العقلية الصبيانية للنظام العسكري الجزائري لم تكن لتقوده إلا إلى اقتراف ما جرى خلال الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب عشية افتتاح القمة المراد لها أن تكون من أجل «لم الشمل» العربي، ومرة أخرى لم يكن هؤلاء الشاردين والهواة جدا يستهدفون سوى المغرب من كل هذا العمى والهبل الذي يكبلهم.
لم تكن المناورات مستغربة، لكن بعضنا كان يتوقع أن ينجح الجينرالات في وضع «إخراج» ذكي لها على الأقل، وليس أن يعانقوا الغباوة حفاة عراة ومفضوحين أمام الجميع.
حتى القواعد البسيطة في بروتوكولات الاستقبال والتعامل والتنظيم ابتعدوا عنها، ولم يترددوا في بتر خارطة المملكة المغربية بواسطة قناة تلفزيونية تابعة تورطت في الكذب والتلفيق، وهذا ما جعل جامعة الدول العربية تسارع إلى إصدار بيان توضيحي، واضطرت رئاسة الجلسة إلى تقديم اعتذار، والقناة المتهافتة إلى سحب فعلتها والتراجع عنها، وبذلك انقلب السحر على الساحر، وفضحت الدولة المستضيفة نفسها أمام كل المشاركين بكونها تتعمد إيجاد أي طريقة لاستفزاز المغرب ومهاجمته، ولو كانت غارقة في البلادة.
وعندما مارس وزير الخارجية المغربي حقه البسيط في تقديم اقتراحات على جدول الأعمال في بداية الاجتماع، انبرى، من جديد، رئيس ديبلوماسية البلد المستضيف ليرفض الأمر، وهو ما احتج عليه ممثل المملكة، وساندته بلدان عربية أخرى.
مجريات القمة العربية لا تزال مفتوحة على المتابعة، وقد تحدث مستجدات بين الساعة والأخرى، وتتعمق فضائح وخروقات الدولة المحتضنة لها، ولكن وضع هذا المحفل العربي ضمن السياق الزمني المحيط به، يجعلنا ندرك أن نظام الجينرالات يعاني العزلة وإحساس الهزيمة، ومن ثم، كل ما يصدر عنه من مناورات يفسرها إدراك هذه المعاناة التي تكبله.
لقد تلقى النظام العسكري قبل بضع أيام فقط صفعة موجعة له عقب إصدار مجلس الأمن الدولي القرار رقم: 2654 المتعلق بنزاع الصحراء، وجاء مضمونه ناسفا لكل مزاعم الجزائر ومناوراتها، وأسقط كل أوهامها الباتولوجية.
القرار الأممي الجديد شدد على كون الجزائر طرفا بالفعل، ودعاها إلى المساهمة في إيجاد الحل السياسي المطلوب لهذا النزاع المفتعل، كما أن القرار أصر، من جديد، على التوافق السياسي كأفق للحل، وحدد زمنية المرجعية المستند إليها في 2007، أي فترة عرض المغرب لمقترح الحكم الذاتي، وأسقط كل حديث عن الاستفتاء، وذكر بالموائد المستديرة كآلية وحيدة للبحث عن الحل، ودعا الجزائر إلى المشاركة فيها.
هذا يعني أن الجزائر التي سبق أن أعلنت انسحابها من الموائد المستديرة، ودفعت صنيعتها الجبهة الانفصالية إلى إعلان خروجها من اتفاق وقف إطلاق النار، توصلت برفض الأمم المتحدة لهذه الخطوات الرعناء، كما أن قرار مجلس الأمن نبه إلى خطورة استمرار التصعيد، وحذر من التشويش على الإمداد الآمن والمنتظم للمؤن لفائدة بعثة الأمم المتحدة، ودعا الجزائر إلى التجاوب مع المنتظم الدولي في قضية اللاجئين والأوضاع المأساوية بتيندوف، وكل هذا يكشف عن تحميل المسؤولية كاملة للنظام الجزائري والجبهة الانفصالية.
لم تتجسد الصفعة الأممية فقط في مضمون قرار مجلس الأمن وما شمله من مخرجات، ولكن أيضا في خريطة التصويت عليه.
هنا أيضا صدم النظام العسكري الجزائري من بقاء فرنسا ضمن موقفها العام المألوف، وصوتت لصالح القرار عكس ما كان يحلم به بلداء قصر المرادية، وروسيا بدورها بقيت في تموقعها المألوف، وبدا تحفظها موجها للدولة صاحبة القلم، أي واشنطن، وليس ضد المغرب، وكينيا كذلك اختارت التصويت المنتظر منها بسبب معادلات سياسية داخلية تعنيها، ولكن لا أحد من الدول المعنية صوت ضد القرار، لتأتي النتيجة مكرسة لقوة الصفعة التي هوى بها المجتمع الدولي على النظام العسكري وماكينته الديبلوماسية.
وعندما نستحضر، إلى جانب دلالات قرار مجلس الأمن، كون أغلب الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية مساندة للوحدة الترابية المغربية، وأن البلد المستضيف لهذه القمة جرى تنبيهه إلى عدم افتعال أي مناورة ضد الحقوق الوطنية للمملكة، فكل هذا جعل النظام العسكري المعزول يعاني من إحساس بالعزلة والهزيمة قبل انطلاق أشغال القمة، وهو يدرك أيضا أن أغلب الدول في محيطه المغاربي والعربي لا تثق فيه ولا تطمئن له، علاوة على عزلته الدولية والقارية، ومن ثم يصير شعار: (لم الشمل) فاضحا لعقيدته المتناقضة، وباعثا على السخرية من طرف الشعوب والأنظمة معا.
المغرب لن يبالي بسعار نظام البلد الجار، وهو يواصل مضاعفة مكتسباته الديبلوماسية والقانونية والميدانية في النزاع المفتعل حول وحدته الترابية، كما يستمر في تطوير منجزه التنموي والديموقراطي بأقاليمه الجنوبية، على غرار كامل الدينامية الوطنية العامة بالمملكة، وسيبقى مادا يديه للجيران، ومن أجل تمتين التعاون الإقليمي، و»لم الشمل» الحقيقي لما فيه مصلحة الشعوب، وفي نفس الوقت يصر على سيادته الوطنية وأمنه ووحدته الترابية ومصالحه الاستراتيجية، ويعتمد يقظة دائمة وصارمة من أجل ذلك.
<محتات الرقاص