ينتصب الجامع الكبير وصومعته الشاهقة في قلب المدينة القديمة لتزنيت وسط أحياء تنضح بالثقافة وعبق التاريخ، ليضيف قيمة جمالية كباقي المساجد التي انتشرت في كامل أنحاء عاصمة الفضة. تتوفر هذه المعلمة الدينية، التي تبلغ الطاقة الاستيعابية للمصلين بها حوالي 1800 مصل ومصلية، على عدة مرافق وظيفية بما في ذلك مساكن للإمام والمؤذن، وساحة داخلية مفتوحة على مساحة 400 متر مربع، علاوة على مرافق ثقافية تشمل مؤسسة خاصة للتعليم العتيق على مساحة 2220 متر مربع، ومكتبة وقاعة للمحاضرات ومرافق أخرى.
في قلب المدينة القديمة لتزنيت، ينتصب الجامع الكبير وصومعته الشاهقة وسط أحياء تنضح بالثقافة وعبق التاريخ، ليضيف قيمة جمالية كباقي المساجد التي انتشرت في كامل أنحاء عاصمة الفضة.
يعرف بتسميات متعددة مثل المسجد الأعظم أو “الجامع القديم”، ويعتبر من المراكز العلمية والدينية البارزة بمنطقة سوس، التي انتظمت بها الدراسة وازداد إقبال الطلبة عليها من كل الآفاق من أجل تلقي العلوم المختلفة.
ويقع المسجد في قلب النواة الأولى لمدينة تزنيت، بحي إدضلحة، مما يجعله شاهدا على تاريخ المدينة العتيقة التي تظهر أحياؤها من فوق صومعته البالغ ارتفاعها 16 مترا (5 طوابق)، فيما الدروب التي تتوسطها تبدو مثل خلية نحل.
وإضافة إلى الصلوات التي تقام فيه بكرة وأصيلا، يعد الجامع الكبير أول مسجد بالمدينة تقام فيه صلاة الجمعة، وقد ظلت سمته البارزة، كثرة الإقبال على حلقات الدروس المنتظمة داخله، ليبقى بذلك منارة علمية عبر التاريخ.
وحسب المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بتزنيت، فإن مساحة المسجد تتوزع على قاعة للصلاة مخصصة للرجال (1239 متر مربع)، تنفتح في واجهتها الشرقية على فناء خارجي (صحن) على مساحة 400 م، تتوسطه خصة للماء، إلى جانب مقصورة، ومرافق صحية.
ويتكون بيت الصلاة من بلاطات متعامدة مع جدار القبلة بدعامات (سواري) وأقواس عالية، تنفتح من جهاتها الأربع على فناء (صحن) مكشوف بالوسط، ولتسهيل عملية ولوج المصلين إلى قاعة الصلاة، تم تزويد المسجد بثلاثة أبواب موزعة على جهاته الأربع، من أبرزها الباب الرئيسي المنفتح على الجهة الغربية على الساحة المحاذية لقصبة أغناج، والتي تؤدي مباشرة إلى معلمة العين الزرقاء (لعين أقديم).
كما تتوفر هذه المعلمة الدينية، التي تبلغ الطاقة الاستيعابية للمصلين بها حوالي 1800 مصل ومصلية، على عدة مرافق وظيفية بما في ذلك مساكن للإمام والمؤذن، وساحة داخلية مفتوحة على مساحة 400 متر مربع، علاوة على مرافق ثقافية تشمل مؤسسة خاصة للتعليم العتيق على مساحة 2220 متر مربع، ومكتبة وقاعة للمحاضرات ومرافق أخرى.
وضمن جهود الحفاظ على الموروث المعماري الديني وحمايته من كل تحريف أو تشويه، فقد عرف المسجد ومرافقه ترميما بالكامل من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سنة 2012، بهدف المحافظة على طابعه الأصلي وذلك باستخدام المواد والطرق التقليدية، وفق مواصفات تحفظ للمعمار رونقه وجماليته، إضافة إلى تهيئة الساحات الخارجية للجامع، قبل أن يتم فتحه، بشكل رسمي، لأداء الصلوات وصلاة الجمعة بتاريخ 13 يوليوز 2016.
وحول تاريخ هذه المنارة العلمية والدينية، قال الباحث في التاريخ، أحمد بومزگو، إن أولى الإشارات إلى المسجد القديم وردت في سياق نازلة فقهية خلال القرن الثامن العاشر، حيث ارتضى التزنيتيون بناء مسجد كبير وسط البلدة لتبديد الخصومات بين وحدات “أيت تزنيت” في أحقية كل واحد منها في إقامة صلاة الجمعة بمساجدها (إيداكفا، إدزكري، أيت محمد، إدضلحة).
وأضاف، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن تجديد بناء المسجد تم من طرف القائد سعيد الكيلولي سنة 1898م، بعد تهدم المسجد القديم مع تغيير مكان صومعته البسيطة الواقعة في مكان خصة الماء الحالية، فأحاطه بالجدار الخارجي وسقف منه الصف الأول، دون إتمام البناء، فبقيت الصومعة بلا تبليط بما في ذلك أخشابها البارزة، إلى أن أضاف القائد همو التيزنيتي الصفين الثاني والثالث الموالين للقبلة، وتم تبليط الصومعة في سنة 1926 م.
وحسب بومزگو، فإن الجامع (المسجد) اضطلع بدور كبير في صفوف المقاومة التي عرفتها تزنيت ومناطق سوس سنة 1912 م، بحيث شكل فضاء المسجد ومحيطه قبلة للكثير من علماء ووجهاء سوس ممن شكلوا عماد المقاومة.
وتابع بأن شهرة هذه المعلمة التاريخية، لم تبرز إلا في بداية القرن التاسع عشر عندما انتقل إليه العالم الشهير محمد بن محمد بن الطيفور الأسغاركيسي (1850 م)، الذي انتظمت الدراسة في المسجد على يده، وازداد إقبال الطلبة عليه من جميع الآفاق، كما قام في آخر عمره بتحبيس جل كتبه على خزانة الجامع وعددها ينيف عن الأربعمائة.
وقد تعاقب على الجامع علماء كثيرون، وخاصة العالم القاضي أحمد أعمو، الذي درس بالجامع الكبير بتزنيت في بدايات عام 1939 م، فاجتمع عليه عدد من الطلبة سواء من أبناء البلدة أو غيرهم من الآفاق البعيدة، وانتفع بعلمه الكثير منهم، وكان ذا عزيمة قوية في تحسين وتجويد طرق التدريس.
وسجل الأستاذ الباحث أن نشاط وإشعاع هذا الصرح الديني ازداد بعد مرحلة الاستقلال، فأصبح ينافس المدارس العتيقة المشهورة آنذاك، وأضحى فرعا من فروع معهد محمد الخامس بتارودانت سنة 1957 م، بحيث كان للمرحوم محمد الباز دور بارز في تحسين طرق ومناهج تدريس مختلف العلوم منذ أن التحق بالجامع، إماما وخطيبا، بحيث تولى الإشراف عليه وإدارته بجد منقطع النظير، أما دروسه فكانت تتسم بالجدية والحيوية والصرامة.
وذكر أنه في سنة 1984 م، انتقل المعهد إلى بناية حديثة، فاستردت المدرسة أنفاسها من جديد، وسميت مدرسة الحسن الثاني للقراءات، ثم أدمجت في نظام الأوقاف، فظلت على الدوام من المعالم الدينية التي تميز المشهد الديني بالمدينة وأحوازها.
ومن أجل إبراز مكانته على مستوى الأهمية المعمارية، فقد اعتبر الباحث في التاريخ أن من خصوصيات الجامع الكبير المعمارية، شكله المثير والمتميز وكذا الشكل الهندسي لصومعته التي حافظت على شكلها المربع الثابت في زواياه، المتماسك بطريقته المعمارية الفريدة، والذي يعكس عمق التأثر بالمعمار الحضري الديني.
ويرى بومزگو أن هذه الملامح الجمالية، تحيل إلى تأثيرات السعديين في النمط المعماري، خاصة الديني في الجنوب المغربي، لاسيما تقنية الأخشاب الأركانية البارزة في زوايا الصومعة التي بنيت بالتراب المدكوك وخضعت لتعديلات وترميمات متعاقبة.
وتبقى المساجد العتيقة موروثا هاما، يعكس عراقة التاريخ الإسلامي، واشعاعه التعليمي والتثقيفي، والتي جعلت منهم منارة للعلم والتربية والشريعة، فضلا على كونها فضاءات روحانية من أجل تزكية النفس البشرية.