رمضان هو شهر جوع وعطش ولكنه يعتبر في نفس الوقت بلسما وشفاء للأجساد والأرواح. وللصيام فوائد عديدة، تتوزع على العديد من الجوانب، منها الجانب الروحي والديني، الأخلاقي الاجتماعي، وكذا بالنسبة إلى الصحة البدنية للصائمين. ويوجد اليوم إجماع من قبل العلماء والأطباء على فوائد الجوع لفترات قصيرة للجسم، فأثناء الجوع يبدأ الجسم في تنظيف الأمعاء والكبد والدم من السموم، وتتقلص أمراض الأوعية الدموية، كما أن الجوع لفترات قصيرة ينشط المناعة. في هذه الزاوية، نسلط الضوء على بعض الجوانب الصحية التي يجب استحضارها من أجل صيام يجسد القول المأثور “صوموا تصحوا”.

د.جيهان شهرزاد بوي : الصوم مفيد لمرضى الغدة الدرقية شريطة احترام مواعيد الدواء والوجبات

كلما حل الشهر الفضيل،  يشرع الكثير من المرضى في طرح تساؤلات حول كيفية متابعة تناول الأدوية بسبب تغير مواعيد الوجبات والنوم. ويهم هذا الأمر على الخصوص الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة وعدد من الأمراض الاضطرابية كمرض اضطراب الغدة الدرقية.

من خلال هذا المقال، نعرض النقط الأساسية المتعلقة بالصيام لدى مرضى اضطراب الغدة الدرقية.

قبل كل شيء، ماهي الغدة الدرقية؟ وماهي أهم وظائفها؟

الغدة الدرقية هي غدة على شكل فراشة تقع في الرقبة، وتعمل على تنظيم عمليات الاستقلاب وتعتبر الغدة الدرقية من بين أهم الغدد في الجسم الإنسان وفاعلا أساسيا في نظام الغدد الصماء، فهي توفر عددا كبيرا من الوظائف الأساسية لتوازن الجسم خصوصا هرمون “تيروكسين” الذي يساهم في تنظيم التماثل الغذائي في الجسم ويشارك بشكل خاص في عملية النمو، وفي تمايز الأنسجة وفي تنظيم النمو البدني والعقلي.

وكأي عضو في الجسم، قد تتعرض الغدة الدرقية الى اضطرابات مرضية تأثر سلبا على وظائفها وبالتالي على الكثير من الوظائف الحيوية في جسم الانسان. فماهي أهم الاضطرابات التي تصيب الغدة الدرقية؟

بالفعل قد يحدث خلل في عمل الغدة الدرقية مما يؤدي الى اضطرابات في  هرموني “التيروكسين” و”التريودوتيرونين” المفرزين من طرف هذه الغدة، مما يؤثر سلبا على العديد من الوظائف المهمة لتوازن الجسم.

هذا الخلل قد يكون إما ناتجا عن إفراط في إفراز هاذين الهرمونين، مما يؤدي إلى استخدام الجسم للطاقة بشكل أسرع مما ينبغي. وقد يكون السبب في ذلك مرض “غريفز” (هو اضطراب في الجهاز المناعي تنتج عنه زيادة إنتاج الهرمونات الدرقية). كما أن أحد الأسباب الأخرى المتسببة في هذا الاضطراب قد يكون ناتجا عن تناول بعض الأدوية التي تحتوي على نسبة مهمة من مادة اليود. ومن بين أعراض هذا الإفراز المفرط:

• تسارع في دقات القلب وارتفاع في الضغط الدموي مما قد يتسبب في مضاعفات خطيرة قد تصيب القلب والشرايين.
• التعرق الزائد وإحساس مفرط بالحرارة.
• الرعشة.
• العصبية الزائدة والاضطرابات في النوم.
• فقدان الوزن مع الزيادة في الشهية.
• زيادة في النشاط اليومي رغم الإرهاق والضعف.
• تساقط في الشعر وتكسر الأظافر.
• اضطرابات في الدورة الشهرية عند المرأة.
• الإسهال المتكرر.

 كما يمكن أن يكون الاضطراب ناتجا عن عدم وجود إنتاج كاف من الهرمونات مما يؤدي الى استخدام الجسم للطاقة بشكل أبطأ مما يجب وهو ما يسمى بقصور أو خمول الغدة الدرقية. وقد يحدث ذلك بسبب نقص في مادة اليود أو مرض هاشيموتوا , و هو اضطراب في المناعة الذاتية يصيب الغدة الدرقية كما هو الشأن بالنسبة لمرض غريفز. و من بين أعراض خمول الغدة الدرقية نذكر:

• تباطؤ في دقات القلب.
• الزيادة في الوزن والانتفاخ.
• العياء المزمن والرعشة والإحساس بالبرد.
• اكتئاب والرغبة الدائمة في النوم.
• آلام في العضلات.
• تساقط الشعر وتكسر الأظافر وبشرة جافة.
• اضطرابات في العادة شهرية عند المرأة.
• ارتفاع في نسبة الكولسترول في الدم.. وغيرها من الاضطرابات.

وتعتبر النساء الفئ الأكثر عرضة للإصابة بهذه الاضطرابات خصوصا النساء فوق 50 سنة. كما يلعب العامل الوراثي دورا مهما في خطر الإصابة بهذه الأمراض. كما يوجد أنواع أخرى من الأمراض قد تصيب هذه الغدة كسرطان الغدة الدرقية وكذا مرض تضخم الغدة الذي قد يتصاحب باضطرابات في إفراز هرموني “التيروكسين” و”التريودوتيرونين”.

هل يؤثر الصيام على مرضى اضطراب الغدة الدرقية؟

بعد هذا التعريف بالغدة الدرقية وأهم وظائفها و الاضطرابات التي يمكن أن تصاب بها، سوف نتطرق إلى إذا ما كان  الصيام يؤثر سلبا على مرضى اضطراب الغدة الدرقية وماهي الاحتياطات التي يجب اتخادها من طرف المريض خلال هذا الشهر الكريم؟

يعد الصيام مفيدا ومنظما للوظائف الجسم، ويمكن لمرضى الغدة الدرقية أن يصوموا شرط أن يحافظوا على أخد أدويتهم بشكل منتظم وباحترام بعض التعليمات، خصوصا لمن يعانون من خمول في الغدة. حيث يجب على مريض الغدة الخاملة تناول الدواء على معدة فارغة، أي بمجرد أذان المغرب مع شرب الماء الكافي، ثم الانتظار لتناول الإفطار بما لا يقل عن 30 دقيقة. كما يجب تفادي شرب الدواء بالحليب أو أي مشروب أخر غير الماء.

أما المصابون بفرط في نشاط الغدة، فيكون الصوم مفيدا لهم مع تنظيم العلاج بين الإفطار والسحور.

ماذا إذا نسي مريض خمول الغدة الدرقية أخذ الدواء في وقت الإفطار؟

كثير من المرضى لا يحافظون على أخذ أدويتهم في مواقيتها وباستمرارية خلال شهر رمضان. لذا وفي حالة نسيان المريض لجرعة الدواء، يجب عليه أخذها بين الإفطار والسحور: مثلا، 30 دقيقة قبل السحور، على أن يكون الوقت بين السحور و أخر وجبة تناولها يتعدى ساعتين أو أكثر. ثم في اليوم التالي، يجب أن يحرص على أخذ جرعاته في الوقت المحدد، أي قبل الإفطار على معدة فارغة.

يتزايد اهتمام مرضى الغدة الدرقية بتغذيتهم من أجل التحسين من عملها. فهل هناك نظام غذائي معين يحسن من عمل الغدة الدرقية الخاملة خلال شهر رمضان؟

يعد النظام الغذائي المتوازن مهما لمساعدة الغدة الدرقية على العمل بطريقة سليمة سواء خلال شهر رمضان أو على طول السنة.

فبعض الأغذية الغنية بمادة اليود مهمة لتحسين عمل هذه الغدة الخاملة عن طريق تعزيز عمل الدواء الخاص بها. حيث ننصح باستهلاك الأسماك بأنواعها، وفواكه البحر واستعمال الملح المعزز بمادة اليود.

كما ينصح باستهلاك الأغذية الغنية بمادة السيلنيوم وفيتامين “ب 12″ وفيتامين” د ” ونذكر منها: الأسماك، الحليب ومشتقاته، البيض، فواكه البحر، الحبوب الكاملة……

كما يجب الحرص على الحفاظ على تغذية متوازنة غنية بالخضروات والفواكه لما تتوفر عليه من فيتامينات ومعادن وألياف، والابتعاد عن الأغذية المصنعة، والمواد الحافظة، والدهون المشبعة والمتحولة، والسكريات المفرطة التي تزين موائد افطارنا خلال هذا الشهر الفضيل.

كما يجب الحفاظ على شرب كميات كافية من الماء في الفترة بين الإفطار والسحور، ما يعادل لترا ونصف إلى لترين من الماء على الأقل، للحفاظ على مستويات كافية من النشاط البدني.

وختاما، فان اضطرابات الغدة الدرقية من بين الأمراض المزمنة الأكثر شيوعا، وهي لا تشكل عائقا أمام صيام المريض المصاب بها شريطة الالتزام بأخذ الأدوية في مواقتها والحفاظ على نظام غذائي ونشاط بدني متوازن.

> إعداد: سميرة الشناوي