرحلات السيزيفية، ولم يتحقق لها سوى… الفشل.
وفِي المقابل يواصل المغرب تحقيق مكاسب ونجاحات دبلوماسية إقليميا ودوليا، كما ينكب على العمل الداخلي لإنجاح أوراش الإصلاح والتنمية وتقوية البناء الديمقراطي والمجتمعي.
الرئيس الجزائري لم يجد مؤخرا ما يتقيأه على صحافة بلاده سوى أن يعتبر ما اقترفه ممثله المنتهية ولايته في مجلس الأمن والسلم الإفريقي، وما تعرضت له مداولات اجتماع قاري من تزوير وتدليس، وأن يعتبر ذلك انتصارا لموقف بلاده ضد الوحدة الترابية للمغرب، ولم يفطن إلى أنه يعترف ضمنا بمسؤولية الجزائر على هذا النصب الفاضح والصبياني.
كل من يتابع السلوك الدبلوماسي المرضي للجزائر تجاه المغرب الجار، لا يفهم لماذا النظام العسكري هناك لم ينجح في «إقناع» الشعب الجزائري بصوابية استهداف المملكة، ولماذا لم يستطع منع هذا الشعب المنتفض اليوم في الشوارع من رفع يافطات تؤكد أن المغاربة ليسوا أعداء الجزائريين كما يروج الجنرالات هناك.
العدوانية المرضية المترسخة لدى عسكر الجزائر تجاه المغرب، صارت اليوم تشمل أيضا الشعب الجزائري، ولم يستطع تبون وأولياء نعمته الجينرالات التصالح مع شعبهم أولا، ولا أن يؤسسوا حوارا مع ممثليه.
المغرب يعرف أن نظام الجار الشرقي لا يفكر في شيء آخر غير التربص به وبحقوقه الوطنية ومصالحه الإستراتيجية، ومن أجل ذلك لن يتردد في اقتراف أي شيء، حتى لو كان لا أخلاقيا ولا إنسانيا، كما وقع في منطقة «العرجة» بضواحي فكيك، ولذلك المغرب ممسك باليقظة، ومصر على حماية استقراره وأمنه ووحدته، وفِي نفس الوقت يواصل بناء الوطن وتمتين منجزه التنموي والديمقراطي والإشعاعي والدبلوماسي.
الرئيس تبون ونظامه العسكري الغارق في التكلس والجمود يجب أن يفكرا أولا في مصالحة الشعب الجزائري، وفِي تلبية الحد الأدنى من انتظاراته الحياتية البسيطة، وفِي مواجهة تفشي كورونا وحفظ صحة وسلامة أشقائنا الجزائريين، ويجب أن يفهما كذلك أن الوقت لم يعد هو الوقت، وأن العالم كله يشهد التبدلات، وأن المستقبل يفرض مواجهة تحديات كبرى.
لأهلنا الطيبين في الجزائر السلام…
<محتات الرقاص