تناقلت وسائل الإعلام الدولية في الأيام الأخيرة أخبار وتفاصيل حدث ديبلوماسي مهم، وهو نجاح الصين في دفع السعودية وإيران إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية وإعادة فتح سفارتيهما، خلال مدة أقصاها شهران، وذلك بعد انقطاع العلاقات بين البلدين، منذ سنة 2016.
العديدون ابتهجوا لما وقع بين الرياض وطهران، ومنهم من اعتبر الأمر تحولا في النظام الأمني الإقليمي، ومن ذهب حد التأكيد على بداية بناء نظام عالمي جديد، ومن أبرز تنامي دور الصين مقابل تراجع دور واشنطن في العلاقة مع بلدان الخليج…، ولكن في المقابل هناك من تحفظ في تقدير أهمية ما وقع، وحذر من انتكاسة واردة للمصالحة، وهناك من دعا للتريث لاختبار نوايا النظام الإيراني أساسا، وهناك، أيضا، من لفت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس من السهل تراجع حضورها الإستراتيجي والأمني والعسكري والاقتصادي والسياسي في منطقة الخليج، ولو كان المنافس هو الصين، الذي توطدت شراكته التجارية مع إيران والسعودية معا.
وفي كل الأحوال، يبقى ما وقع بين الرياض وطهران، بوساطة بيكين، تطورا ملفتا في الوضع العام بالمنطقة، ويؤكد أن المصالح صارت اليوم حافزا مؤثرا لبناء العلاقات والمواقف بين الدول والتكتلات، ومن المؤكد ستبرز أمام ذلك تحديات عديدة لإعمال الاتفاق الموقع على أرض الواقع، وأيضا لترتيب واقع إقليمي جديد على ضوء أهدافه المعلنة.
الأنظار تتوجه، بالخصوص، إلى مدى استعداد إيران لتغيير توجهها التوسعي، وتدخلاتها العديدة في الشؤون الداخلية للكثير من الدول، في الخليج وخارجه، وذلك بما يهدد أمن هذه البلدان واستقرارها ووحدتها الترابية..
قد يكون الاتفاق السعودي الإيراني هذه المرة مختلفا عن سابقيه، ذلك أن مصالحات أخرى سبق أن أبرمت بين البلدين ولكن كان مآلها الفشل، وربما الأوضاع العالمية والإقليمية وصراع مصالح القوى الكبرى قد تكون محفزة اليوم على بناء مرحلة مغايرة تروم الاعتدال والعقلانية لصيانة مصالح كل طرف، ولكن أمثلة التاريخ تفرض التحفظ وتفادي الإفراط في التفاؤل.
من الطبيعي أن تتمسك شعوب الدول المشتعلة في المنطقة بخيط التفاؤل والأمل، وتتطلع أن يحمل لها هذا الاتفاق الاستقرار والأمن، وهذا ما حدث مثلا في سوريا ولبنان واليمن، وربما بشكل أقل في العراق وفلسطين، وحتى في البحرين ودول خليجية أخرى، لكن التحدي يوجد في التزام طهران بما وقعت عليه، وأن تتغير فعلا، وأن تسير من أجل علاقات طبيعية مع جيرانها بلا تدخل أو تهديد أو سعي للتوسع، وأن تنخرط في مسار بناء شرق أوسط آمن ومستقر.
المغرب معني اليوم بهذا التطور الديبلوماسي الذي حدث، ويتطلع أن يغير النظام الإيراني من نهجه العدائي، سواء على مستوى تسليح ميليشيات انفصالية لضرب وحدة المملكة واستقرارها، أو على مستوى مساعي اختراق المجتمع واستهداف وحدته، وهو ما كانت الرباط أدانته وفضحته أكثر من مرة بالأدلة والحجج، كما أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي سبق أن استنكرته، وعبرت عن تضامنها مع المغرب في مواجهته.
المملكة تتطلع أن يكون توقيع إيران على مصالحة ديبلوماسية مع السعودية دليل تحول نظامها نحو تفكير استراتيجي جديد ينتصر للعقلانية والتعاون الإيجابي والاستقرار، وأن يكون هذا النظام قد خرج فعلا من تفكير التصعيد وإشعال التوترات وتهديد الدول، المجاورة أو البعيدة، في أمنها ووحدتها واستقرارها.
وبشكل عام، يبقى الإعلان عن فترة شهرين في الاتفاق الموقع بين الرياض وطهران أمدًا زمنيا لاختبار مصداقية النظام الإيراني، ومستوى استعداده للسير في تنفيذ مضمون الاتفاق، وبالتالي تغيير سلوكه الديبلوماسي والسياسي والإستراتيجي، كما أن التجارب السابقة تجعل مستوى الثقة في النظام الإيراني ضعيفا في الأوساط الخليجية نفسها، ومن ثم تعتبر اليقظة الديبلوماسية واجبة من طرف المغرب لمتابعة تطورات هذا الملف وحسن قراءة سياقاته وتداعياته، والأساس أن المملكة بقدر ما تتمسك بمواقفها المبدئية السابقة، فهي أيضا تصيغ مواقفها من كل التطورات على ضوء احترام وحدتها الترابية وعدم التدخل في شؤونها الوطنية الداخلية واستحضار مصالحها الإستراتيجية الأساسية.
وإجمالا، سواء بالنسبة لإعمال الاتفاق الديبلوماسي الإيراني السعودي الأخير أو بالنسبة لعلاقات طهران مع الدول القريبة جغرافيا منها أو حتى تلك البعيدة عنها مثل المغرب، فإن التحدي الأساسي هو ألا يتعامل النظام الإيراني مع التزاماته بمنطق ظرفي وتناوري، وما تفتأ حليمة أن تعود لعادتها القديمة، ولكن أن يؤكد تغيره، وانخراطه في تفكير استراتيجي مختلف عن عقيدته العدائية والتوسعية التي سادت طيلة سنوات.
<محتات الرقاص