قال محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أول أمس الثلاثاء بالقنيطرة، إن تطبيق آليات حقوق الإنسان في مجال مكافحة التعذيب يتطلب إلماما بتقنياته.
وأضاف عبد النباوي، في كلمة خلال ندوة دولية حول موضوع: “الوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء الإيقاف والاستماع والحراسة النظرية” ألقتها بالنيابة عنه مديرة قطب الشؤون القضائية بهذا المجلس، لطيفة توفيق، أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في إطار مهامه الدستورية، عمل على الرفع من نجاعة أداء القضاة وصقل مهاراتهم، مشيرا إلى أن هذا العمل يأتي انطلاقا من قناعة راسخة بأهمية التكوين والتكوين المستمر للقضاة، الذين أناط بهم الدستور مسؤولية حماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق ضمانات محاكمتهم العادلة.
وأبرز أن السلطة القضائية راكمت العديد من الممارسات القضائية الفضلى على مستوى مختلف محاكم المملكة، في قضايا ذات صلة بتكريس المبادئ الدستورية الأساسية المتمثلة في احترام شروط المحاكمة العادلة، مضيفا أن المجلس يؤكد على انخراطه التام في كل الجهود المبذولة لتعزيز المنظومة القانونية والقضائية في البلاد في مجال مناهضة التعذيب.
ومن جهته، قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، إن بلادنا عملت على مراكمة مجموعة من المكتسبات التي حققتها في مجال حماية حقوق الإنسان، والنهوض بها والتي توجت باعتماد دستور 2011، الذي أولى مكانة متميزة لحقوق الإنسان بالنظر لما تضمنه من مقتضيات هامة، اعتبرت بمثابة ميثاق للحقوق والحريات الأساسية وأكدت على التزام المملكة المغربية بحقوق الإنسان وتشبثها بها كما هو متعارف عليها عالميا،
وأبرز رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، في كلمة بالمناسبة، أن المغرب، في إطار حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، قام في بداية هذا الأسبوع، بتقديم أدوات تصديق المملكة المغربية على البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة.
وأضاف أن رئاسة النيابة العامة انخرطت منذ سنوات ومن خلالها كافة قضاة النيابة العامة في المجهودات الوطنية الرامية إلى محاربة التعذيب والوقاية منه والسهر على إنفاذ القانون بكل صرامة من أجل ضمان أمن وسلامة الأشخاص وحماية حقوقهم وحرياتهم.
واعتبر أن التعذيب ليس جريمة كسائر الجرائم، بل هو عمل وحشي يجرد الإنسان من آدميته بالنظر لما يمثله من مهانة واستباحة لكرامة البشر، وهو ما دفع المنتظم الدولي منذ سنوات إلى حظره وتجريمه ومحاسبة مرتكبيه، واعتماد العديد من الآليات في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي شكل صرخة من شعوب الأرض نحو الضمير الإنساني من أجل التصدي الجماعي لكل مظاهر التعذيب.
وأشار إلى أن المجهودات التي تبذلها المملكة في مجال حقوق الإنسان تعبر بشكل ملموس وواقعي عن الدينامية الكبيرة للمملكة المغربية وتفاعلها الإيجابي مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان سواء على مستوى التكريس الدستوري أو القانوني أو على مستوى التفعيل.
ومن جهته، قال المدير المركزي للشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني، والي الأمن محمد الدخيسي، في كلمة باسم المديرية العامة للأمن الوطني، إن تنظيم هذه الندوة الدولية يعد دليلا على انفتاح المملكة المغربية على القيم الإنسانية وعزمها على مواصلة نشر ثقافة حقوق الإنسان وتوطيد دينامية الإصلاحات و الأوراش التي أطلقت تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس.
وأضاف أن المديرية العامة للأمن الوطني، وانسجاما منها مع أحكام دستور فاتح يوليوز 2011، بلورت رؤية متكاملة ومندمجة تهم حقوق الإنسان واحترام الحريات من خلال مخطط عمل رامي إلى الوقاية من التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء الإيقاف والاستماع والحراسة النظرية بصفة خاصة.
وأبرز أن مخطط العمل يرتكز على تمتين ودعم وسائل النزاهة والتخليق، وعصرنة هياكل ومناهج عمل الأمن الوطني ودعم قدرات موظفيه وربط المسؤولية بالمحاسبة وتجويد التكوين الأساسي والمستمر والتخصصي، مضيفا أن المديرية عملت على ملاءمة المخطط مع المعايير الدولية والمقتضيات القانونية الوطنية ذات الصلة وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي في المجال الأمني.
وتابع أن المديرية العامة للأمن الوطني أولت أهمية خاصة لتكريس وتقوية الحقوق والحريات في العمل الأمني لاسيما خلال الأبحاث القضائية، عبر إصدار جيل جديد من المذكرات المصلحية تؤكد وبصفة مسترسلة على التنزيل الأمثل لمختلف الضمانات القانونية الممنوحة سواء للمشتبه أو الضحايا أو الشهود. وخلص إلى أن المديرية، بكل بنياتها، تواصل عملها الحثيث كنموذج رائد في احترام الكرامة والحفاظ على إنسانية الأشخاص الموضوعين تحت تدابير الحراسة النظرية.
أما رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، فأكدت في كلمتها، أن احترام حقوق الإنسان في الوظيفة الأمنية هو قطب الرحى في التمتع بهذه الحقوق ومقياس ذا مصداقية لتقييم وضعية حقوق الإنسان في أي بلد. وأبرزت بوعياش، أن الحماية من التعذيب ليس ترفا فكريا ولا واجهة للمحاباة بل يقع في صلب المعيش اليومي لكل أفراد المجتمع ومؤسساته.
وأضافت أن كل غفوة أو هفوة يتردد صداها، تسائل الجميع من حيث الشعور المشترك بحجم المسؤولية للوقاية من التعذيب، مبرزة أن الشراكة بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمديرية العامة للأمن الوطني قد تبدو عادية حينما ينظر إليها من منظور مؤسساتي صرف، غير أنها في الحقيقة ذات دلالة رمزية كبيرة وعمق حقوقي غير مسبوق.
واعتبرت بوعياش أن إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، قبل ثلاث سنوات كاملة، شكل لحظة فارقة في مسار بناء دولة القانون في بلادنا، ولبنة أساسية في جهود تعزيز ضمانات احترام حقوق الإنسان، مضيفة أن الهدف خلال السنتين المقبلتين هو رفع عدد زيارات الآلية الوطنية لتصل إلى 100 زيارة خلال سنة 2024.
وأشارت إلى أن التعاون المؤسسي المستدام يتحول إلى آلية تصبو لمعالجة حالة ما، أو إعادة هيكلة أي فضاء للحرمان من الحرية، إلى نموذج يحتذى به بالنسبة لكل الأماكن، التي تعاني من نفس الظروف غير المناسبة، دون حاجة إلى إعادة نفس الملاحظات والتوصيات في زيارات أخرى، مما سيسمح بتطوير مضامين الزيارات ومستوى إجرائية التوصيات.
وقالت إن حصيلة عمل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب “جد إيجابية ومشجعة”، مضيفة أنه تم تسجيل نسبة تتراوح ما بين 80 و90 بالمائة، من حيث التفاعل، سواء من إدارة السجون أو مديرية الأمن الوطني أو الدرك الملكي مع توصياتها، والآلية بصدد تحضير زيارات المتابعة لعدد من المحاكم والمطارات والمستشفيات للأمراض العقلية لتقيس مدى إعمال توصياتها.
من جانبه، أشاد الأستاذ المقيم للقانون الدولي لحقوق الإنسان في الجامعة الأمريكية – كلية واشنطن للقانون – مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بالتعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، خوان إنديز، بجهود المغرب الرامية إلى تعزيز الضمانات التي تحمي الأشخاص من الشطط في استعمال السلطة، خاصة أثناء التحقيق في الجريمة، مضيفا أن الضمانات يجب أن تكون مصحوبة باعتماد إيجابي لمنهجيات أثبتت فعاليتها في مكافحة الجريمة.
ونوه بالتعديلات التي تم إدخالها على قانون المسطرة الجنائية، التي شملت بعض التعديلات التي أوصى بها في التقرير الذي قدمه سنة 2013 عقب زيارته للمغرب، معتبرا أن هذه الإنجازات ترجع إلى الجهود المتواصلة التي يبذلها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في ترافعه الجاد لمنع التعذيب في المغرب.
في حين أكدت رئيسة اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة، سوزان جبور، على أهمية الرصد المستمر في مجال الوقاية من التعذيب، وأن الرصد المستمر يهدف إلى تقييم السياقات والظروف التي يحدث فيها أو قد يحدث فيها التعذيب وسوء المعاملة. وأشارت المسؤولة الأممية إلى أن التعرف على الثغرات والاختلالات التي تؤدي لاستخدام التعذيب يمكن من تحديد أسبابها ومعالجتها، مضيفة أن سياقات وظروف التعذيب يجب أن يتم تقييمها على عدة مستويات.
وأضافت أن الرصد يجب أن يحلل الإطار القانوني، بما في ذلك مطابقة المعايير الدولية أو وجود أو غياب قوانين وأنظمة تتعلق بالتجريم والوقاية من التعذيب وسوء المعاملة.
وفي نفس السياق، تابعت المسؤولة الأممية التي ألقت مداخلتها في إطار الجلسة الثانية التي تمحورت حول موضوع “آليات وإجراءات الوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية”، أن الرصد يجب أن يركز على واقع تنفيذ الأحكام القانونية وإجراءات الحماية، بما في ذلك الممارسات على جميع المستويات.
تجدر الإشارة، إلى أن هذه الندوة، نظمتها المديرية العامة للأمن الوطني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كترجمة آنية لاتفاقية إطار للشراكة والتعاون المؤسسي في مجال التدريب وتوطيد احترام حقوق الإنسان في الوظيفة الأمنية، التي تم توقيعها بين المديرية والمجلس في 14 شتنبر الجاري.
وتهدف هذه الندوة الدولية، التي سير جلستها الافتتاحية، السفير المتجول المكلف بحقوق الإنسان، أحمد حرزني، إلى مناقشة الممارسات الجيدة في تنفيذ الضمانات القانونية والإجرائية الفعالة للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي قد ترتكب أثناء الإيقاف والاستماع والحراسة النظرية.
وشارك في هذه الندوة الدولية، خبراء وطنيون ودوليون وممثلون عن المديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل ومنظمات المجتمع المدني والجامعات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والآليات الوطنية للوقاية من التعذيب، وباقي الفاعلين المهتمين.
حسن عربي