رأسمال بشري معزز وأكثر استعدادا للمستقبل
يرتكز المحور الإستراتيجي الثاني على تعزيز الرأسمال البشري لبلادنا بهدف منح كل المواطنين القدرات التي تمكنهم، بكل استقلالية، من الأخذ بزمام أمورهم وتحقيق طموحاتهم والمساهمة في تنمية البلاد واندماجها في اقتصاد المعرفة والاقتصاد اللامادي استنادا إلى الكفاءات. ويتضمن هذا المحور إنجاز إصلاحات أساسية، ضرورية وعاجلة لكل من أنظمة الصحة والتربية والتعليم العالي والتكوين المهني.
وتعد “جودة التعليم للجميع” المرتكز الأول للمحول الاستراتيجي الثاني، ويقترح التقرير الاستثمار في تكوين وتحفيز المدرسين قصد جعلهم الضامنين لنجاح التعلمات، وإعادة تنظيم المسار الدراسي ونظام التقييم لضمان نجاح كل متعلم، وتجديد المحتويات والمناهج البيداغوجية لتعليم فعال ومحفز، وجعل المؤسسات تتحمل مسؤولياتها لكي تصبح محركا للتغيير ولتعبئة الفاعلين، ثم تعزيز قدرات التخطيط والتنفيذ لأجل إنجاح الإصلاحات.
أما المرتكز الثاني، لهذا المحور فقد هم “نظام للتعليم الجامعي والتكوين المهني والبحث العلمي يرتكز على حسن الأداء ويستند على حكامة مستقلة ومحملة للمسؤوليات”، من خلال ضمان التمكين الذاتي لمؤسسات التعليم العالي وتعزيز حكامتها، ووضع الطالب في صلب الإصلاحات وإجراءات حسن أداء التعليم العالي والمهني، وتعزيز تثمين التكوين المهني وتطوير طرق التكوين بالتناوب وبواسطة التدرج في الوسط المهني على نطاق واسع، ثم تطوير بحث متميز في الجامعات عبر إحداث آلية مستقلة للتمويل والتقييم.
وفيما يخص المرتكز الثالث والأخير، ضمن هذا المحور، فقد تعلق ب”ضمان الولوج لخدمات صحية ذات جودة وللحماية الصحية باعتبارها حقوقا أساسية للمواطنين”، من حيث دعم طلب العلاجات من خلال تعميم الولوج إلى التغطية الصحية وإعداد سلة علاجات قابلة للتطور، والاستثمار المكثف في الموارد البشرية وتثمينها، وإعادة تنظيم مسار العلاجات من المستوى الجماعاتي إلى المستوى الجهوي وتسريع رقمنة النظام الصحي، ودعم المستشفى العمومي وتشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص، ومراجعة عميقة لحكامة النظام الصحي على جميع المستويات، مع تقوية البعد الترابي لهذه الحكامة، ووضع سياسة مندمجة وبين-قطاعية فيما يخص الوقاية والتربية الصحية، وتعزيز قدرة النظام الصحي على الصمود أمام مخاطر الأزمات الصحية في المستقبل وتطوير السيادة الصحية.
الخبير التربوي عبد الرزاق بن شريج لبيان اليوم
التقرير لم يول الاهتمام الأكبر للمجالات الاجتماعية وخاصة التربية والتكوين والصحة العمومية
قال الخبير التربوي عبد الرزاق بن شريج، إن التقرير لم يول الاهتمام الأكبر للمجالات الاجتماعية وخاصة التربية والتكوين، والصحة العمومية، مقارنة بالمجالات الأخرى، مضيفا “بما أن النموذج التنموي الجديد لم يعتبر التربية والتكوين المدخل الأساس لإنجاح أي مشروع مجتمعي فلن يختلف عن النموذج القديم في شيء”.
واعتبر بن شريج، في حوار مع جريدة بيان اليوم، أن اللجنة قامت بما يمكن لها القيام به، وفي حدود الهامش المحدد لها، وهو انطباع يسري على كل اللجان الوطنية والمؤسسات التقييمية والتدبيرية.
وشدد بن شريج على أن في غياب الجرأة السياسية ورغبة المتحكمين في زمام الأمور في إنجاح أي مشروع مجتمعي فلن تتحرك البلاد بما يطور مجتمعها.
هذا نص الحوار:
< أنهت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي عملها وقدمت تقريرها لجلالة الملك يوم 25 ماي 2021، ما هي انطباعاتكم الأولية حول التقرير؟
>قد تكون اللجنة تأخرت بعض الشيء في إنهاء مهامها، ولكن الجائحة التي ضربت العالم ساهمت بشكل من الأشكال في التأخير، ومن باب تقدير الجهود والمجهودات، وعلى الرغم من حضور بعض مؤشرات عدم وجود مختصين في اللغة ضمن اللجنة، أو عدم مراجعتهم لبعض أجزاء التقرير، فاللجنة قامت بما يمكن لها القيام به، وفي حدود الهامش المحدد لها، وهو انطباع يسري على كل اللجان الوطنية والمؤسسات التقييمية والتدبيرية، فبالرجوع إلى كل التقارير الصادرة عن أي لجنة وطنية أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، نجد دائما المسكوت عنه، وبالتالي فالمهتم والباحث والسياسي المغربي طبّع مع هذا النهج، ولم يعد يلتفت إليه كثرا، وبالتالي فاللجنة لن تشتغل من خارج الدائرة التي يجب عليها أن تشتغل من داخلها.
< ما هو المسكوت عنه في تقرير اللجنة؟
> أقول لك هذا انطباع أولي مبني على قراءة عدد كبير من التقارير الصادرة عن مؤسسات ولجان وطنية، منذ بداية الاستقلال، فضبط المسكوت عنه في تقرير اللجنة الحالية يقتضي قراءة تحليلية دقيقة لأزيد من 150 صفحة، من طرف مختصين في علوم التربية والتكوين وعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية، بل كل العلوم، بما في ذلك علم النفس السياسي، ويمكن الإشارة هنا إلى أن كل التشخيصات والتحاليل التي جاءت في التقرير لم تتطرق بشكل واضح وصريح لأسباب الاختلالات، فالتقرير زكى ما كان يكتب حول النموذج التنموي الحالي، وفصل في بعض أنواع الفشل ومؤشراته، لكن دون حديث عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة، وهو ما صنفته في خانة المسكوت عنه، فالتقرير يشير مثلا إلى “اتفاق الفاعلين المؤسستيين الذين تمت استشارتهم حول المكتسبات الديمقراطية والانجازات المتعددة التي يمكن للمغرب أن يفخر بها، غير أنهم يؤكدون على التفاوت الحاصل بين روح الدستور والوعود التي يحملها وبين حقيقة ممارسة السلط والحريات والاختصاصات، ويمنع هذا التفاوت المؤسسات الدستورية وأجهزة الضبط والتقنين من القيام بدورها على أكمل وجه” وبالتالي فالكل متفق على الاختلالات وغياب الديمقراطية، لكن ما السبب؟ لأن في حال عدم معرفة السبب لن نعالج المشكل من جذوره.
< وبصفتك خبيرا تربويا ما المسكوت عنه في مجال تخصصك؟
> قبل ذلك لابد من الإشارة إلى أن التقرير لم يول الاهتمام الأكبر للمجالات الاجتماعية وخاصة التربية والتكوين، والصحة العمومية، مقارنة بالمجالات الأخرى، فبما أن النموذج التنموي الجديد لم يعتبر التربية والتكوين المدخل الأساس لإنجاح أي مشروع مجتمعي فلن يختلف عن النموذج القديم في شيء، كل المشاريع والمخططات السابقة استعملت نفس التطلعات ونفس الحلم ونفس الرغبة في التطوير والبناء المجتمعي الجيد، لكن دون أثر على البيئة المجتمعية والطبيعية، وباختصار شديد، بناء الانسان قبل بناء الأوطان، فبناء الإنسان لبنة بناء الأسرة، تم بناء المجتمع، فالوطن.
أكيد، ولكن ليس وحدها، كل المجالات مهمة وهامة، وكل مجال يحتاج إلى تصور وتقنيات وزمن خاص، فالتقرير يتحدث عن مشروع ينفذ خلال 15 سنة المقبلة، ولذلك دلالات عميقة ومتنوعة من بينها بناء أن الشخصية يحتاج على الأقل 15 سنة تكوينية، وبالتالي فبعض المجالات تحتاج التدخل العاجل لتقويم بعض الاختلالات، ومراجعة النتائج الآنية للتعديل والتقويم والتدقيق، مثل القضايا الاقتصادية والسياسية، التي يمكن ملاحظة نتائجها في غضون سنوات قليلة، وفي المقابل فالمجالات الاجتماعية تحتاج سنوات أطول لملاحظة التغييرات والأثر على المجتمع.
<لنعد إلى المسكوت عنه في المجال التربوي؟
> المسكوت عنه في المجال التربوي يدخل في خانة المسكوت عنه إجمالا، وكما سبق ذكره، ما هو السبب الحقيقي لتدني مستوى المنظومة التربوية؟ فالإصلاحات المتعددة منذ الخمسينيات لم تفلح في تطوير المنظومة، وجاء البرنامج الاستعجالي ليلتهم ملايير الدراهم دون جدوى، وبذلك فالإشكال ليس في تمويل المشروع، بل في موضع آخر لم يفصح عنه التقرير، وأكتفي بالبرنامج الاستعجالي لما وجه إليه من انتقادات واتهامات، بعضها عرض على القضاء، ولم يشر التقرير لأسباب فشل المشروع التربوي.
< يشير التقرير العام للنموذج التنموي الجديد إلى أن المملكة تزخر بإمكانات تنموية مهمة، من الموقع الجيواستراتيجي وتاريخه العريق ورأسماله اللامادي وطاقات نسائه ورجاله، وهو ما يؤهله إلى الارتقاء إلى مصاف الدول الرائد، ما رأيك؟
>على كل حال لا خلاف حول هذا. وإنما سيكون الاختلاف حول عدم توظيف هذه الطاقات وهذا الموقع وهذا التاريخ العريق؟ إذن هناك خللان لا ثالث لها، الخلل الأول في التربية والتكوين، إن لم نقل في التربية فقط، أي أننا اعتمدنا على التكوين ولم نعتمد على التربية، فصنعنا الشخص الآلة ولم نصنع الشخص الإنسان.
والخلل الثاني في السياسة العامة للدولة، لم نستطع ممارسة السياسة بشروطها الأخلاقية، والتي تجرنا من جديد إلى التربية على المواطنة. واللجنة أشارت إلى ذلك بلغة ضمنية “غياب الانسجام بين الرؤية التنموية والسياسات العمومية المعلنة” وأشارت كذلك إلى اعتماد “سياسات عمومية غير واضحة بالقدر الكافي في توجهاتها”. ورغم ذلك يطرح السؤال مرة أخرى ما السبب في هذا كله، هل “جيوب المقاومة؟” وإن كان كذلك، من نظمهم وكونهم على المقاومة؟ هل هي “العفاريت والتماسيح؟” وإن كان كذلك، من عمل على تقويتهم ودعمهم؟
وفي غياب الجرأة السياسية ورغبة المتحكمين في زمام الأمور في إنجاح أي مشروع مجتمعي فلن تتحرك البلاد بما يطور مجتمعها.
< إذا المشكل في آليات التنفيذ؟
>أكيد، تقرير اللجنة كسابقيه من التقارير يستعمل كلمات كبيرة ورنانة وطموحة، ولكن المشكل في التنزيل، أين هي الإمكانات التقنية والبشرية والمالية اللازمة لتنزيله؟، وهو ما أكد عليه تقرير اللجنة حين قال:” تتطلب التحولات الهيكلية التي يوصي بها النموذج التنموي الجديد إمكانيات تقنية وبشرية ومالية مهمة، لا سيما في مرحلة إطلاقها”، وهنا لا نحتاج إلى التذكير بأن التقرير أكد في بلوغ أهدافه على “خمس رافعات أساسية؛ أولاها الرقميات للتحول السريع، وجهاز إداري مؤهل وفعال، وتأمين الموارد الضرورية لتمويل مشاريع التحول، وإشراك مغاربة العالم للاستفادة من معارفهم، وتعبئة علاقات التعاون مع الشركاء الأجانب بمقاربة رابح-رابح” وكلها تحتاج إلى المدخل الأساس، التربية والتكوين.
< إذن نجحت اللجنة على الأقل في استشارة الجميع وترجمة آرائهم إلى تصور تنموي جديد، أو كما يصرح أعضاؤها، “التقرير بأفكار مغربية ومفكرين مغاربة وتنفيذ مغربي”؟
>نسبيا استشارت اللجنة أغلب الفعاليات والمؤسسات، ليس كلها، بل أغلبها، اعتمادا على القياس العددي، ولكن إلى أي حد نجحت في استشارة كل التيارات والحساسيات؟، خاصة وأنها تسعى إلى “ترسيخ النموذج التنموي الجديد كمرجعية مشتركة للفاعلين، وحث جميع القوى الحية على إنجازه”، هناك حساسيات لم تستشر، وهي عملية عاشها المغرب خلال إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي لم يكن حوله الإجماع 100%، ولكن شاركت الأغلبية في صياغته، رغم أن المشاريع المجتمعية يجب ألا تعتمد الديمقراطية العددية، بل إشراك الجميع إشراكا فعليا، وليس كما يقول المثل المغربي “استشره، ولاتهم برأيه”؛ (شاورهم وما تدير بريهم).
<قد تستشير اللجنة كل التنظيمات والمؤسسات والفعاليات في مرحلة بناء “الميثاق الوطني من أجل التنمية”.
>الأصل في الأمور أن تعرض مسودة التقرير على المجتمع للمناقشة والتدقيق والتصحيح قبل عرضها على الملك، الآن لا نعرف فيم تفيد مناقشة التقرير، هل يمكن تعديله؟، هل بالإمكان تنظيم ندوات لتفسيره وتوضيحه وانتقاده؟ فاللجنة حسمت أمر التقرير، و”اقترحت ترجمته في صيغة “ميثاق وطني من أجل التنمية ليكون لحظة توافقية ومرجعية مشتركة تقود وتوجه عمل الجميع”، وبالتالي فالتقرير سيحتاج إلى تقرير آخر عبارة عن ميثاق “يمثل آلية كفيلة بتجديد علاقات الدولة مع الفاعلين في مجال التنمية، من أحزاب سياسية ومؤسسات دستورية وقطاع خاص وشركاء اجتماعيين ومجالات ترابية”.
الدكتور لحنش شراف: تعميم تغطية صحية حقيقية بكل ما للكلمة من معنى يبقى مطلبا شعبيا
قال الدكتور لحنش شراف، رئيس التنسيقية النقابية للأطباء العامين بالقطاع الخاص، إن “تعيين اللجنة المعنية باقتراح النموذج التنموي من طرف صاحب الجلالة شكل علامة فارقة في تاريخ المغرب الحديث حيث أن التشخيص الدقيق للواقع والمشاكل البنيوية التي يعانيها المغرب إضافة إلى الحلول المقترحة لمحاولة تجاوز مختلف النواقص التي يعرفها نموذجنا التنموي الحالي سترهن من دون مستقبل البلاد ومستقبل الأجيال الصاعدة، لهذا فنحن كمتتبعين و كمواطنين كنا ننتظر صدوره بفارغ الصبر لأننا نتوق إلى نموذج تنموي مبتكر يراعي أهم المطالب الإجتماعية الملحة على رأسها الصحة والتعليم كما يراعي كذلك الإكراهات الاقتصادية في إطار التحولات الاجتماعية العميقة التي يعرفها العالم خصوصا في ظل جائحة كوفيد 19 التي أرخت بظلالها بالطبع على صياغة تقرير اللجنة حيث إن أي نموذج تنموي مستقبلي لا يمكن أن يغفل إمكانية حدوث جائحة عالمية وبالتالي وجب وضع آليات واضحة واستعجالية متقدمة واستباقية تحد من أي عراقيل اقتصادية واجتماعية جمة تهدد المنظومة المجتمعية ببلادنا”.
وأضاف الدكتور شراف في تصريح لجريدة بيان اليوم، أنه انطلاقا من ملامسته لمشاكل القطاع الصحي كفاعل وقيادي على المستوى النقابي الصحي “فإن جل تركيزنا انصب على الشق الصحي بالأساس رغم إقصائنا من مشاورات هذا القطاع الذي نظل مؤثرين فيه بشكل كبير خصوصا كأطباء الصف الأول و أطباء الأسرة الذين يعتبرون مدخل أي منظومة صحية ناجحة و يشكلون حقيقة الحجر الأساس لنجاح أي نموذج تنموي يحترم العنصر البشري ويجعل الحماية الإجتماعية رافعا أساسيا لأي نهضة تنموية حاضرة و مستقبلية”.
وتابع الدكتور شراف “من خلال قيامنا بقراءة التقرير نجد أن أول ما يجذبك هو العنوان الصغير الذي يلي النموذج التنموي الجديد: تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع، فكم نحن بحاجة إلى تحرير الطاقات خصوصا الرأسمال البشري الغني الذي يزخر به المغرب وكم نحن بحاجة إلى جو ديمقراطي شفاف تسوده الثقة يكفل المضي قدما في تقدم مجتمعي حقيقي رائد في المنطقة والعالم يضع المغرب في مصاف الدول المتقدمة التي ينعم مواطنوه بالرفاه والطمأنينة مما ينعكس إيجابا على السلم الإجتماعي الذي يشكل منبع تخوف خلال السنوات الأخيرة و يظل مطية حتى لمن يضمر في داخله عداوات معلنة و غير معلنة لبلدنا الحبيب”.
وحسب الدكتور شرف فإن “أبرز المشاكل التي يتعرض لها التقرير في المجال الصحي يبقى جودة الخدمات في هذا المجال حيث يتطرق التقرير في إحدى الفقرات بالحرف “مكنت الجهود المبذولة قصد توسيع الولوج إلى الخدمات العمومية من تعميم التمدرس الأساسي و توسيع عرض العلاجات غير أن هذه الجهود لم يواكبها تحسن في جودة خدمات التربية والتكوين والصحة وفي مجال الصحة وعلى الرغم من توسيع التغطية الصحية تظل صعوبات الولوج لمنظومة العلاجات قائمة” ويعزو التقرير سبب الولوج إلى ضعف الموارد المادية والبشرية المرصودة لهذا القطاع الحيوي، وهذا يشكل عبئا حقيقيا يجعل المغرب دون المعايير المعتمدة من منظمة الصحة العالمية، كما أن الأسر تتكبد نسبة كبيرة من النفقات كما يتطرق التقرير لانتظارات المواطنين”.
واتستطرد الدكتور شراف “كما نطالب بذلك منذ مدة بخدمات ذات جودة بشكل متكافىء من حيث التكلفة والتوزيع الجغرافي الشيء المفتقد حاليا في ظل غياب خارطة صحية تراعي التفاوت الديمغرافي والجغرافي ببلادنا كما أن تعميم تغطية صحية حقيقية بكل ما للكلمة من معنى يبقى مطلبا شعبيا يشكل مصدر إجماع واسع، وهذا راجع من دون شك إلى الكلفة العالية للعلاجات خصوصا مع الأمراض المزمنة التي تثقل كاهل الأسر المغربية”.
وجاء في تصريح الدكتور شراف “كما يعرج التقرير على الآثار الكارثية لجائحة كوفيد 19 على جل المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية ويسائل مدى نجاعة المنظومة الصحية والقدرات الاستباقية في تدبير المخاطر ويسائل نجاعة المنظومة الصحية في ظل ارتفاع الطلب على العرض خلال هذا النوع من الجوائح كما أن غياب رقمنة القطاع يشكل كذلك عقبة أمام سلاسة تبادل المعلومة وأثر سلبا بالتالي على مدى التنسيق المطلوب بين مختلف الفاعلين في المجال الصحي”.
وتابع الدكتور شراف “ينكب التقرير على تحليل التغطية الصحية المعممة المرجوة والتي بالطبع لا يمكن أن تستمر بطريقة طبقية ومتفاوتة حيث أن الصحة كحق دستوري أساسي لا بد لها أن تشمل بشكل عادل جميع المواطنين باختلاف مشاربهم لذا فالجميع يجب أن يستفيد من نفس سلة العلاجات تشمل بالطبع الأمراض المنتشرة و الأكثر تكلفة تعزيزا لمبدأ الحماية الإجتماعية لهذا فالنموذج التنموي المقترح يهدف إلى توسيع مجال التغطية كما يؤكد على مبدأ الحكامة التي تراعي تقديم الخدمات المناسبة و إيجاد سبل الحفاظ على التوازن المالي لصناديق التأمين وذلك من خلال البحث على تعزيز وتنويع مصادر التمويل”.
واستطرد قائلا “وهذا من وجهة نظرنا أمر طبيعي وضروري لمواكبة التغيرات الديمغرافية التي يعرفها المغرب ومن دون شك فإن طبيب الأسرة لاعب محوري بإمكانه تعزيز الحكامة و المساعدة بشكل كبير في ترشيد النفقات و المضي قدما في الحفاظ على التوازن المالي لصناديق التأمين مما يساهم بشكل كبير في ديمومة و نجاعة نظام التغطية الصحية لهذا وجب من وجهة نظرنا التركيز على تحسين ظروف اشتغال الطبيب العام وإيلاءه العناية اللازمة ماديا ومعنويا لجعله رافعا من روافع التنمية ولا شك أن المقترحات الأخيرة التي اعتمدها المجلس الحكومي بمساهمة الأطباء العامين بالقطاع الخاص بأربع مرات الحد الأدنى للأجور تضرب في مقتل هاته الرغبة في تحسين وتجويد العرض الصحي و الرفع من حكامة القطاع الصحي”.
وقال الدكتور شراف إنه “لا شك أننا نتقاطع بشكل كبير مع غالبية المقترحات التي وردت في التقرير بشكل عام أن المطالب الأساسية التي تضمنتها مختلف الاجتماعات التي عقدت بين النقابات من جهة والحكومة ممثلة في وزارة الصحة من جهة ثانية حيث أن النقاط الأساسية تتمثل في تعميم تغطية صحية ذات جودة عالية تقدم سلة علاجات موحدة ضد الأمراض و المخاطر بشتى أنواعها و هذا لن يتأتى إلا بتعزيز العرض الصحي انطلاقا من الموارد البشرية وإعطائها القيمة التي تستحق سواءا في القطاع العام أو الخاص حيث وجب تعزيز دور المستشفى العمومي وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمسار واضح و ليس عن طريق إفراغ القطاع العام لينتقل إلى القطاع الخاص المتأزم إلى حد كبير بسبب الضغوطات المختلفة التي يعاني منها كما يجب تبعا لمختلف الانظمة الصحية الرائدة عالميا تنظيم المسار المنسق للعلاجات الذي يجعل طبيب الأسرة محوره واللاعب الأساسي في سبيل تعزيز الحكامة إضافة إلى رقمنة المجال الصحي مما سيمكن من تيسير مرور المعلومة إضافة إلى الرفع من دقتها و تفادي الأخطاء المجانية الناتجة عن عدم إيلاء التطور التكنولوجي حقه كاملا في هذا المجال كما أن الإستثمار في مجال الصحة وتشجيع الإبتكار و الإعتماد على الطرق الحديثة كالطب عن بعد و تشجيع النزاهة و الشفافية في المجال الصيدلي في سبيل تطوير الأدوية الجنيسة و تطوير تنافسية الصناعة المحلية كلها مقترحات تساهم في تطوير هذا القطاع ومن دون شك فإن مطلب تأسيس الهيئة العليا للصحة مطلب أساسي يجب أن يرى النور في أقرب الآجال لمواكبة مختلف المشاريع و إصدار الآراء و استشراف المستقبل بشكل متقدم و بناء”.
> عبد الصمد ادنيدن