صادقت اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، الملتئمة في دورتها الثامنة، أول أمس السبت بالرباط، بالأغلبية المطلقة، على تقرير المكتب السياسي الذي قدمه الأمين العام للحزب محمد نبيل بنعبد الله، كما صادقت ذات اللجنة بالإجماع على التقرير المالي الذي قدمه أنس الصبيحي عضو اللجنة المركزية، وتقرير لجنة المراقبة السياسية والتحكيم الذي قدمه رئيسها سعيد سيحيدة، وتقرير لجنة المراقبة المالية الذي قدمه رئيسها عبد الواحد الجاي.
وعرفت اللجنة المركزية التي التأمت حضوريا، لأول مرة منذ بداية تفشي وباء كورونا في مارس 2020، بعدما كانت تلتئم عن بعد طيلة مرحلة الجائحة، نقاشا واسعا للوثيقة السياسية التي قدمها الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله، وكذا التقارير التي جرى تقديمها خلال هذه الدورة.
في هذا السياق، كان الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله قد وجه انتقادات واسعة للحكومة الجديدة، والتي تضمنها تقرير المكتب السياسي، بحيث أكد بنعبد الله أن الحكومة الحالية تشكلت في مظهر سياسي حزبي شكلا، لكن بعمق تكنوقراطي واضح، منبها إلى الخطورة التي ينطوي عليها هذا الأمر، خصوصا على المستوى السياسي وأهمية الثقة في المؤسسات الحزبية واستعادة ثقة المواطنات والمواطنين في العمل السياسي.
وقال بنعبد الله إنه لا يجب انتظار شيء يذكر من حكومة يمينية سيعاني منها الشعب كثيرا، مسجلا في هذا الصدد أن هناك نقائص جمة تتخلل البرنامج الحكومي، ومن ضمنها عدم تدقيق معظم القضايا المتصلة بالمجال الاقتصادي والميدان الاجتماعي، وبمعالجة الإشكالات الكبرى، فضلا عن الانعدام شبه التام للالتزامات المرتبطة ببلورة مضامين الدستور، وتوطيد الديمقراطية، وتوسيع فضاء حقوق الإنسان والحريات.
كما سجل زعيم حزب “الكتاب” أن القانون المالي الجديد جاء مخيبا للانتظارات، وبمنطق محاسباتي لا اجتهاد فيه، ومفتقدا لإجراءات في مستوى خطورة المرحلة وصعوبتها، بالإضافة إلى كون الحكومة عاجزة عن تقديم الأجوبة للأسئلة الحارقة للطبقات الشعبية ولأوساط المقاولة، وغير قادرة على إحداث القطائع الموعودة، وترجمة التوجهات العامة المعلنة إلى مبادرات ملموسة.
في هذا الإطار، قال بنعبد الله إن الحزب، بناء على نتائج الانتخابات وتوجهاتها، اختار المعارضة البناءة التي لا تجد حرجا في مساندة ما هو إيجابي وفي التنبيه ومعارضة كل ما هو سلبي وكل ما يمس حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، وكذا الإجراءات غير المقبولة في مختلف المجالات، مشيرا إلى أن ذلك ما دفع حزب التقدم والاشتراكية للتصويت ضد البرنامج الحكومي، ورفض القانون المالي الجديد لسنة 2022.
وشدد بنعبد الله على أن حزب التقدم والاشتراكية سيخوض، انطلاقا من مختلف الواجهات، ومن موقع المعارضة التقدمية البناءة والمسؤولة، معارك ضد السياسات اللاشعبية أو اللاديموقراطية طالما أن الشعب أمام حكومة ليبرالية يمينية، مستنكرا اختباءها وراء أقنعة اجتماعية، وقيامها بقرصنة مفردات ومفاهيم فكرية من المرجعية اليسارية من قبيل “الدولة الاجتماعية”، معتبرا أن إجراءاتها في الأيام الأولى، وكذا ما جاءت به في القانون المالي الجديد بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة الاجتماعية، وبعيدة كل البعد عن الوعود التي قطعتها الأحزاب المكونة للأغلبية في برامجها الانتخابية، منبها إلى أن من شأن هذا الأمر أن يعطي صورة سلبية عن العمل السياسي، ويضرب في العمق ثقة المواطنات والمواطنين.
وأضاف بنعبد الله أن الحكومة الحالية لن تلبث أن تسقط أمام امتحان الشعب وتطلعاته، بسبب نكوصها عن الوعود التي أطلقتها وحجم الانتظارات المقدمة للمواطنات والمواطنين، فضلا عن إجراءاتها في الأيام الأولى، واستمرارها على نفس نهج الحكومة السابقة في ما يخص بلاغات منتصف الليل، والإجراءات المتسرعة من قبيل فرض جواز التلقيح وخلق ارتباك في مختلف الأوساط المجتمعية، فضلا عن الزيادات المهولة في أسعار مختلف المواد الاستهلاكية والمحروقات، وغيرها. في هذا الصدد، وبعدما نوه بنعبد الله بالتحول الإيجابي المرتبط بجائحة كوفيد 19، من الناحية الصحية، قال “إن ذلك لا ينبغي أن ينسينا الاستراتيجيات التنموية التي ينبغي اعتمادها لبعث الروح في الاقتصاد الوطني ومعالجة الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تئن تحت وطأتها ملايين الأسر المستضعفة التي تأثرت، ولا تزال، بالتداعيات الوخيمة اجتماعيا”، مضيفا أن ذلك “يطرح على بلادنا تحديات عــظمى في الحاضر والمستقبل القريب، اقتصاديا واجتماعيا”.
وحول المقاربة الصحية في تدبير الجائحة، أشاد بنعبد الله بمجموعة من التدابير التي تمت، خصوصا على مستوى الصفوف الأولى من رجال الصحة والتعليم، والأمن، والسلطات المشرفة على تدبير الجائحة، وكذا سير عملية التلقيح، مردفا في هذه النقطة أن هناك بالمقابل قرارات متسرعة غير مقبولة تتمثل في فرض “جواز التلقيح”، الذي قال إن الحزب لا يرفضه مبدئيا، لكن يعتبر أن اعتماده كان يقتضي خلق حوار وإقناع واستشارات وتواصل وتفسير والأخذ بعين الاعتبار للحالات الخاصة، كما كان ضروريا إتاحة ما يكفي من الوقت أمام كافة المواطنين لكي يتدبروا أمرهم ويحضروا أنفسهم للتعامل السلس مع هذا الإجراء.
وأعلن بنعبد الله رفض حزب التقدم والاشتراكية التام للأساليب العنيفة في مواجهة الأشكال الاحتجاجية العادية والسلمية التي بادر إليها مواطنون بشكل حضاري، يضمنه الدستور، للتعبير عن عدم موافقتهم على اعتماد “جواز التلقيح”. مشيرا إلى أن ما يـثير الاستغراب والاستياء أكثر هو البلاغ الذي أصدرته رئاسة الحكومة حول الموضوع، وتجاهلت فيه،
بشكل مطلق، النقاش الواسع الذي يروج في المجتمع بمختلف أوساطه، بما فيها العلمية والقانونية والحقوقية، حول “جواز التلقيح”، معتبرا هذا الأمر إشارة واضحة من هذه الحكومة إلى عزمها نهج سياسة الآذان الصماء، وسياسة احتقار الرأي العام والتعالي عليه.
حزب التقدم والاشتراكية بديل تقدمي ضروري وأساسي في المشهد السياسي
إلى ذلك، عاد بنعبد الله للتـأكيد على الدور المحوري الذي يلعبه حزب التقدم والاشتراكية في موقع المعارضة البناءة والمسؤولة، مذكرا بأن الحزب اختار، في سنة 2019، الخروج من الحكومة والاصطفاف في المعارضة، محدثا بذلك توازنا في المشهد السياسي من خلال الدور المحوري الذي لعبه في موقع المعارضة، ومن خلال تنبيهه لمختلف السياسات والإجراءات غير المقبولة من الحكومة السابقة.
وأوضح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن الحزب قدم أداء سياسيا وتواصليا قويا، من موقع المعارضة الوطنية الديمقراطية البناءة والمسؤولة، ذات المضمون السياسي، والتي اصطف فيها، منذ شهر أكتوبر من سنة 2019، بحيث لم يكتف فقط بالدفع في اتجاه تطوير البعد الديمقراطي للمنظومة القانونية للانتخابات، بل ارتكز أساسا على مدخل الإصلاح السياسي، في منحى تعزيز المسار الديمقراطي؛ وتوسيع فضاء الحريات؛ وإعادة الثقة في العمل السياسي؛ واسترجاع مصداقية المؤسسات المنتخبة؛ وتقوية أدوار الأحزاب السياسية؛ وتوفير أجواء الانفراج السياسي والحقوقي.
كما سجل بنعبد الله أن الحزب قدم أيضا، عرضا سياسيا اقتراحيا طموحا وواقعيا، بما يشكل بديلا تقدميا، ضروريا وأساسيا، كانت البلاد في أمس الحاجة إليه، مذكرا في هذا الصدد بكل ما تميز به الحزب من إنتاجات سياسية هامة من موقعه بالمعارضة خلال الولاية السابقة، من قبيل “وثيقة مساهمة الحزب في إعداد النموذج التنموي”؛ ثم لاحقا “إسهام الحزب في الميثاق الوطني من أجل التنمية”؛ وكذا “وثيقة اقتراحات الحزب لمواجهة ما بعد الجائحة: من أجل تعاقد سياسي جديد”؛ وأيضا البرنامج الانتخابي الوطني.
وأكد بنعبد الله أن ذلك، يجعل من حزب التقدم والاشتراكية في طليعة الأحزاب الوطنية ذات الحضور والإسهام القويين في المشهد السياسي الوطني، داعيا إلى السير على نفس النهج ومواصلة هذا العمل بقوة، وإعطاء العمل السياسي بعده الضروري والنبيل الذي يجب أن يطبعه، مشيرا إلى أن الحزب عمل على ترجمة عمله على أرض الواقع وخلال تحضيره لانتخابات 8 شتنبر والتي استطاع خلالها حصد نتائج مهمة ومتقدمة، بالرغم مما شاب العملية من استعمال مفرط للمال.
وذكر بنعبد الله، في هذا السياق، بما عرفته انتخابات 8 شتنبر وكذا انتخاب أعضاء مجلس المستشارين في أكتوبر الماضي، فضلا عن انتخابات الغرفة المهنية السابقة في غشت الماضي، مشيرا إلى أن الحزب نبه إلى خطورة الاستعمال المفرط للمال الذي أفسد العملية الانتخابية، وأكد على أن تنديده بهذه الظاهرة ليس هدفه فقط فضح سلوكات خارجة عن القانون، “وإنما أيضا وأساسا التنبيه إلى ما للظاهرة من انعكاسات سلبية، بل وخيمة، على السير السليم للانتخابات، وعلى الترشيحات عددا ونوعا، وعلى طبيعة المـنتخبين”.
إلى ذلك، وبعدما شخص الأوضاع العامة، وما أفرزته انتخابات 8 شتنبر من نتائج، وكذا الانطباع الأولي للحكومة الجديدة والوضع السياسي العام، شدد بنعبد الله على أن حزب التقدم والاشتراكية، وانطلاقا من هويته التقدمية ومرجعته الاشتراكية ومبادئه التحررية، عازم على تجسيد البديل التقدمي كصوت يصدح باستنكار تركز الخيرات في أيدي طبقات وأفراد ومجالات محصورة، وبفضح ما تتعرض له الثروات الطبيعية من استغلال بشع، وما تقوم به الطبقات الغنية من إمعان في مراكمة الأرباح على حساب الطبقات الفقيرة والكادحة والفئات المستضعفة.
كما أكد على أن حزب التقدم والاشتراكية عازم على التصدي، بصرامة، لما يواجهه المشهد السياسي من محاولة لهيمنة الأغلبية، ومن تراجعات عن المكتسبات الحقوقية وما يهم المواطنات والمواطنين، وذلك من موقع المعارضة البناءة، فضلا عن كونه، داخليا، عازم على التصدي للمخاطر الحقيقية التي تحـدق بالحزب وتوجهاته، من خلال التركيز على التكوين والتأطير، والاشتغال بمنطق الأهداف والنتائج، وتثمين نضال القرب على ملفات المواطنين، والعمل على إفراز نخب حزبية مُناضلة على المدى البعيد.
تمتين الجبهة الداخلية هو صمام الأمان الحقيقي أمام كل المناورات والتهجمات
وفي سياق آخر، عبر بنعبد الله عن تنويه حزب التقدم والاشتراكية بالقرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد مهمة بعثة المينورسو في الصحراء المغربية، والذي قال إنه ينضاف إلى كل القرارات السابقة للهيئة الأممية، “والتي نتطلع إلى أن تساهم في إيجاد حل سياسي وواقعي، في كنف سيادة بلادنا على كافة التراب الوطني، لهذا النزاع المفتعل حول صحرائنا المغربية”.
وأوضح المتحدث أن التطورات التي راكمتها بلادنا في معالجة قضية الوحدة الترابية، خلال الفترات الأخيرة، تحتاج إلى مواصلة الجهد بثبات، من أجل تكريس الاتجاه العام للمنتظم الدولي في تبنيه لمعايير الحل السياسي المتوافِقة تماما مع مبادرة الحكم الذاتي. مشيرا إلى أن تمتين الجبهة الداخلية، ديمقراطيا وتنمويا واجتماعيا واقتصادياً، يظل هو صمام الأمان الحقيقي أمام كل المناورات والتهجمات التي تأتي من خصوم البلاد، “لاسيما يبرز بنعبد الله “أمام القرارات والاستفزازات الرعناء التي يقدم عليها الحكم الجزائري”.
يشار إلى أن الدورة الثامنة للجنة المركزية كانت قد عرفت نقاشا واسعا، قبل المصادقة على تقرير المكتب السياسي وباقي التقارير، وذلك، في جلسة امتدت لساعات، وعرفت عشرات المداخلات. وقد ترأس أشغالها مصطفى الرجالي، عضو المكتب السياسي للحزب، فيما تشكلت رئاسة الجلسة من عائشة لبلق، ونادية تهامي، ورشيد روكبان، وخديجة الباز، أعضاء المكتب السياسي.
تقرير إخباري: محمد توفيق أمزيان
تصوير: عقيل مكاو ورضوان موسى