نظمت الجامعة الوطنية للإعلام والاتصال بطنجة ندوة فكرية وإعلامية يوم 20 مايو 2023 حول موضوع جريمة الإشادة بالإرهاب وخطاب الكراهية والتطرف: أية معالجة إعلامية؟” وذلك في سياق إحياء الذكرى العشرين لأحداث الدار البيضاء الإرهابية في 16 مايو 2003.
في البداية، تناول محمد الوافي المنسق الوطني للجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال، الكلمة، فأبرز بأن انتماء الاتحاد المغربي للشغل لتربة هذا الوطن يجعل الاهتمام بكل قضاياه جزء لا يتجزأ من انشغالاته، وبأنه يسعى دوما للمشاركة في النقاش العمومي خصوصا وأن الأمر يتعلق بحدث ترك جروحا سياسية واجتماعية داخل المجتمع المغربي، مؤكدا بأن الجامعة ستعمل على نشر مداخلات الندوة بكاملها في كتيب خاص بغية تعميم الفائدة والمساهمة في إثراء النقاش العمومي.
الأستاذ مصطفى المانوزي رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن وقبل الإنكباب على تناول موضوعه، توقف ليؤكد ماجاء في تقديم محمد الوافي حول مسألة انخراط المنظمات النقابية في قضايا الفكر وحوارات المعرفة، مدعما هذا التوجه، حيث قال، إن من حق النقابي أن ” يحشر ” نفسه في نقاش كل القضايا التي تهم البلاد وكل التحولات التي تحصل فيها لأن من شأنه أن يجعله قوة مؤثرة في الأحداث، وهذا في رأيه ماكان عليه العمل النقابي الوطني منذ الفترة الإستعمارية مرورا بجل الفترات التي ستأتي بعد الإستقلال.
بعدها انتقل المتدخل ليطرح سؤالين أساسيين يتوجب، في نظره ،على الإعلاميين وكل الفاعلين المهتمين مواجهتهما بما يكفي من الفهم والتحليل، الأول يخص الحدث في حد ذاته متسائلا عن سياقاته السياسية التاريخية وطبيعة الفاعلين فيه وحساباتهم واحدا واحدا في تلك اللحظة المفصلية التي تم اصطلاحها بالإنتقال المغربي الموسوم بمرور المغرب الرسمي إلى عهد جديد كان في بداياته الأولى يرتب أوضاعه الجديدة بكل استفهاماتها الوطنية والديمقراطية. أما السؤال الثاني فيتعلق بما يتميز به الوضع اليوم بعد عشرين سنة على واقعة 16 ماي عن الوضع في تلك القطعة المتحركة من زمن السياسة داخليا وخارجيا،وفي هذا الباب يقول الأستاذ المانوزي، ” إن من شان تطارح الأمور بهذه الصيغة أن يسهل علينا ليس فقط، إدراك تفاصيل الماضي على الصعيدين السياسي والأمني”، بل وأيضا استخراج أهم آفاق المستقبل التي يمكن ايجاز أهمها في شرط الإنتقال الأمني بكل مقتضياته الديمقراطية والقانونية، والحسم في مقولة نهاية الإسلام السياسي كورقة وهابية قديمة تفاعلا مع اختيار المغرب لمشروع الديمقراطية استراتيجيا وفي تفاعل مع ما يحدث في السياق الدولي الراهن وانحياز المملكة السعودية الجديد لتحالفات تسير في اتجاه نفي السابقة.
الدكتور عبد الله الرامي الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، اعتبر في مداخلته المعنونة ب”نحو إعادة قراءة أحداث 16 ماي 2003″ بأن ما جرى خلال تلك الأحداث أكبر من التيار السلفي بالمغرب الذي كان حينها يطبق فتاوى الألباني وانتقل للعمل السياسي متأثرا بحرب العراق والحرب الدائرة في الجزائر ما بين الجيش والجماعات الإسلامية المسلحة، لا يزال في بدايته وتعوزه الخبرة العسكرية لتنظيم عمليات مماثلة ، وبأن تنظيم القاعدة هو من كان خلف تلك الأحداث.
واستند الأستاذ الرامي على ذلك بتصريح أحد الأطر العسكرية المتمرسة والمقربة من ابن لادن يدعى عبد العزيز مقرين نشر خلال السنوات الأخيرة في مجلة مقربة من تنظيم القاعدة، وأضاف الأستاذ الرامي موضحا بأن خلفية ما جرى في تفجيرات الدار البيضاء له علاقة باعتقالات تمت قبلها بسنوات لعناصر سعودية كانت تخطط للهجوم على باخرة أمريكية في مضيق جبل طارق.
الدكتور شهبون، الحقوقي وأستاذ التعليم العالي تناول موضوع ” مرتكزات لمقاربة ظاهرة التطرف والإرهاب”، اعتبر أن هناك أربعة مرتكزات حقوقية التي يتعين الإستئناس بها لمقاربة التطرف والإرهاب باعتباره نتيجة للأول.
1 – الحق في الأمن وما يرتبط به من حكامة أمنية. 2- التربية على القيم مثل التسامح والمواطنة 3- الحق في العيش الكريم ضد كل أشكال الهشاشة 4- الحق في محاربة الأمية الحضارية التي تمنع من مواكبة ما يجري في حقل العلم من تطورات.
من جهة ثانية اعتبر د. عبد اللطيف شهبون في معرض تحليله لأحداث الدارالبيضاء الارهابية بأن المغرب كان يعيش في وضع يتسم بالتسامح والاعتدال لننتقل إلى وضع نعيش فيه نمطا من التحول وأصبحنا إطارا حاضنا لإيديلوجيات وافدة فأصبحنا حينها نعيش في أتون ظرفية موسومة بالغلو والتطرف ضمن سياق ما بعد أحداث 11 سبتمبر. كما أصبح البعض يسبغ على ذلك الحدث الإرهابي سمة دينية ، بينما يشكل الدين جوهرا أخلاقيا يتعالى عن مثل تلك الأفعال، يضيف شهبون.
الأستاذ حبيب حاجي رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان وعضو الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب اختار المشاركة بعرض عنوانه: ” الحق في الحياة في مواجهة الحق في التعبير”، اعتبر أن الدولة المغربية لم تجرم التكفير الذي يكتسي صيغا متعددة نتيجة التحريض ، علما أن القانون المغربي يتوفر على عدة فصول تتعلق بالتحريض والتي يمكن للدولة استعمالها لتجريم فعل التكفير بدقة.
كما اعتبر ذ.حاجي أن الدولة تتحمل مسؤولية معنوية في انتشار الفكر المتطرف داخل المجتمع المغربي وما نجم عن ذلك من عمليات ومحاولات إرهابية باعتبار أنها أدخلت الوهابية في بداية سبعينيات القرن الماضي ولم تحم المواطن من خطاب الكراهية كما كانت تعبر عنه حينها أشرطة كشك وغيره من الدعاة المتشددين، إضافة إلى إيقاف تدريس الفلسفة والسوسيولوجيا بالجامعة آنذاك. وختم ذ حاجي مداخلته بدعوة الدولة إلى مراجعة المقررات الدراسية وفق عقلية علمية وعقلانية، وبضرورة النضال من أجل مراجعة وتغيير المنظومة التربوية ثم القانونية.
الدكتور عبد السلام أندلوسي ركز في عرضه “خطاب الكراهية والتضليل في الإعلام الاسباني، رصد لنماذج من الصحافة الورقية”. على كيفية تناول مجموعة من الصحافة الورقية الاسبانية (الباييس ، الموندو، ألفارو د سبتة والبويبلو د سبتة) خلال الفترة الممتدة ما بين 2007 و2012 للمشهد الديني الإسلامي بسبتة ومليلية ولتداعياته على عموم اسبانيا.
أبرز د.أندلوسي في معرض تدخله بأن الإسلام بالمدينتين المحتلين سبتة ومليلية هو سني المذهب، أشعري العقيدة، ولاؤه لمؤسسة إمارة المومنين، بيد أنه منذ 2002 (أحداث محطة القطار التي ضربت مدريد سنة 2004، حدث تراجع في صفوف مسلمي المدينتين المؤيدين لوزارة الأوقاف المغربية بعد انضمام أحد المحسوبين على الاتجاه المتشبت بالموقف المغربي الذي تعبر عنه وزارة الأوقاف ، والذي كان يحظى بشعبية في صفوف مغاربة المدينتين إلى صفوف السلطات الاسبانية . وقد نجم عن ذلك انقسام واصطفاف داخل مسلمي سبتة ما بين الموالين للمغرب وما بين الموالين لاسبانيا عبر جمعية UCIDE التي تسيطر عليها جماعة الدعوة والتبليغ التي سعت حينها للسيطرة على المساجد والزوايا والمرافق والجمعيات الدينية الإسلامية.
وقد خلص الدكتور عبد السلام أندلوسي بعد دراسة مستفيضة ودقيقة لإشكالية حدود الموضوعية والتوازن الإخباري في المواكبة الإعلامية لتلك الصحف الأربعة لمكونات الحقل الديني الاسباني بإسبانيا عموما والمدينتين المحتلتين خصوصا إلى كون الخطاب الإعلامي للجرائد الأربعة يتسم بشبه اتفاق حول رفض نموذج الإسلام المغربي ووصاية وزارة الأوقاف علاوة على كونه يتسم بعدم التوازن الإخباري والانحياز في التعاطي مع الخبر وإنتاج صورة نمطية، وكذا تجاهل تلك المنابرالاعلامية لحادث إضرام النار من طرف مجهولين في جانب من مصلى العيد الذي أقامه الموالون لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 2009.
المتدخل الأخير الدكتور الأمين مشبال الذي اختار لعرضه عنوان” الخطاب الإعلامي للجماعات المتشددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ” أبرز في بداية تدخله أن الخطاب الإعلامي للجماعات الإسلاموية ينهل من مفاهيم ومرجعية متشابهة ومتقاربة ، وبأن الخلاف ما بينها ينحصر في التكتيك السياسي، أي ما بين من يريدون إقامة دولة الخلافة هنا والآن بواسطة العنف وإراقة الدماء ، وما بين من يسعون إليها تدريجيا عبر استغلال آليات الديمقراطية بغية التغلغل في المجتمع ومؤسسات الدولة للوصول إلى السلطة وتحقيق “التمكين” حسب المصطلح الرائج في أدبياتها.
انطلاقا من ذلك اعتبر المتدخل أن المفاهيم/ المفتاح التي تؤطر المرجعية الفكرية والاستراتجية السياسية للخطابات المتشددة يتلخص في ثلاثة مفاهيم رئيسة وهي: الحاكمية والشورى والجهاد.
فانطلاقا من مفهوم الحاكمية الذي ابتدعه أبو الأعلى المودودي ونشره سيد قطب والذي يؤسس لدولة ثيوقراطية فإن كل المجتمعات الإسلامية التي لا تطبق الشريعة كما يتصورونها هي “جاهلة”. المفهوم الثاني في أدبيات تلك الجماعات والتيارات فهو “الشورى” وهو يقوم على توجيه النصيحة للخليفة أو السلطان من طرف أهل الحل والعقد ورفض الديمقراطية لكونها مفهوما إنسانيا ينبني على التعددية الفكرية والسياسية وحرية المعتقد وحرية العقيدة ويضمن حقوق الأقليات الدينية والثقافية والاقتصادية ، بينما هم يؤمنون بالأمة الواحدة حيث يذوب الفرد، كما يرفضون الديمقراطية لأنها تقوم على التناوب السياسي والتداول في السلطة وليس على خلود الزعيم في تدبير شؤون الرعية. أما الفكرة الثالثة التي يروج لها أصحاب هذا التيار فهي الجهاد الذي حرفوه من كونه دفاع عن الأوطان في وجه الغزاة والمستعمرين إلى فريضة تعبدية وإلى استباحة دماء من يخالف في الدين والعقيدة ونمط وفلسفة الحياة.