لطالما كنا ننادي بتحويل بعض بيوت الفنانين والأدباء إلى متاحف، خاصة بعد توديعهم لدنيانا، وعيا بالمصير المؤسف الذي قد يؤول إليه تراثهم الأدبي والفني إذا تركت محلاتهم لعبث الورثة والمضاربات العقارية وغير ذلك.
في بحر هذا الأسبوع، بلغ إلى علمنا أن بيت العائلة الفنية ميكري يواجه المصير نفسه، بعد صدور حكم قضائي بإفراغه. هذا البيت الذي يشكل ذاكرة فنية بالنظر لارتباطه بعائلة كان لها إسهام قوي في تطوير الأغنية المغربية العصرية منذ الستينيات من القرن الماضي، سيتم طمسه في رمشة عين، مع أنه كان من المفروض أن يتم الحفاظ عليه وجعله مزارا لكل من يحج إلى قصبة الوداية، وهذا هو موقعه بمدينة الرباط.
المواطن المغربي بحاجة إلى التربية على الجمال وعلى فنون الإبداع والتعبير، ولعل من بين الطرق لتحقيق هذه الغاية، هي العناية بمختلف مظاهره وصيانتها من الاندثار.
بيت الفنان من بين هذه المظاهر، حيث يمكننا من الوقوف على المراحل التي قطعتها تجربته، أسلوب عيشه، إرثه الفني، مقتنياته، مخطوطاته.. إلى غير ذلك من الأشياء الهامة التي تخدم السياحة الثقافية.
هناك أشياء ثمينة ضاعت بمجرد أن غادر أصحابها دنيانا، علما بأنهم يعدون رموزا ثقافية وفنية. كان يمكن بقليل من الإمكانيات الحفاظ على هذا الإرث الذي لا يقدر بثمن، والذي يمكن استثماره في ما بعد، من خلال تحويل مكان الإقامة إلى متحف، يضم مختلف ما تركوه، كبر شأنه أم صغر، وقد رأينا كيف أن متاحف بعض الفنانين والأدباء العالميين، لا تزال تحتفظ بغرفة النوم كما تركوها في نومتهم الأخيرة، بالنظر إلى أن هذا المشهد، رغم بساطته، من شأنه أن يقربنا من أسلوب عيش ذاك الفنان أو الأديب في حقبة زمنية معينة.
لا شك أن منظمات المجتمع المدني والمستثمرين في القطاع الخاص، بالإضافة إلى الوزارة الوصية على قطاع الثقافة، بإمكانها أن تلعب دورا أساسيا في حماية تركة الفنان من الضياع والاندثار، فعوض ترك بيته عرضة للمضاربات العقارية، خاصة بعد رحيله عن هذه الدنيا الفانية، تعمل على اقتنائه واستثماره في مجال السياحة الثقافية، وبذلك تكون قد حققت فائدة مضاعفة، من جهة تحافظ على تركته الثقافية، وهذا هو الأساسي، ومن جهة أخرى تضمن عائدا ماديا مستداما.
نادرة جدا مبادرات من هذا القبيل في وسطنا الثقافي، إن لم أقل منعدمة، وهذا راجع في اعتقادي إلى خوف القطاع الخاص من المغامرة، خاصة في مجال يعد نخبويا، كما هو الحال بالنسبة للثقافة.
ولذلك يستمر استنزاف العديد من الفرص الثمينة التي تشكلها ذاكرة الفنان، حيث بمجرد ما تنفصل روحه عن جسده، يتلاشى كل ما يتعلق به.
عبد العالي بركات